الوقوف على المبدأ والصِّدق

حمود الطوقي

باتتْ ثَوَابتنا العُمانية التي غرسها مَوْلَانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم منذ تولِّيه مَقَاليد الحُكم في العام 1970، محلَّ افتخار، ليس فقط عندنا نحن العمانيين بل عند غيرنا من أشقائنا وأصدقائنا الذين يرون أنَّ السياسة التي تنفردُ بها وتنتهجها السلطنة تفرضُ احترامَها وتقديرَها؛ لأنها سياسة مبنية على ثوابت، وترتكز على قيم ومبادئ لا يُمكن بأي شكل من الأشكال التخلي عنها؛ لأنَّها ثوابت راسخة تُتَرجِم الفكر المستنير والنظرة الثاقبة لجلالة السلطان، الداعية لتحقيق السِّلم والتعايش ونشر المحبة بين الناس.

هذه الثوابت كانتْ محورَ تداول شبكات التواصل الاجتماعي على مدى الأيام الماضية ومجموعات الواتساب على مستوى جروبات عمانية وخليجية، ولافت ردود أفعال مؤيدة في مختلف الحسابات وتحديداً على تويتر وفيسبوك.

ولعلَّ مقطع الفيديو القديم الذي انتشر وظهر فيه معالي يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، وهو يتحدَّث عن الفكر المستنير لجلالة السلطان، عندما سَأل أحد الضيوف جلالة السلطان سؤالا مباشرا: "أنتم اتبعتم السياسة بطريقة نادرة، كيف استطعتم أن توفقوا في إقامة علاقات ممتازة مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية إيران الإسلامية؟ كيف حصل هذا؟ وهذا شيء مُتعارض؟ فردَّ جلالته -حفظه الله- جوابا واضحا ومحددا قال فيه: "الوقوف على المبدأ والصدق".

ومن خلال مُتابعتي للردود الإيجابية التي علقت على هذا المقطع، خاصة وأن المقطع انتشر في وقت اشتدت فيه الخلافات بين الأخوة الأشقاء بدول مجلس التعاون، هذا الكيان الذي كان يوصف بأنه أحد الكيانات الأكثر رسوخا وتماسكا.

من الردود الإيجابية التي وصفت وعلقت على ما جاء بالمقطع، أنَّه يُمكن أن نستلهم معاني ونبل هذه الثوابت العمانية بأن الجميع يشيد بأخلاق المواطن العُماني؛ حيث يتسابق أجناس البشر للتعبير عن ذلك عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حبًّا وإعجابًا للمواقف العمانية الداعية للسلم والتعايش، ويعتبرون أنَّ النهجَ العُماني فرض احترامه بين الأوساط الرسمية والشعبية؛ مما يجعل الشعب العُماني مفخرةً أمام الجميع.

نحن هُنا لا نستغرب عندما نشاهد الأشقاء في اليمن وفلسطين يرفعون العلم العُماني وصورَ حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس، ويثنون على أخلاق وكرم واحترام العمانيين؛ فذلك دليل وبرهان على أنَّ المواطن العُماني يحظى بحب كبير من مختلف الأجناس.

استحضرتُ وأنا أكتب هذا المقال تحرُّك الدبلوماسية العمانية وهي تعمل بجد وإخلاص لتضييق الفجوة بين ما يحدث حاليا من شرخ في العلاقات على المستوى الرسمي بين الدول الخليجبة ودولة قطر الشقيقة. سلطنة عُمان يهمها أنْ تعود العلاقات الخليجية كما كانت، والتحرك العماني سيظل وسيكون فاعلا بإذن الله. فالثوابت الخليجبة لابد لها أن تستمر، فقد ظلت متماسكة طوال العقود الأربعة الماضية، وعليا كشعوب خليجية أن نظلَّ مُتماسكين، ونترك لأهل السياسة يحلون القضايا دون أن تؤثر علينا وعلى علاقاتنا المتميزة.

نحن في عُمان نقدِّم دروسا للعالم، ويجب أن يتعلموا من مواقفنا الثابتة، من حُسن ظن أهل عُمان في رسول الله، عندما بعث إليهم يدعوهم للإسلام فاستجابوا له طوعا دون حرب أو قتال.

عُمَان بمواقفها ونهجها مَدْرَسة في الأخلاق والمعاملات؛ فالكرم والجود وحسن الضيافة ﻷي ضيف يَقْدِم عليهم، بغض النظر عن ديانته واحترامه للنفس البشرية، هي مبادئ قيِّمة من ديننا الإسلامي الحنيف.

نفتخرُ دائماً في عُمَان أنَّ تمسكنا بالدين اﻹسلامي الحنيف ومطلب الاجتهاد في تطبيقه، وأنَّ الناس أجناس تتعدُّد آراؤهم وتختلف وجهات نظرهم دون تمييز. فالتعايش والتسامح ورفع راية الوحدة بين المسلمين والحرص على وحدة الصف إحدى أبرز القيم العمانية الأصيلة.

إنَّني في هذا المقال لا أنحاز لعُمان كوني عُمانيًّا، فكل المؤشرات تؤكد أنَّ بلادنا -والحمد لله- دولة متميزة؛ لأنها رسمت خارطة طريق ومنهجا في التعاملات بأننا لا نتدخل في شؤون غيرنا ما لم يُطْلَب منا التدخل رسميًّا، وأنْ لا ننجر وراء اﻷحداث.. فهكذا نحن في عُمان تعلمنا نحب الوطن وكرامة المواطن، وأن المخلص لله سيخلص لوطنه ودينه وعقيدته وسينبذ جذور الفرقة والشقاق. نجزم أنَّ هذه المبادئ جعلتنا ننأى بأنفسنا عن الفتن والمشكلات، فقد تعلمنا من فكر جلالة السلطان أنَّنا أبناء عُمان دولة واحدة وشعب واحد ودين واحد، لا ندَّعِي الكمالَ، ولكننا حتماً نتميَّز بأخلاقنا الممزوجة بالدين واﻷدب، فنحن نُحِب الكلَّ، ويحبنا الجميع، لأنَّنا وضعنا في الاعتبار أنَّ المذهبية والطائفية ليست طريقا للنجاح والفلاح، بل طرق للدمار والهلاك.

هذه هي عُمان، وهذا هو شعبها الوفي، الذى سلك منهجا بعيدا عن أية صراعات ونزاعات، من أجل أن تبقى بلادنا ناصعة البياض.