ما لم يقله مهاتير محمد

 

 

مسعود الحمداني

 

لَمْ يأتِ مهاتير مُحمَّد بجديد في محاضراته التي ألقاها في السلطنة مُؤخرا، كرَّر نفس الكلام الذي يُعِيْده في كلِّ دولة تستضيفه، وسَرَد نفسَ التجارب التي عاشتها ماليزيا، وكيف خَرَجَت من بُؤرة الفقر إلى واحدة من أقوى اقتصادات العالم خلال فترة لا تكاد تتعدَّى 22 عاما، هي مدة رئاسته للوزراء في بلاده.

اثنان وعشرون عاما كانت كفيلة بتغيير وجه ماليزيا، تلك الدولة الفقيرة والمتخلفة ذات الموارد المحدودة، والسُّكان الذين يتجاوز تعدادهم الثلاثين مليون نسمة، وقصة كفاح هذا الرجل معروفة لدى كل الاقتصاديين في العالم (أعني الاقتصاديين الذين يقرأون ليستفيدوا من الدرس الماليزي، وليس أولئك الذين يقرأون للاستعراض المعرفي فقط)، نظر الرجل إلى موارد بلاده الناضبة والمحدودة، وإلى المواطن الماليزي الذي أدمن الفقر، والبحث عن العمل، وبدأ منذ اليوم الأول لحكومته وضع أهدافه وخططه وإستراتيجياته للتطوير والنمو، ووضع معايير للقياس والأداء، وأنفق ربع ميزانية الدولة على التعليم، وأوْفَد الكثير من الماليزيين إلى الدول الناجحة اقتصاديا، وحين عادوا لم يركنهم على الرف، ولم يحبسهم في مكتب فاخر براتب مغرٍ بل استفاد من كل فرد منهم في تنفيذ أهدافه، رسم خطة 2020 الماليزية قبل أن يتنحى عن منصبه، وترك لمن جاء بعده مُهمَّة التنفيذ، وهي رؤية لم تخفق أو تتأخر في معظم أهدافها -كما يحدث في بعض الدول- لأنها مبنية على مرتكزات واضحة ومؤشرات بعيدة المدى وقابلة للتنفيذ.

حارب الفساد بكل أنواعه، ووضعه ضمن قائمة الأعداء الأكثر شراسة، والذي لا يمكن القضاء عليه بشكل كامل كما يراه، ولكن يمكن التخفيف منه، واعتمد على الخبرات الأجنبية التي يمكن للمواطن الماليزي الاستفادة منها، ولم يعمل على التخلص من العمالة الوافدة، ولكنه ربطها بمدى الحاجة إليها، وغير ذلك من أمور لا تخفى على رجال الاقتصاد والساسة.

جاء مهاتير محمد ليقول للعُمانيين في مُحاضراته ما لا يجهلونه؛ حيث أشار إلى وجود مقومات سياحية طبيعية متنوعة في السلطنة، من شواطئ وجبال وصحراء وقلاع وحصون، وهي معلومة نعرفها منذ نعومة أظافرنا، ونردِّدها في الكتب المدرسية، ونتغنَّى بها يوميا في إعلامنا، وقال بأنَّ عدد سكان السلطنة قليل ومواردها النفطية عالية مقارنة بالعدد، وهي كذلك بديهية أخرى ليست جديدة، وأشار إلى أن السلطنة لا تملك مساحات أراضٍ زراعية كبيرة، ولكنها تملك أراضي صحراوية واسعة، و(أكد) أنَّ عُمان دولة حارة عكس ماليزيا ذات الرطوبة العالية، وهذه كلها معلومات بسيطة يعرفها حتى الأطفال، ولا تغيب عن أذهان أصحاب القرار لدينا.

إذن؛ ما الجديد الذي قاله مهاتير محمد؟!!

أعتقد أنَّ تلك المعلومات البسيطة والمقتضبة عن بلادنا والتي نعرفها جيدا، هي الجديد الذي أراد أن يَصْدِمنا به، فنحن نعرف إمكانياتنا ومواردنا، ولكننا لا نديرها بالشكل الصحيح!! أراد الرجل أن ينقل لنا مشكلات نعيشها فعليًّا، ولكننا لا نفعل الكثير لحلها؛ فالعمالة الوافدة لا يمكن أن تشكل عِبئا على الاقتصاد، ولكنَّ تقنين هذه العمالة والاستفادة من خبراتها وتحويلاتها المالية هي المشكلة، وأخبرنا مهاتير أن لدينا -ككل دول العالم- فسادا لا يُمكن اجتثاثه، ولكن يمكن التقليل منه، من خلال قوانين تطبَّق على مُحاربي الفساد أولا.. وأنَّ لدينا موارد طبيعية متجددة وغير متجددة لم نستفد منها، ونكاد نصاب بـ"الحوَل" حين نحتاجها لترميم اقتصادنا، فنحن بطيئون في القرار، بطيئون في التنفيذ، بطيئون في جني النتائج، وغير جريئين في اتخاذ الخطوات الصحيحة قبل وقوعها، بل ننتظر الكارثة لكي نَصْنَع القرار، وفي كثير من الأحيان لا نعترف بالخطأ بل نكابر عليه، ونتشدَّق في الوقت ذاته بالشفافية!!

لقد قَال مهاتير في تلميحات بسيطة -بأدب الضيف- ما كان عليه قوله؛ ففي السلطنة هناك ألف مهاتير ينظِّرون ويفتون في كل شيء من الإبرة إلى الصاروخ، ولكنْ قليل ممن بينهم من يملك عزيمة وإرادة ورؤية ومغامرة مهاتير محمد.

Samawat2004@live.com