نجاح الوساطة الكويتية.. خيار وحيد لكل الخليج

د. عبد الله باحجاج

تحولت المنطقة الخليجية بعربها وفُرسها منذ العاشر من شهر رمضان المُبارك، إلى بيئة إقليمية مشتعلة، ومفرطة الحساسية، وشديدة الحركية على المستويين المحلي والعالمي، وقد وصلت حدة احتقانها إلى القمة، خاصة بعد الهجمات المُسلحة على البرلمان الإيراني وضريح مؤسس الجمهورية الإيرانية الإمام الخميني يوم الأربعاء الماضي، مما يفتح أسوأ الاحتمالات المتوقعة وغير المتوقعة، والخوف كل الخوف، من أن يستغل هذا الاشتعال لانفجار المنطقة كلها.

ليس هناك الآن أية ضمانة فعلية، على أنَّ الأوضاع ستكون تحت السيطرة إذا ما حاول أعداء المنطقة العبث بأمنها واستقرارها، وهم كُثر، ويبدو أنَّهم يتطلعون إلى نقل الصراع إلى داخل الخليج العربي بعد أن فتتوا دول المُواجهة العسكرية، وحولوا داخلها إلى حروب طائفية طويلة الأجل، فهل جاء الدور الآن على دول المواجهة المالية والإعلامية؟.

يشغلنا كثيرا التساؤل الأخير، ونكاد لا نرى سواه في مشهد الاستهداف من تفجير الاحتقان الخليجي الخليجي الجديد في توقيته الراهن، وبقسوته المؤلمة، ونُدلل على هذا الرأي بالإعلان الروسي عن انتهاء الحرب في سوريا، فهل تنتقل الآن إلى الخليج؟

أجهزة مُخابرات عالمية أصبحت تعمل الآن داخل هذه المنطقة المُحتقنة، بعضها تحت شرعية دول، والأخرى مزروعة تحت عباءات مختلفة، كما استوطنتها قوات إقليمية وعالمية، كل واحدة منها تُدافع عن شرعية في مُواجهة أخرى، فكيف تحول خليجينا العربي فجأة إلى هذا الاصطفاف الإقليمي والعالمي؟ حقيقية نُعلي من شأنها هنا في ظل تصعيد الاحتقان الخليجي، وعدم المرونة مع مساعي الوساطة الكويتية، مُقابل تهديدات إيرانية بالانتقام من الاعتداءات الأخيرة التي تتهم فيها طرفا خليجيا محددا بالاسم، وهذا يعني أنَّ كل الجبهات الخليجية مفتوحة، ومُتاحة لأسوأ الاحتمالات، نتيجة لانشغالها بمجموعة أزمات مفتوحة، آخرها انفجار الاحتقان الجديد بين الأشقاء الذي جاء بمثابة الزلزال الذي لم تهدأ توابعه حتى الآن رغم وساطة أمير الكويت، وزيارته المكوكية بين عدة عواصم خليجية. أموال خليجية ضخمة وكبيرة تصرف يوميًا على كل هذه الجبهات في ظل الأزمة النفطية، غير الابتزازات الدولية المكشوفة، إذن، إلى متى ستتمكن الدول الخليجية من إنفاق الأموال على كل هذه الجبهات؟.

يكون هنا الخاسر الدائم التنمية الداخلية في الخليج، فالأزمة الخليجية الجديدة، مهما كانت ظروفها ومسبباتها، والخطأ والصواب فيها، تعمق مُسلسل ضياع فرص التنمية في الخليج، كما جاءت لتكشف مزاعم نقص السيولة المالية من جراء الأزمة المالية، بل العكس تشير إلى ضخامة المخزون المالي لدى هذه الدول. لكن إلى أي مدى زمني ستتمكن هذه الدول من تمويل جبهات مواجهتها المُتعددة؟ كما إن التفكير يتَّجه بنا إلى التساؤل كذلك، عن استمرار تحصين الجبهة الداخلية الخليجية في ظل الاحتقان الخليجي الخليجي الجديد؟ فهذه القضية لابد أن تؤخذ بعين الاعتبار عند الأنظمة الخليجية. فقد كان ينظر لكل دولة خليجية من الدول الست بمثابة حزامها الأمني الأول، فهل ستسقط هذه المقاربة الأمنية الآن؟ تسقطها ظرفياً على الأقل من الحسابات، خيار الحصار والمقاطعة وإغلاق الحدود والأجواء، فالتداعي السيكولوجي والاجتماعي على وجه الخصوص سيكونان عاملين مؤثرين في مُستقبل فك الارتباط بين الأمنين الداخلي والخارجي المجاور، وهذه مسألة مفترضة، خاصة إذا ما أخذت سياسة الحصار والإغلاق مدى زمنيًا أطول، وكانت لها تأثيراتها الاجتماعية، فاستمرار مثل تلكم السياسات وإنتاجاتها السلبية على المجتمع، ستمس النفسيات، وتفقد عامل الثقة على مدى محسوب بالأجيال، وهناك تكمن المشكلة الكبرى بشأن مستقبل مجلس التعاون الخليجي.

لذلك، لا بد أن تُهيأ كل الظروف لنجاح وساطة أمير الكويت اليوم قبل غدٍ، ليس هناك من خيار آخر لكل دول مجلس التعاون الخليجي، فالتأخير لن يخدم المسير الجماعي للمصير المشترك الآمن، ولن يكون الحل ناجعًا أو مستداماً إلا إذا انفتح على الجرح القطري الذي يسببه الحصار والمُقاطعة. من هنا نقترح أن تقدم السلطنة والكويت مشروعا لتطوير المنظومة الخليجية يستوعب المشاكل القديمة والجديدة من ضمن حلول الأزمة، ويكون هذا المشروع في شكل معاهدة جديدة تتركز على أربعة أضلاع أساسية، قد أبرزت إليها الأزمة الخليجية الراهنة، وهى:

أولًا: تعزيز المواطنة الخليجية، ففيها يتم تجريم المساس بالمواطنين ومصالحهم الاقتصادية داخل كل دول المجلس في حالة اندلاع أية خلافات سياسية بين دول المنظومة، واعتبار الحصار والمقاطعة الاقتصادية لأية دولة خليجية من المُحرمات.

ثانيًا: تحديد رؤية سياسة خارجية مشتركة، فالحديث عن تغيير تصرفات الحكومة في ظل عدم وجود هذه الرؤية، يظهر كمن يحاول أن يفرض رؤيته الخاصة على الآخر، وهو في منأى عن التغيير، رغم تقارب وتشابه التصرفات الخارجية.

ثالثًا: تحديث وتطوير الأمانة العامة لمجلس التعاون، وأطرها، ومشاركة مؤسسات المجتمع المدني فيها، وإنشاء محكمة خليجية متخصصة ومن كوادر محايدة تبت في الخلافات المُستجدة.

رابعًا: فتح حوار خليجي إيراني عقلاني للتوصل إلى قواسم مُشتركة للتعايش بين شركاء المنطقة، خاصة وأن هذه الإمكانية متاحة الآن بعد فوز الرئيس حسن روحاني بولاية ثانية بعد تفوقه على منافسه الأبرز إبراهيم رئيسي.

ومن خلال مثل هذه المقترحات التي لدينا لها تفاصيل مُهمة أخرى، يمكن احتواء الأزمة الجديدة، سواء تلك التي استجدت داخل الجانب الإيراني أو الجانب العربي، واستيعاب البعد النفسي الاجتماعي والسياسي للحصار، على اعتبار أنها سابقة ويجب ألا تتكرر، وأنها قد أدت إلى استحداث أطر ومؤسسات للحيلولة دون تكرارها في العلاقات الخليجية الخليجية مستقبلاً، وأنها تنقل كل المنطقة إلى عهد جديد.. والله يصلح الشأن بين الأشقاء.