ظاهرة عثمان

علي بن كفيتان بيت سعيد

مثلما يوجد شعراء وفنانون وعلماء تمنحهم الصحافة اهتماما كبيرا ومثلما هناك من يمتهنون الحيل والفساد السياسي والإداري والمالي، وتطبل لهم أو عليهم مختلف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، هناك أيضًا مكافحون ينتسبون للوطن شقوا طريقهم المحفوف بالمخاطر والمغامرات وبجهودهم الخاصة وطموحهم المدفون في ذاتهم الطيبة، ومن هؤلاء شاب فارع القامة جميل المحيا ينتمي لأسرة بسيطة تعيش في قرية حدودية كل ما تملكه الأسرة بيتا متواضعا وقطيعا من الماشية وروحا جميلة زرعها الأب والأم في الأبناء؛ تعتمد على الشهامة الظفارية في إكرام الضيف، ونجدة الملهوف ونصرة المظلوم والعطاء بغير حساب أو انتظار مردود.

حسب ما هو متاح لي من أحاديث الناس أن عثمان كان ذا بنية جسدية قوية فكان مصارعا محترفا في صباه، والمصارعة المعروفة هنا هي مصارعة أبناء الريف المعتمدة على القوة والمهارة معا، وليس العنف أو الكراهية فهي إحدى الرياضات الجميلة التي كان يمارسها الرجال كبارهم وصغارهم على حد سواء حيث يمسك كل واحد بحزام الآخر بكلتا يديه وتبدأ المنازلة حتى يسقط أحدهما على الأرض. الرجل ورغم احترافه هذه الرياضة لم يسبق أن طلب منازلة أحد ولكن من يجد في نفسه القوة يشد الرحال ويطلب منازلة عثمان وفي الغالب يكون مصيره خسارة الجولة؛ من هنا تبيّنت شخصيّة الرجل، فهو رغم بنيته الجسدية ومهاراته العالية لا يتباهى بها ولا يطلب المنازلة لنيل الشهرة ومن هنا نبعت روح المغامرة لدى هذا الشاب الذي أصبح ظاهرة لاحقاً.

حسب الأحاديث المتواترة أنّ الرجل عمل مع أحد كبار رواد مشاريع الطرق في الجزيرة العربية فأثبت جدارته العالية وأمانته المتناهية، ومن هنا كانت انطلاقة عثمان، ويقال إنّه عمل لاحقًا في مجال الغوص بحثا عن السفن الجاثمة في البحار مستندا إلى بنيته الجسدية ومهاراته وحبه لروح المغامرة ولقد استفاد من فترة عمله وخبراته المتراكمة في مجال تجارة المعدات الثقيلة والمتوسطة فشق طريقه منفرًدا هذه المرة؛ والبدايات دائما تواجهها صعوبات رأس المال والحصول على فرص للتمويل وعقود العمل، لكن أبو مُعمّر استطاع تخطي كل تلك الحواجز بنجاح باهر فأصبح في غضون عدة سنوات من أشهر مقاولي الطرق والإنشاءات في السلطنة وصارت شركة الرصيد التي يملكها هي المنقذ للمشاريع المتعثرة مع المقاولين المرفهين منذ عقود.

في بداية المشوار عمل جاهدًا لرفع مستوى إخوانه من حيث التعليم والمهارة حتى أصبحوا يديرون تلك الشركة العملاقة بمختلف قطاعاتها، ولا عجب أن ترى نُسخًا من عثمان في كل مكاتب شركة الرصيد؛ شاب مُبتسم متقد مُرحِّب بالناس وخدوم لكل الإخوان.. أصبحوا رجلا واحدا تقوده الهمة والوطنية العالية، وبعفوية الرّجل وبساطته أحبّه الناس وهو كذلك لديه الكثير من التقدير للمجتمعات المحلية وخاصة التي تكون في مرمى مشاريعه وأبرزها مشاريع الطرق.

كم سمعنا من الناس الكثير من الثناء والدعاء لهذا الرجل وإخوانه لتعاونهم مع الناس، فعثمان يعمل خارج نطاق المناقصات ويمد عشرات الكيلومترات من الطرق الإسفلتية والمواقف العامة للمواطنين المجاورين للمشاريع التي ينفذها، والأمر نفسه للمساجد والمدارس في القرى النائية ويتبرّع أبا معمر بسخاء لبناء المساجد ودعم الأسر المعسرة التي هي في حاجة لمواد البناء فمن أتي لن يخيب أمله ولسان حال الرجل يقول كنّا لا نملك شيئًا وأكرمنا الله اليوم من خيره العميم ولن نحجب دعمنا عن النّاس ما استطعنا.

مؤخرا أنشأ الرجل مجموعة مخابز الرصيد وما لفت انتباهي هو كميّة الأرغفة مقارنة بالقيمة السوقية الدارجة؛ فقد رجعت العشر أرغفة مقابل نفس السعر قبل عشر سنوات بينما المخابز الأخرى لا تمنحك أكثر من 6 في أفضل الظروف هنا ترجع الروح الرحيمة بالناس للواجهة، وتجعل من عثمان ظاهرة إنسانيّة ووطنيّة نادرة وبالفعل لقد لمسنا نسخا من أسر أخرى في المحافظة تنهج هذا المسلك الإنساني النبيل، وعندما نفرد مقالا لمثل هذا الأمر فإننا لا نريد سوى تعظيم الصفات النبيلة في الناس، وأن نلفت الانتباه لأمثال هؤلاء القادمين من الصفر المالي ولكن يمتلكون الدرجة الأخلاقية الكاملة.      

حفظ الله مولانا جلالة السلطان، وأدام عليه الصحة والعافية والعمر المديد.

alikafetan@gmail.com