الإسلام في الأدب المسيحي

 

 

د. يحيى أبوزكريا

 

قال الله تعالى في محكم التنزيل: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ.. في سورة الصف..

بين الإسلام والمسيحية جسور تواصل وعلاقات تاريخية وفكرية وحضارية، لا يمكن للهمج الرعاع الذين خطفوا الإسلام أن يفجروها أو يلغمّوها.. فيسوع المسيح كان من أنبياء أولي العزم الذي بشر برسول الإسلام محمد صلى الله عليه وآله، والمسيحيون كانوا أساسًا ومدماكًا في هذا الشرق، وكان لهم الفضل في الحفاظ على الروحانية والدين في هذا الشرق وهم من أوصله إلى الغرب وبلاد الفرنجة.. وللذين لا يقرأون نقول بل إنّ الأدب العربي كان المسيحيون ركنه الركين.. لقد أثرى الشعراء المسيحيون آداب العرب وشعرهم ونثرهم.. ويقينا فإنّ الكثير لا يعرف أنّ عنترة بن شداد العبسي كان مسيحيا، وصاحب القصيدة التي مطلعها/ قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ بسقطِ اللوى بين الدخولِ فحوملِ؛ أمرؤ القيس بن جُحر بن الحارث بن عمرو كان من أساطين الكلمة العربية قبل الإسلام وهو مسيحي، وميسون بنت بجدل الكليبة ونابغة بني شيبان والأخطل التغلبي وعدي بن زيد العبادي وهو أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى ملك الفرس والمقدم على جميع شعراء الحيرة كان نصرانياً، والنابغة الذُّبياني زياد بن معاوية، وهو من الطبقة الأولى المقدمين على سائر الشعراء والذي قيل فيه: "أشعر شعراء قومه وأشعر الناس وأشعر العرب "كان مسيحيا.. والذي يقرأ تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان والمسيحية العربية، تاريخها وتراثها للأب ميشال نجم وكتاب مدخل إلى التراث العربي المسيحي للأب سمير خليل اليسوعي وكتاب معجم الأدباء إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب لياقوت الحموي يدرك ما أقول.. وقد اهتم الأدباء والشعراء المسيحيون بالإسلام وأولوه عناية كبيرة وبرعوا إلى أبعد الحدود في تقديم نصاعته الحضارية وألقه الفكري، وأخص بالذكر مسيحيي الشرق الذي عايشوا المسلمين منذ قرون، وكانوا إخوانًا ورفاقًا وعضدًا للمسلمين في كل قضاياهم، بل كانوا روادًا لعديد من حركات التحرر والمقاومة.. وفي العصر المعاصر تألق أدباء مسيحيون عرب وقدموا الإسلام في حلقة قشيبة، فهذا جورج جرداق رحمه الله في كتابه الإمام علي صوت العدالة الإنسانية يقول: هل سمعت عن حاكم لم يُشبع نفسه برغيف خبز؟ لأنّ في بلاده من ينام وهوغير شبعان، وهل سمعت عن حاكم لم يلبس الملابس الناعمة؟ لأنّ في شعبه مَن يلبس الملابس الخشنة، فهو لم يكنز لنفسه حتّى درهماً واحداً؟! وأوصى أبناءه وأصحابه ألا يتّبعوا سوى هذه الطريقة. فحاسب أخاه لأخذه ديناراً واحداً غير حقّه من بيت المال، وهدّد وأمر بمحاكمة حكّامه بسبب رغيف خبز أخذوه من غني وأكلوه رشوةً؟ وهذا الفيلسوف المسيحي ميشيل كعدي يقول: إن علاقتي بالإمام علي غرسها في قلبي والدي الذي كان مهتما كثيرا بكتاب نهج البلاغة وقد أرسل لي في أحد الأيام وطلب مني أن تكون أطروحتي للدكتوراه بعد أن أكمل دراسة الماجستير حول شخصية الإمام علي.. وهذا شاعر لبنان والعرب جورج شكور في كتابه ملحمة الرسول يقول عن مولد المصطفى- صلى الله عليه وسلم:

وأضاءت له قصور بلاد الشام جذلى، وكان يوما حاسما

بلغ البشر جده، فأتاه ليضم الحفيد ضمة هائم

ثم ناداه: يا محمد، باسم لم يردد في العرب أوفي الأعاجم

ربما شاءه جديدا، فريداً لفريد، به تجود المكارم