كافئ نفسك

مدرين المكتوميّة

هناك في ذلك الفندق البعيد جدًا خارج العاصمة مسقط وخارج الوطن بأكمله كنت أعيش الحياة بتفاصيلها بعيدا عن الأصدقاء والعائلة والعالم أكمله، كان ولابد أن اتقاسم مع نفسي البعض من الوقت لأستطيع استرداد أنفاسي قليلا ولأعطي نفسي الحق في أن أُفكّر في كل شيء كنت قد ركنته جانبا لسبب أو لآخر، هنا حيث تتنفس الحرية وتطلق العنان لأفكارك، هنا حيث تكتشف عوالم أخرى؛ ولأنك مضطر لأن تسكن فندقا فعليك أن تتقبل كل ما تراه وكل ما يمر عليك، كما أنّ عليك أن تتحمل فوضى الغرف من حولك وازعاج عامل النظافة عند نسيانك تعليق لافتة ممنوع الازعاج، وعليك أن تتعايش مع كل ما يجري حولك لأن الخيار كان خيارك.

على الرغم من كل تلك التفاصيل التي ربما تكون مزعجة للكثيرين إلا أنّها تخلق لك فرصة للعيش في عالم الوحدة والحياة البعيدة عن روتينك اليومي، فهي بمثابة هديّة مغلفة تكتشف روعتها حين تمارس روتينا آخر غير مكبلٍ بقيودٍ من حولِك سواء كان على مستوى العمل أو الأسرة أو المتطلبات الأخرى، فأنت في ذلك الفندق في إحدى العواصم العربية التي أخذ إيقاع الحياة السريعة كل الرتابة والملل الذي قد يعتري سكانها، ولأنني اخترت ذلك فيمكنني القول إنني استطعت وخلال يومين فقط أن اتكيّف مع هذه الحياة.. "أقرأ كتابا بعنوان يكفي أننا معا" حيث تدور أحداثه بين قلبين تفصل بينهما سنواتٌ من الشجن والحب وعذابات الشوق، بطلها محامٍ مُخضرم سرقته دوامات الحياة، فلم يخرج منها إلا بالأوهام، وفتاة محاطة بإحباطات الفقد مندفعة بلهفة الفضول إلى علاقة تبدو لمن يراها من الخارج غير منطقية، تاركة الواقع خلفها ليقول كلمته الأخيرة في تلك العلاقة. كما أقوم أيضا بإرسال الرسائل القصيرة لمن ينتظرون منّي كلمة لتطمئنهم عن حالتي والتي في الغالب يكون محتواها "كيف أنتم، فكل شيء عندي على ما يرام، لا تقلقوا".

هنا كل شيء يمر ببساطة وسهولة مطلقة فالأشياء هنا لا تحتاج إلى استحالات كبيرة، فالحياة تمضي بين تسوّق وأكل ونوم وإنصات لكل ما يمر حولك؛ فهناك من يتشاجر بسبب كلمة، وآخر بسبب نظافة غرفته، وأخر بسبب سائق تاكسي فظ التعامل، وغيرها من الأحداث التي لا تتوقف، فكل ساعة هي قصة يمكن أن نسرد منها حكاية؛ وربما تفوز بإحدى الجوائز العالمية لما تحمله من حقائق ومصداقية في الأحداث.

هنا حيث الازدحام أرى الكل يعمل ويبحث عن رزقه، فهناك من يتعب ويجتهد لأجل الكسب الحلال، وهناك من يُفضِّل الأسهل فيلجأ للحيلة أو "التسوّل" فأبسط وأسرع أنواع الرزق هو ذلك الذي لا يحتاج سوى لسان معسول ودعوات جميلة للمارة.

في النهاية علينا أن ندرك أنّ خلف كل باب من أبواب الفندق تكمن حكاية، وعلينا أن نوقن أيضا أنّ هناك حكايا تُشابه حكاياتنا في العالم أكمله، وعلينا أن نخلق لأنفسنا السعادة حتى وإن كُنّا بمفردنا في أي مكان وزمان، فلربما تلك الفرصة هي الدرس المُستفاد للكثير من المواقف القادمة، ولأنني أجد نفسي في الوحدة فأنا لا أكره أن أكون وحيدة؛ بل على العكس استمتع بلحظات الوحدة التي يمكنني خلالها أن أفكر في نفسي واحتسي قهوتي في مكان تطل عليه النوافير أو اشتري زجاجة عطر أو فستانا أبيض وربما حذاء رياضيا لم أفكر فيها سابقا..

أن تكون وحيدا يعني أن تكون مخلصا لذاتك وتكافئها دائما، فأنت وحيد هنا إلا مع نفسك؛ فلا تتردد في أن تعيش اللحظة كيفما تكون.

madreen@alroya.info