اكتشافات أثرية مهمة في بهلا ومتنزه سمهرم وأدلة تؤكد أن الوجود الإنساني في إنقيطات يعود إلى60 ألف سنة

...
...
...
...
...

رئيسة البعثة: تاريخ موقع وادي سلوت يعود إلى الألف الثالثة قبل الميلاد

أدلة على وجود علاقات تجارية بين عمان والهند وإيران وبلاد الرافدين وآسيا الوسطى

ميناء سمهرم ربط بين الشرق والغرب في أوج نشاط التجارة ومسار الثقافة بين الأراضي البعيدة

سكان سمهرم اصطادوا الحيتان وصنعوا من عظامها موائد وأعمدة والعثور على أول فرن في الجزيرة العربية

مسقط - العمانية

أعلن أمس بمكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية عن اكتشافات أثرية بكل من موقع حصن سلوت الأثري بولاية بهلا بمحافظة الداخلية ومتنزه سمهرم الأثري في محافظة ظفار بدعم وإشراف مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية وقامت به بعثة إيطالية من جامعة بيزا.

وأكدت البروفيسورة أليساندرا أفنزيني رئيسة البعثة الأثرية من جامعة بيزا الإيطالية في مؤتمر صحفي عقد بمكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية أن الموقعين ذوي القيمة التاريخية والجمالية أخّاذة وفريدة هما موقع حصن سلّوت الأثري في ولاية بهلا في محافظة الداخلية، وموقع سمهرم الأثري في محافظة ظفار، واللذين يعتبران كنزين للتراث الثقافي والأهمية البيئية للسلطنة.

وقالت إنه وعلى مدى السنوات القليلة الماضية كشفت الحفريات في هضبة سلّوت (حصن سلّوت) عن مستوطنة قديمة ارتبطت بالعصر البرونزي القديم (بداية الألفية الثالثة قبل الميلاد) وتم بناء بعض المدافن على قمة الهضبة على شكل أبراج وهي مرتبطة بمبانٍ أخرى من نفس الفترة في السهل وعلى الجبل المقابل لسلّوت وفي الشمال الغربي من الموقع الرئيسي، على بعد بضع مئات من الأمتار، كشفت الحفريات عن برج من العصر البرونزي الأول.

وأشارت البروفيسورة إلى أن الهيكل الدائري الرئيسي يبلغ قطره حوالي 22 متراً، من كتل ضخمة من الحجر الرملي. ومن المحتمل أن الجزء العلوي من البرج يتميز بسلسلة من المباني المرتبطة ببئر مركزي.

 أما خارج البرج فهناك خندق (بعمق 3 أمتار ويتفاوت حجمه من 11-13 مترا) متصل بنظام قناة مائية.

وأضافت البروفيسورة رئيسة البعثة الأثرية أن المواد التي خلّفتها حفريات البرج استثنائية، حيث إنها جنباً إلى جنب مع الفخار المحلي تؤكد على تاريخ الموقع الذي يعود إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، مشيرة الى أن هناك أدلة على الاتصالات مع حضارة وادي الأندس وهذه العلاقة الواضحة بين سلّوت ووادي الأندس مدهشة وغير متوقعة حيث تم العثور على خزفيات مستوردة في بعض المواقع على طول الساحل.

وأكدت البروفيسورة أنه يوجد في سلّوت أول دليل على وجود اتصال بين الهند والمناطق داخل عُمان وهو وجود الأختام من وادي الأندس وتؤكد المعثورات الأخرى على الدور الهام الذي قام به الموقع في الشبكة التجارية الكبيرة التي شملت إيران وبلاد الرافدين وآسيا الوسطى.

وحول حصن سلوت قالت البروفيسورة إنه برز بروعته الخالدة خلال العصر الحديدي /1300 قبل الميلاد -300 قبل الميلاد/ ويتألف الجزء العلوي من سلسلة من الغرف وبعض المباني المصنوعة من الطوب اللبن والحجم الكبير والحفظ الاستثنائي لجدران من الطوب لا تزال أمثلة غير مسبوقة في الجزيرة العربية.

وقالت البروفيسورة إنه في موسم التنقيب الأخير انتقل البحث إلى السهل الذي يحيط بالموقع الرئيسي حيث تم العثور على أول مستوطنة على طول الجانب الشمالي الشرقي من الموقع (سميت بقرية سلّوت لتمييزها عن حصن سلّوت) وقد تم الكشف عن العديد من المنازل والمناطق التي كانت تتم فيها معالجة وإنتاج المعادن.

ولا تقتصر المستوطنة على هذا الجانب من السهل فقط، ولكنها تمتد على طول جميع جوانب الهضبة لتصل تقريباً إلى مائة ألف متر مربع.

وأكدت البروفيسورة أن المواد الأثرية الأولية من القرية تدل على أن المستوطنة يعود تاريخها إلى العصر البرونزي، وإلى الوقت الحالي فإنه لم يتم العثور إلا على عدد قليل من المعثروات التي يرجع تاريخها إلى العصر البرونزي مما يعطي دلالة واضحة بأنها لا تزال مليئة بالمفاجآت وينبغي ألا نتقيد بأي حدود للمعثورات المستقبلية.

وحول عمل البعثة الإيطالية في ميناء سمهرم والمنطقة المحيطة قالت البروفيسورة إن العمل في المنطقة امتد عشرين عاماً حيث أصبح الآن تاريخ الميناء العريق والتخطيط الحضري وحياة السكان ظاهراً وواضحاً للعيان.

وأكدت البروفيسورة أن البعثة تمكنت من اكتشاف أن الوجود الإنساني في إنقيطات يعود إلى فترة العصر الحجري القديم (ستين ألف سنة قبل الميلاد). كما اكتشفنا أيضاً بعض الأدلة التي تعود إلى أواخر العصر الحجري الحديث /ستة آلاف سنة قبل الميلاد//وهي أدلة أثرية جديدة عثر عليها على الشريط الساحلي لمُحافظة ظفار.

وتعود بعض الأدلة الأثرية على ساحل محافظة ظفار المكتشفة إلى بداية العصر الحجري الحديث /عشرة آلاف سنة قبل الميلاد منها كهف ناطف في حاسك/. كما يوجد في محافظة مسقط موقع الوطية الذي يُعدّ أحد الأدلة على وجود المستوطنات الساحلية في فترة بداية العصر الحجري الحديث /عشرة آلاف سنة قبل الميلاد/ ويتميز بوجود كهوف ورسومات صخرية مختلفة وبقايا سد مائي. وتدل طبقة الأرض السطحية في إنقيطات من نوع تيرا روزا على التاريخ الطويل لتغير المناخ؛ وهو نتيجة لزيادة وفرة المياه في الماضي والغطاء النباتي الكثيف.

واليوم تعتبر إنقيطات أرضاً حجرية قاحلة، تحتفظ ببقايا أثرية كثيرة وبشكل غير متوقع. كما تم اكتشاف بقايا قرية كبيرة تم استيطانها في العصر الكلاسيكي منذ ألفي سنة كما أنَّ هناك دلائل على أن القرية كانت حاضرة في العصر البرونزي (منذ أربعة آلاف سنة) وأيضاً في العصر الحديدي المبكر منذ ثلاثة آلاف سنة وإن الاتصالات البرية والبحرية مع شمال عُمان معروفةٌ في فترة الألفية الثالثة قبل الميلاد حيث تثبت تجارة اللبان الثمينة الأهمية البالغة لهذه المنطقة.

وقالت البروفيسورة إن أعمال التنقيبات الأثرية للبعثة الإيطالية أثبتت أن تاريخ تأسيس الميناء يرجع إلى القرن الثالث قبل الميلاد، والتي أثبتت ازدهار ميناء سمهرم ضمن شبكة التجارة البحرية بين البحر الأبيض المتوسط وبلاد الهند.

وقد ساد الاتفاق منذ سنوات بأنه في فترة الإمبراطورية الرومانية فقط (القرن الأول - الثالث الميلادي) قامت السفن بالإبحار في المنطقة المقابلة لشبه الجزيرة العربية والهند تدفعها الرياح الموسمية.

إلا أنه اليوم بات واضحاً أن تلك الشبكة من الاتصالات وجدت قبل ذلك بقرون منطلقة من برنيس في مصر إلى سمهرم في عُمان وبتنام وأريكاميدو في الهند.

وقد ظل ميناء سمهرم قلب هذه الشبكة التجارية وجسراً ربط بين الشرق والغرب في أوج نشاط التجارة ومساراً للثقافة بين الأراضي البعيدة.

وبينت البرفيسورة الإيطالية أن المجموعة الكبيرة من الجرار المصنوعة في إيطاليا والتي تم اكتشافها في سمهرم تدل على طول مدة التواصل الثقافي مع بلدان البحر الأبيض المتوسط، كما أن من أقوى العلاقات التي تميزت بها سمهرم منذ تأسيسها كانت مع الهند حيث تشير المعثورات الفخارية والأدوات الهندية ومنها نقش البراهما-التاميلي وجود جالية مؤقتة من الهنود في سمهرم.

وقالت إنَّ سكان سمهرم عملوا في الصيد بجانب التجارة كما يشهد على ذلك الكمية الكبيرة من الأصداف وعظام الأسماك الصغيرة الموجودة في منازلهم، حيث كان غذاؤهم أساساً المأكولات البحرية.

ويدل وجود عظام الحيتان التي استخدمت كأساس لأعمدة أو لطاولات صغيرة على قدرة سكان سمهرم لاصطياد الكائنات البحرية الكبيرة. وهذا النشاط لم يكن من السهل القيام به على الإطلاق في العالم القديم. وقد تم العثور على بعض مناطق الإنتاج في المدينة: فرن فخاري (أول فرن موجود في شبه الجزيرة العربية)، وأفران لإنتاج الجبس، وأفران الخبز. وعلى مقربة من منطقة السوق، حيث كان هناك أيضاً دار صك العملات في المدينة، كما تم العثور على مساحة كبيرة لإنتاج المعادن. وعلى مدى هذا العام تم اكتشاف اثنين من الأفران، إذ لم تكن تستخدم فقط لصنع الأدوات المعدنية الصغيرة ولكن بالأحرى لصنع المعادن. واختتمت البروفيسورة أليساندرا أفنزيني رئيسة البعثة الأثرية من جامعة بيزا الإيطالية بالقول إن علماء آثار بقايا الحيوانات قاموا بجمع نتائج مثيرة للاهتمام خلال الموسم الأخير، فعلى مقربة من المعبد المخصص لإله القمر (سين)، كان هناك بناء قديم محصّن ومعزول. ولم يكن الهدف من إنشائه واضحاً حتى اليوم. ففي الداخل، تم العثور على كمية كبيرة من العظام، وقد أظهر التحليل وجود بقايا لحيوانات لم يتم العثور عليها في أي مكان آخر في المدينة مثل الجمال والماشية والأغنام والأسماك الكبيرة.

تعليق عبر الفيس بوك