خالد الخوالدي
هبطة العيد في الخابورة أو ما يطلق عليه تجاوزا (سابع وثامن وتاسع) من أقدم الهبطات في شمال الباطنة قاطبة إذا لم تكن الأقدم والأبرز والأكثر استقطابا للمرتادين الذين يتوافدون إليها من مختلف ولايات المحافظة ومن محافظات أخرى. ولا زالت الذاكرة تسعفني وأتذكر تلك الأيام المتعبة في ظاهرها والمرهقة حينها ونحن نستعد لهبطة العيد أو سابع كما كان يحلو لنا تسميته في تلك البقعة من الأرض التي كانت النخيل الباسقة تظللنا ونربط بها أغنامنا في مشهد جميل ورائع وبتفاهم عجيب بين الناس، وكنا نستعد من الليلة التي قبلها في معرفة رؤوس الأغنام التي سيتم الإمساك بها من أول الصباح لعرضها للبيع لنخرج من بعد صلاة الفجر لنعرض المواشي للبيع مع الوالد حفظه الله وأطال في عمره، وهناك من كان يأتي من الأطفال الذين في أعمارنا ليتسوقوا من المأكولات والألعاب المختلفة والألعاب النارية (الفتاك) التي كانت على أشدها ولها شعبية كبيرة إلى جانب وجود الملابس والمستلزمات المنزلية ومستلزمات العيد والتنور والمشاكيك إلى جانب وجود الأعلاف والإعمال اليدوية والمنسوجات والكل يعرض ما يشاء من حمام وأرانب وكل ما تتمناه تجده في السوق الشامل، كانت تلك اللحظات لها متعة كبيرة في قلوب الناس وتجد الهبطة مزدحمة، كل يوفر لأسرته ما يشاء، وإن كانت متعبة خاصة لما يكون في رمضان إلا أنها جميلة وسعيدة، والآن أصبحت أكثر جمالا بعد أن أصبحت ذكرى والذكرى دائما ما تجعلنا نعيد شريط الذكريات ونمسح الغبار عن الصور المحفورة في أذهاننا لنلمعها ونعرضها صافية وبهية.
هذه الصور لشريط الذكريات كانت منذ الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي وطبعا هبطة العيد في الخابورة كانت قبلا ولها شهرة واسعة، وبعد هذه الذكريات اتضح أنّ موقع الهبطة أصلا أرض لمواطن ولم تكن حكوميّة، ومنذ ذلك التاريخ ونحن مغيبون، وأقولها وبقلبي حسرة وتساؤل أين هم أبناء الخابورة المخلصون؟ أين الغيورون للعادات والتقاليد والموروث الحضاري والتاريخي للولاية؟ أليس في الخابورة رجل رشيد؟ واستغرب أنه لم يأت أحد من أبناء الخابورة ولا من المسؤولين في أي جهة حكومية سواء أصحاب السعادة الولاة أو مديري البلدية الذين تعاقبوا على الولاية ولا من أصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى ولا من أعضاء المجلس البلدي حاليا لإيجاد حل لهذه المسألة سواء بإيجاد قطعة أرض بديلة أو مفاوضة صاحب الأرض وتعويضه بأرض أخرى في موقع آخر وتسجيل هذا السوق كإرث دائم نفخر به وتفخر به الأجيال القادمة ونستمد منه الذكريات الجميلة التي عشناها وألفناها.
إن الأرض (الهبطة) والتي كان النخيل يظللها أصبحت قاحلة بل زاد الطين بلة الأكوام الطينية التي طرحت بها في إعلان صريح وظاهر - مفاده اذهبوا أنتم وهبطتكم إلى الجحيم- مما ينذر أن الهبطة في خطر، والجو يخيّم عليه سكون رهيب وقاتم كحال الخابورة التي لم تر من أهلها إلا النكران والجحود ليندثر تاريخ مهم من تاريخ الخابورة كما اندثر ميناؤها ولم يعرفه أحد وحصنها الذي ما تزال أيادي الصيانة تحفر به منذ سنوات لعله يبقى لها بعد أن دمرت أغلب حصونها، ولم يشفع لها شافع ولم يطالب بحمايتها حامٍ، وإذا كانت الأمم تموت وتبقى آثارها فإن الأمم البشرية في الخابورة تموت ولا يبقى من آثارها شيء لأن أهلها الإحياء مشغولون بجمع الحطام ولا يهمهم إلا تسجيل ملكيات الأراضي، ودمتم ودامت عمان بخير.