الاقتصاد عامل حاسم للانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران

 

دُبي - الوكالات

مع دُنو يَوْم التصويت في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، أصْبَح الاقتصادُ العاملَ الأهمَّ بالنسبة للمرشحين الستة الذين يتنافسون على الرئاسة. وفي سَعْيِهم للفوز بأصوات الناخبين يَعِد بعضُ المرشَّحين بتوفير فرص عمل جديدة، ويَعِد آخرون بمساعدات مادية؛ وذلك للتصدي لأزمة البطالة التي تعصف بالبلاد.

وقد يبدو لأول وهلة أنَّ الرئيس الحالي حسن روحاني سيفوز بفترة رئاسية ثانية؛ نظرا لسجل إنجازاته، ولكن ذلك ليس بالأمر المحسوم بأي حال من الأحوال. وكان الرئيس روحاني تمكن من إبرام اتفاق تاريخي مع القوى الدولية في العام 2015 حول برنامج إيران النووي، وهو الاتفاق الذي وَضَع حدًّا لأزمة مع الغرب استمرت لعدة سنوات.

ورفعت العقوبات الدولية المفروضة على إيران نتيجة ذلك الاتفاق، ولكنَّ الإيرانيين العاديين يقولون إنهم لم يشعروا بمنافع رفع العقوبات في حياتهم اليومية.

ويقول علي سعيدي -وهو وكيل عقارات يبلغ من العمر 33 عاما- "نأى كثيرون بأنفسهم عن سوق العقارات في السنتين الماضيتين، أولا بأمل أن تنخفض الأسعار بعد رفع العقوبات، والآن خوفا مما قد يحصل بعد الانتخابات. لقد هجر العديد من زملائي العمل في هذه المهنة لأن السوق ميتة". وكان قطاع الاسكان في إيران قد انكمش بنسبة 13 في المئة في السنة المنتهية في مارس 2017، بينما نما الاقتصاد العام بنسبة 6.6 في المئة تقريبا في نفس الفترة حسب تقديرات صندوق النقد الدولي وذلك نتيجة ارتفاع صادرات النفط بعد رفع العقوبات.

ويسمع الشباب في إيران -من أمثال علي سعيدي- الكثيرَ من الوعود يطلقها مرشحو الرئاسة هذه الأيام. فرئيس بلدية طهران محمد باقر قليباف، وهو أحد المرشحين، وعدهم باستحداث 5 ملايين فرصة عمل جديدة في غضون 4 سنوات اذا انتخب رئيسا. وكان الرقم القياسي لاستحداث فرص عمل جديدة في إيران في العقود الأربعة الماضية لم يتجاوز 600 ألف فرصة عمل جديدة في السنة. ويُذكر أنَّ معدل البطالة في إيران الآن يبلغ 12.7 في المئة، الذي يمثل ارتفاعا يبلغ 1.7 في المئة مقارنة بالعام الماضي. ويعني هذا المعدل أنَّ 3.3 ملايين إيراني عاطلون تماما عن العمل. ولكن نسبة البطالة في أوساط الشباب تبلغ الثلث، وترتفع إلى النصف بالنسبة للنساء في هذه الفئة العمرية.

ويعدُّ قليباف العاطلين عن العمل براتب شهري يبلغ 2.5 مليون ريال (66 دولارا أمريكيا)، في أول بادرة من نوعها منذ اندلاع الثورة الإسلامية قبل 38 سنة. ويذكر أنَّ هذا الوعد سيكلف 2.6 مليار دولار، ولكن قليباف لم يوضح من أين سيأتي بهذه المبالغ ولم يتطرق الى الكيفية التي سيتمكن بها من مضاعفة وتيرة استحداث فرص العمل في ايران. أما المرشح إبراهيم رئيسي، وهو مرشح محسوب هو الآخر على التيار المحافظ، فقد بز قليباف بالقول إنه سيستحدث 6 ملايين فرصة عمل جديدة. كما وعد رئيسي، رجل الدين البالغ من العمر 57 عاما والنائب العام السابق الذي يدير ضريح الإمام الرضا في مشهد شمال شرقي إيران والأموال التي يحتكم بها، بمضاعفة المساعدات المالية المقدمة إلى الـ30 في المئة من الإيرانيين الأكثر فقرا ثلاث مرات.

ويذكر أن الإيرانيين يتسلمون مبلغا قدره 455 ألف ريال شهريا للتعويض عن رفع الدعم عن الوقود. ومن شأن مضاعفة هذا المبلغ ثلاث مرات أن يكلف الخزينة 3.5 مليار دولار في السنة. ولم يوضح رئيسي مصدر الأموال التي وعد بها فقراء الإيرانيين.

ويقول أحمد علوي -وهو اقتصادي إيراني مقيم في العاصمة السويدية ستوكهولم- "إنهم يشبهون الذين يشاركون في مزاد. إن الاقتصاد لا يعمل بهذه الطريقة." ويضيف "كلامهم معسول، ولكن الأمر الذي يتناساه المرشحون الشعبويون هو أن ذكريات الرئيس السابق محمود احمدي نجاد ما زالت طرية". وكان أحمدي نجاد في الفترتين الرئاسيتين اللتين قضاهما (من 2005 الى 2013) قد دشن برنامج منح الهبات المالية بعد ان قام برفع الدعم الحكومي كما أتاح للمصالح الصغيرة الحصول على قروض زهيدة الثمن وأطلق مشاريع كبيرة لاسكان الفقراء. ولكن عندما انتهت فترة رئاسته الثانية، كان الاقتصاد الايراني ينكمش بنسبة 7 في المئة في السنة، كما وصلت نسبة التضخم 40 في المئة. انحى أحمدي نجاد باللائمة لهذا التدهور على العقوبات الدولية، ولكن الاقتصاديين حملوا سياساته الشعبوية وادارته السيئة للاقتصاد مسؤولية ذلك.

وتمكن الرئيس حسن روحاني من احياء النمو الاقتصادي وخفض نسبة التضخم وتحويل العجز التجاري الى فائض. ولكن سقف التوقعات عال جدا، والسبب هو روحاني نفسه لأنه وعد الشعب الايراني بمعجزات عند رفع العقوبات. ويقول معظم العاملين في القطاع الخاص الناشئ في ايران إنهم مستعدون لمنح روحاني فرصة ثانية. ويقول حميد حسيني، رئيس مجلس إدارة مصفاة سوروش النفطية، "نريد منه أن يرتقي بالجو العام لقطاع المال والأعمال وان يحرر الاقتصاد من مساوئ الفساد والاحتكارات والمضاربات." وحسيني عضو في غرفة التجارة والصناعة والتعدين الإيرانية، وهو مؤسس اتحاد تصدير المنتجات النفطية الإيراني.

ويقول إن مجموعة كبيرة من رجال أعمال القطاع الخاص قد تداعت لمساندة روحاني في الانتخابات. وأضاف: "منحت حكومته المجتمع أملا برفع العقوبات وتعزيز النمو وتشجيع قطاع السياحة وجذب الاستثمارات الأجنبية؛ لذا ينبغي عليه أن يكون واثقا من نفسه في السباق الرئاسي." لكن الخيارات لبعض الايرانيين الشباب -مثل علي سعيدي- ليست بهذا الوضوح. ويقول سعيدي: "كل ما يهمني ان يتحرك سوق العقارات، والمرشحون الرئيسيون هم المحامي (حسن روحاني) ورجل الدين (إبراهيم رئيسي) ورئيس البلدية (محمد باقر قليباف). سأصوت لرئيس البلدية، ولكن الفائز سيكون رجل الدين."

 

تعليق عبر الفيس بوك