الدكتور كهلان الخروصي: المال هبة من الله والصدقات والإنفاق حرز ووقاية للمتصدق ولذريته من بعده

مسقط - أحمد الجرداني

القيمة الإسلامية الرائعة لكي نحقق منها الكثير من الفوائد، لأنفسنا وللمجتمع والتقرب لله سبحانه وتعالى.

هو من أهم القيم الإسلامية الرائعة ويحقق العديد من الفوائد للإنسان والمجتمع ويقربه إلى الله عز وجل.

ويقول فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة إن الإنفاق من الأمور الهامة في هذا الدين التي تتصل بقيمه ومبادئه، كما تتصل بأحكامه وبأصول شريعته فقهاً وعملا، وتظهر آثاره وتتجلى حكَمه في واقع حياة الناس أفراداً وجماعات؛ ولذلك كانت لنا هذه الوقفة مع موضوع الإنفاق فمع المادة ..

ويضيف قوله: الإنفاق يأتي مأموراً به في سياقات تدعو إلى التأمل والنظر، حينما تكون الدعوة إلى أهم الأعمال التي تنجي هذا العبد وتبلغه المنازل العالية في الدار الآخرة نجد أن الإنفاق يتصدر الصفات، يقول الله عزّ وجلّ ( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)  الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، ثم بعد ذلك ذكر بقية صفاتهم، أول ما ذكر من صفات هؤلاء المتقين الموعودين بجنةٍ عرضها السموات والأرض وبمغفرة من ربنا تبارك وتعالى الغفور الرحيم قال: { الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ...}.

 ونجد مثلاً أن الله سبحانه وتعالى يعتبر الإنفاق في وجوه البر المختلفة -وهذا مما ينبغي أن يُتأمل فيه- يعتبره القرآن الكريم قرضاً لله عز وجل يسميه هكذا، فالله تعالى يقول في كتابه (إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) ، وهذا يقوله في سياق الأمر بالإنفاق (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ ...) ، وكثيراً ما نجد هذا المعنى (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ...) .

 ويشير إلى أن آيات الإنفاق في سورة البقرة أكثر ما وردت وتتابعت هي في الآيات من مائتين وستين إلى مائتين وسبعين، الآية رقم مائتين وستين هي قصة إبراهيم الخليل (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، الآن بعد هذه الآية مباشرةً يأتي الانتقال إلى الإنفاق.

 ويتساءل فضيلته قائلاً: أليس في هذا الانتقال دلالة على أهمية الإنفاق؟!! أي بعد هذا الموقف الذي تتجلى فيه قدرة الله سبحانه وتعالى لخليله إبراهيم-عليه السلام-بتلبية طلبه لكي يزداد طمأنينة بإيمانه فيرى كيف يحيي الله تعالى الموتى ويريه الله عزّ وجلّ هذه الآية يأتي موضوع الإنفاق (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

ثم يتسلسل الحديث عن صفات هؤلاء الذين ينفقون، وما هي النفقة المقبولة، والتحذير من المن والأذى، ثم يتكرر موضوع مضاعفة الله سبحانه وتعالى لمن ينفق ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، وتشبيه من ينفق ابتغاء مرضاة الله بالجنة ذات الربوة، وضَرْب المثل ببقاء ثواب هذه الصدقات وهذا الإنفاق بالحرز والوقاية لهذا المتصدق ولذريته من بعده بهذا المثل ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) .

ويضيف فضيلة الشيخ كهلان الخروصي : ويأتي التأكيد مرة أخرى على الإنفاق ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ، الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، ليكون ختام الآيات هذا السياق (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ).

هذا الربط بين الإيمان في صدر الآيات ثم الإنفاق ثم إيتاء الحكمة له دلالة عميقة وهي أنّ هذا التجرد من شح هذه النفس ومن أثرتها ومن حبها الجم للمال ببذل هذا المال موقناً هذا الباذل وهذا المنفق أن هذا المال إنما هو هبةٌ من الله سبحانه وتعالى وأن ربه تبارك وتعالى قادرٌ أن يسلبه إياه إن لم يؤد حقوقه فيه في أي وقت كان ليكون كمن ترك ذريةً ولها جنانٌ وأنهارٌ لكن أصابها إعصارٌ فاحترقت فما انتفعوا به.

ومن يصل إلى هذه المرحلة هو الذي يورَث الحكمة.. هو الذي يفتح الله سبحانه وتعالى له أبواب والعقل والأناة وكل الخصال الحميدة التي يحبها سبحانه وتعالى ليأتي السياق بعد ذلك مؤكداً لهذا المعنى أي بعد هذه الآية يأتي { وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ ...} مرة أخرى يعود إلى موضوع الإنفاق { وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ، إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ...) إلى آخر الآيات التي يمكن أن يُرجع إليها من الآيات مائتين وواحد وستين إلى مائتين وأربعة وسبعين من سورة البقرة-؛ لتتأكد هذه الحقيقة أن الإنفاق في سبيل الله عز وجل هو من الخصال التي يحبها ربنا تبارك وتعالى، والتي تنجِّي صاحبها في الآخرة، والتي يظل ثوابها وأجرها ممتداً، والتي يحرز الله عز وجل بها حتى ذرية هذا المنفق وخلفه من بعده، والتي تورث هذا المنفق من الخصال أكملها وأجملها وهو إيتاء الحكمة بحيث يضع الشيء في موضعه، ويدرك حقيقة هذا المال الذي أعطاه إياه ربه تبارك وتعالى، ويتخلص من أشد ما يمكن أن يطغى بهذه النفس حينما تستغني.  

 

تعليق عبر الفيس بوك