تمويل رخيص وديون غير مسبوقة ومخاطر متنامية خلف رؤية الصين لـ"طريق الحرير".. ومشروعات البنية الأساسية الأكثر استفادة

 

بكين - رويترز

يكمن خلف سعي الصين لبناء طريق الحرير الحديث بتكلفة تريليون دولار برنامج كبير للإقراض على نحو لم يسبق له مثيل، سيساعد في بناء موانئ وطرق وشبكات للسكك الحديدية، لكنه أيضا قد يترك بعض البنوك والكثير من الدول تعاني من تداعيات.

وفي قلب هذا الإنفاق الذي يتسم بالبذخ يقف بنكان من كبار البنوك الصينية، وهما بنك التنمية الصيني وبنك التصدير والاستيراد الصيني، واللذان قدما بالفعل معا قروضا بقيمة 200 مليار دولار في أنحاء آسيا والشرق الأوسط وحتى افريقيا. ومن المنتظر أن يقدما 55 مليارا إضافية على الأقل، بحسب إعلانات صدرت أثناء قمة الحزام والطريق التي عقدت على مدى يومين في بكين، وانتهت أمس الإثنين. وبفضل التمويل الرخيص، ساهم بنك التنمية الصيني وبنك الصادرات والواردات الصيني في إزاحة ما أطلق عليه الرئيس الصيني شي جين بينغ "تحديا بارزا" أمام طريق الحرير وهو مشكلة التمويل. لكن مصرفيين ومحللين يقولون إنه مع نمو مشروع الحزام والطريق، تزداد المخاطر التي تواجه البنكان الكبيران، والبنوك التجارية والمقترضين، المشتركون معا في مشاريع تثير شكوكا حول جدوى النشاط. ويقول بنك التصدير والاستيراد الصيني، الذي يسعى لاحتواء المخاطر، إنه فرض سقفا للدين لكل دولة.

ويقول بنك التنمية الصيني إنه يطبق حدودا صارمة على الخطوط الائتمانية للمقترضين السياديين ويتحكم في تركز القروض. وقال سون بينغ، نائب محافظ بنك التصدير والاستيراد الصيني للصحفيين الأسبوع الماضي "فيما يخص بعض الدول، إذا منحناهم الكثير من القروض، والكثير من الديون، فإن استدامة ديونهم ستكون موضع شك". وحتى الآن تظل التمويلات رخيصة ووفيرة بفضل بكين.

وقال مصرفيون ومحللون إنه حتى الآن فإن المفاوضات المتعلقة بقروض مشروعات البنية التحتية في إطار مبادرة الحزام والطريق تتم بشكل أساسي بين الحكومات، مع أسعار فائدة تقل عن تلك التي تقدمها البنوك التجارية ومع تمديد مواعيد السداد.

وتبقي عمليات ضخ رأسمال حكومي ضخم، والسندات التي يجرى تسعيرها كديون سيادية والوصول إلى برنامج الإقراض التكميلي الذي تعهد به البنك المركزي، تكاليف التمويل من بنك التنمية الصيني وبنك التصدير والاستيراد الصيني عند مستويات قياسية متدنية.

وفي إندونيسيا، قدم بنك التنمية الصيني قرضا ميسرا لمدة 40 سنة، دون أن يطلب ضمانات دين حكومية، لتمويل 75 بالمئة من خط للسكك الحديدية بين جاكرتا وباندونج تبلغ تكلفته 5.29 مليار دولار، وهو أول خط للسكك الحديدية الفائقة السرعة في اندونيسيا ونموذج لمشاريع البنية التحتية لجهود مبادرة الحزام والحرير الصينية. وتبلغ فترة السماح للقروض عشر سنوات. ويتضمن القرض حصة بنسبة 60 بالمئة مقومة بالدولار الأمريكي بفائدة 2 بالمئة، ويتم حساب الحصة المتبقية البالغة 40 في المئة باليوان الصيني، بحسب مذكرة صادرة عن بنك تشاينا انترناشونال.

وقال دينغ تشيانغ تشيون نائب رئيس البنك الصيني للتنمية للصحفيين الأسبوع الماضي إنّ البنك، وهو أكبر مؤسسة للتمويل التنموي في العالم، لا يسعى إلى "تعظيم الأرباح".

ويسمح التمويل الميسر لكبار المصنعين ومطوري البنية التحتية المملوكين للحكومة في الصين بالتنافس بقوة مع الشركات الأجنبية التي تتقدم بعروض لتنفيذ المشروعات. وتشير إحصاءات حكومية إلى أن 47 بالمئة من التكتلات العملاقة المملوكة للحكومة المركزية البالغ عددها 102 كيانا تشارك في مشاريع الحزام والطريق البالغ عددها 1676 مشروعا.

وفازت تشاينا كومينيكشن كونستراكشون جروب وحدها بعقود بقيمة 40 مليار دولار وتبني طرقا طولها الاجمالي عشرة آلاف و320 كيلومترا، و95 ميناء بالمياه العميقة، وعشرة مطارات، و152 جسرا و2080 خطا للسكك الحديدية في دول مشاركة بمبادرة الحزام والطريق.

ومحافظ البنك المركزي الصيني تشو شياو تشوان من بين أولئك الذين يحذرون من أن الاعتماد على القروض الرخيصة يثير "مخاوف ومشكلات" من بينها غياب الاستدامة. وواجهت الصين تلك المشكلة في السابق، وتبلغ ديون الصين لدى فنزويلا، التي تعاني أزمة، 65 مليار دولار.

وقال جاك يوان، محلل البنوك لدى فيتش للتصنيف الائتماني في شنغهاي "الدول التي تتجه إليها الكثير من تلك القروض هي أماكن كانت ستواجه صعوبات في الحصول على قروض من بنوك تجارية غربية- تصنيفهم الائتماني ليس جيدا للغاية أو أن المشاريع المعنية عادة ما تخلو من الجدوى الاقتصادية". وأضاف أنّ "مصدر القلق الأكبر هو أن تواصل البنوك الصينية إساءة تخصيص رأس المال".

ويجرى دفع البنوك التجارية الصينية المملوكة للحكومة إلى دعم المبادرة الحكومية. وقال يي هويمان رئيس مجلس إدارة البنك الصناعي والتجاري الصيني إن البنك يساهم في 212 مشروعا بمبادرة الحزام والطريق ويقدم في المجمل ائتمانات بقيمة 67.4 مليار دولار. ويعتزم بنك أوف تشاينا تقديم ائتمانات بقيمة 100 مليار دولار لمشروعات مماثلة بحلول نهاية العام.

وقال مسؤول مصرفي كبير لدى بنك صيني تجاري كبير "في الواقع، البنوك التجارية ليست متحمسة كثيرا... لا نقدم قروضا ميسرة، ولا نرغب بالفعل في أن تعتقد تلك الدول أن جميع قروض مشاريع الحزام والطريق تقدم بخصم". وقد يقع العبء الأكبر على المقترضين.

وفيما يخص لاوس، أحد أفقر دول آسيا، فإن تكلفة خط السكك الحديدية الممتد بين الصين ولاوس والبالغة سبعة مليارات دولار تزيد عن نصف الناتج المحلي الاجمالي للبلاد في 2015. وتحدد سعر فائدة القرض الميسر الذي حصلت عليه البلاد من بنك التصدير والاستيراد الصيني عند أقل من ثلاثة بالمئة.

وفي باكستان، حيث تعهدت الصين باستثمار ما يصل إلى 56 مليار دولار في السكك الحديدية والطرق والبنية التحتية للطاقة، سترتفع ديون البلاد والمدفوعات الأخرى المرتبطة بمشاريع الحزام والطريق إلى نحو خمسة مليارات دولار في 2022 وفقا للمستشار الاقتصادي للحكومة الباكستانية.

ويقول دينغ نائب رئيس البنك الصيني للتنمية إنّ القروض التي جرى تقديمها إلى الدول المثقلة بالمديونية والدول الفقيرة ضمن الحدود التي يضعها صندوق النقد الدولي، بما في ذلك أسعار الفائدة وفترات الاقراض. لكن الدول المقترضة تقول أيضا إنّ لديها خيارات قليلة في الوقت الذي تمضي فيه الصين قدما صوب أول مسعى لها في مجال التنمية الدولية.

وقالت سيما كامل الرئيسة التنفيذية لبنك يونايتد الباكستاني "الأمر واضح ولا يحتاج إلى التفكير تقريبا". وأضافت قائلا "يسهل كثيرا القول بأنّه ستكون هناك كل هذه الديون، لكن إذا لم نحصل على هذا، أين سنذهب؟".

تعليق عبر الفيس بوك