كتاب "ولاية مسقط".. كنز من المعلومات الناطقة بلسان 96 راويا وراوية

 

مسقط - العمانية

يعد كتاب ولاية مسقط الحياة الاجتماعية والاقتصادية الذي صدر من خلال مشروع التاريخ المروي الذي تنفذه وزارة التراث والثقافة ومن إعداد الدكتور سليم بن محمد بن سعيد الهنائي كنزا من المعلومات الناطقة والدقيقة للحياة الاجتماعية والاقتصادية لهذه الولاية العريقة بلسان 96 راويا وراوية من أهالي ولاية مسقط مع الاستعانة بعدد من المراجع البحثية والتي بلغت (36) مرجعا بحثيا وجاء الكتاب في طبعة أنيقة تقع في مائتين وثلاث صفحات.

ووفق ما جاء ذكره في مقدمة هذا الكتاب المهم فإنّ التاريخ الشفوي لايزال ورغم أهميته يواجه كثيرا من التحديات، وقد أدركت العديد من الدول حول العالم أهميّة التاريخ الشفوي في تسجيل وحفظ مآثر وتراث الشعوب لكن على الرغم من ذلك ما يزال ينظر له أنّه لا يعادل أهميّة الوثائق والتراث المخطوط.

ويرى بعض المؤرخين أنّه لا يمكن اعتبار التاريخ الشفوي أو الشهادة الشفوية تاريخا بحد ذاتها، وإنّما هي صور حية لأحداث مكتوبة؛ إلا أنّ أهميّة الشهادة الشفوية تظهر عند غياب الوثائق المتصلة بذلك الحدث فمن ساهم في ذلك الحدث يعد شاهد عيان وشهادته وثيقة يجب أن تسجل، فهو ممن صنع أو كان له دور في القيام به إضافة إلى أنّه إذا غابت الوثائق عن الحدث أو عندما لا تعطي الوثيقة الجواب الشافي فعندها لا بد من جمع شهادات عدد من الناس الذين شاركوا فيه أو عاصروه، وبالتالي فإنّ الشهادة الشفوية تلقي ضوءًا يوضح الحدث ويساهم في تفسيره.

ويرى القائمون على هذا العمل أنّ الباحثين اختلفوا في تعريف التاريخ الشفوي ومواضيعه وحدوده، خاصة تقاطعه مع التراث الشعبي (الفلكلور) على أنّ التاريخ الشفوي - من وجهة نظر المؤرخين- هو تسجيل وتوثيق وتصنيف المعلومات الشفوية المستقاة من ذكريات الناس في الماضي القريب والمستندة على تجاربهم وآرائهم حول أحداث ومظاهر معينة. فهو بعبارة أخرى دراسة الماضي من خلال روايات شهود العيان الذين عاصروا الحدث وشاركوا فيه. وإنّه منظومة تقدم أحداثا من خلال عقد مقابلة شخصية مع شاهد عيان لحدث معين أو شارك في صنعه وكان أحد المعاصرين لوقوعه.

وبالنسبة للسلطنة فالذي نطالعه دراسات تتكلم عن الموروث الشعبي والعادات والتقاليد والأزياء الشعبية أصدرتها وزارة التراث الثقافة، لكن الدراسات على مستوى التاريخ الشفوي قليلة على المستوى البحثي (دكتوراه، ماجستير، بحث) التي تتناول التاريخ الشفوي لولاية مسقط وتبحث فيه بأسلوب علمي حديث وإن كانت قد شقت طريقها منذ فترة وهناك جهود كبير مبذولة في هذا المجال.

ولأهمية الموروث العريق لولاية مسقط في جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية كان لا بد من حفظه وتدوينه، إذ تعد هذه الولاية من الولايات المهمة في التاريخ العماني، حيث قامت بأدوار سياسية وثقافية واقتصادية على مرّ التاريخ، فما تزخر به من معالم تاريخية وأثرية ضاربة في عمق التاريخ تدل دلالة واضحة على عراقة هذه الولاية ودورها الحضاري على مر العصور، وتأثيرها المباشر على حياة المواطن العماني في الماضي والحاضر.

واتصف كتاب مشروع جمع التاريخ المروي لولاية مسقط الحياة الاجتماعية والاقتصادية بطابع الشمولية من خلال 8 فصول بداخل كل فصل عدد من المباحث حيث اشتمل الفصل الأول والذي حمل عنوان (الجغرافيا المكانية والحضرية لمسقط) على 3 مباحث تحدث المبحث الأول عن جغرافية مسقط فيما تحدث الثاني عن العمارة الحربية في مسقط والثالث حول الدخول والخروج من بوابات مسقط.

الفصل الثاني تضمن مبحثا واحدا عن المباني الرسمية والمدنية في مسقط فيما استعرض الفصل الثالث النشاط الاجتماعي في مسقط من خلال 10 مباحث.

وجاء الفصل الرابع حول العلاج في مسقط والخامس عن التعليم والسادس النظم والقوانين والعقوبات.

وركّز الفصل السابع على النشاط الاقتصادي في مسقط من خلال 8 مباحث، أما الفصل الثامن فتضمن شرحا وافيا عن الخدمات العامة في مسقط.

ويرى القائمون على الكتاب أنّ التاريخ الشفوي يعد من أهم الأبحاث الخاصة بالعلوم الإنسانية، إذ يتيح للباحث التطرّق إلى موضوعات ووسائل بحث أكثر انطلاقا وانفتاحا على التاريخ، فالتاريخ الشفوي يستطيع القاء الضوء على عدة دراسات مهمة قد تكون غائبة، فيعد الذاكرة للأمة يعرض من خلاله الروايات المراد دراستها كهمزة الوصل بين الماضي والحاضر كما تعد الرواية الشفوية (ORAL TRADTION ) من أهم المصادر في تناول التاريخ القريب.

والتاريخ الشفوي العماني الحديث أحوج ما يكون إلى الدراسة والتوثيق، فالمصادر العمانية المكتوبة قليلة ولم يتناول مؤلفوها غالبا بالجانب الشفوي من التاريخ.

كذلك فإنّ تسجيل التاريخ الشفوي العماني سيحافظ على الهوية الوطنية، ومن هنا كان حفظه وتدوينه مسؤولية ملحة في الوقت الحاضر، لأن كبار السن في طريقهم إلى التناقص بمرور الزمن.

وفي هذا السياق يقول الدكتور سليم بن محمد الهنائي إنّ تاريخ مسقط مبهم لدى البعض بسبب عدم وجود مادة مكتوبة تؤرخ لمسقط خاصة في النواحي الاقتصادية والاجتماعية ولا يعرف الناس سوى ما تتناقله الألسنة من كبار السن ممن سكن مسقط أو زارها، خاصة وأنّ مسقط العاصمة تحتوي على الميناء الرئيسي وبالتالي كانت أعداد من العمانيين تزور مسقط وهؤلاء يسجلون ما تشاهده أعينهم لكنه ظل حبيس الفكر.

وأضاف الهنائي أنّه يحاول منذ سنوات مضت أن يجمع مادة عن مسقط ولقلة المادة المتاحة ولدت فكرة الاعتماد على المصادر الشفوية بعد أن احتضنت وزارة التراث والثقافة هذا المشروع الذي يهدف في الأساس إلى توثيق الرواية الشفوية.

ومن واقع ما جاء في هذا الكتاب من مادة علمية وثقافية وخبرية مروية يتضح مدى الجهد الذي بذله فريق عمل المشروع الشفوي وهو في الغالب يأخذ قسما كبيرا من الجهد في العمل الميداني، لأسباب من ضمنها صعوبة الوصول إلى الرواة، وطريقة محاورة الراوي واستخراج المعلومات منه، وهذا يتطلب فريقا متمرسا مدربا.

ويشيرالدكتور الهنائي إلى أنّ أبرز التحديات التي واجهت العمل تتمثل في التغييرات الكبيرة التي حدثت في مسقط منذ الستينيات وحتى نهاية السبعينيات، هذه التغييرات عملت على طمس كافة الملامح التي ميزت مسقط من خلال أسوارها وبواباتها ومبانيها إضافة إلى خروج معظم السكان خارج مدينة مسقط، حيث انتشروا في ضواحي العاصمة نحو السيب والعامرات وغيرها وهذا الانتشار عمل على صعوبة التواصل معهم أو التعرف على من سكن في مدينة مسقط.

ومن بين التحديات أيضًا أن نسبة كبيرة من السكان التي تقطن حاليا في مدينة مسقط وفدت إليها واستقرت منذ فترة قليلة لا تتجاوز 20 سنة وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا مصدرا للرواية الشفوية نظرًا لحداثة العهد بمسقط وخصوصيتها ومن بقي من سكان مسقط فإنّه توفاه الله أو لا يستطيع إجراء المقابلة بسبب كبر السن أو المرض والعجز.

وأضاف الدكتور: البحث أظهر أنّ مسقط كانت محط أنظار الجغرافيين المسلمين كما أدركوا أهمية ميناءها الذي لعب دورًا رئيسيًا في حركة التجارة البحرية، إضافة إلى أنّ النشاط الاجتماعي الذي تمتع به سكان مسقط لا يخرج عمّا كان سائدا في المجتمع العماني ككل من حيث العادات والتقاليد.

تعليق عبر الفيس بوك