وهم العلاج بالخارج

حُمود الحاتمي

 

تُطالعنا وسائل التواصل الاجتماعي كلَّ يوم برسائل تحمل طلب تبرُّعات للعلاج بالخارج، ومفادها أنَّ المريض تعرَّض لحادث ويعاني مِنْ ومِنْ...إلخ، مع إلحاح شديد واستعطاف للتبرع لذلك المريض، وتنجح الأسرة في تجميع مبلغ من التبرعات، ويتم إرسال التقارير إلى مؤسسات صحية في الخارج، ويتم الرد بأن تلك المؤسسة تعطِي نسبة النجاح 99.9% على الرغم من تأكيد المستشفيات المرجعية في السلطنة، وتأكيد أكبر الأطباء استحالة الوصل لنسبة 50%، ويتم تسفير ذلك المريض إلى تلك الدولة، وأغلبها الهند وتايلاند والصين وباكستان، وما إنْ يصل المريض إلى تلك المؤسسة في الخارج حتى تضيع كل الحسابات نظرًا للطلبات المالية لتلك المؤسسة؛ فهي تقوم بإعادة إجراء التحاليل والفحوصات عشرات المرات على المريض، وقد تكون تلك الفحوصات ليس لها علاقة بالمرض إلا من باب زيادة فاتورة العلاج وتكبُّد الأسرة أعباء مالية يظل المريض بالأسابيع بل بالأشهر في ذلك المركز الصحي، والفاتورة تعامل على أنها خدمة صحية وفندقية سياحية، وصلت فاتورة بعض المرضى إلى مئات الآلاف من الريالات يتم استدانتها من البنوك وبيع عقارات وأملاك، بعدها نكتشف تلك الحقيقة المرة وكذب وتزيف المؤسسات الصحية وإيهامها لمرضانا بنجاع العلاج، ولكن الواقع لم تتحسَّن حالة المريض، وعادت تلك الأسرة تجرُّ ألم الخداع وضياع المال، وليتها رضيت بقضاء الله وقدره، وواصلت العلاج في السلطنة، لعلَّ الله يحدث بعد ذلك أمرًا.

 

لعلِّي هنا أجد نفسي مُضطرا لسرد قصصٍ مُؤلمة لأسرة قامت بعلاج عينين لأم، وبعد إجراء العملية طلب المستشفى إخراج المريضة منه دون متابعة للحالة، وعادت من هناك وساءت حالتها الصحية، الأسرة قامت بتسفير مريضه لمدة أسبوعين صرفت خلالها أكثر من خمسة عشر ألفا، دون أن تشفى، وعادت للمستشفى السلطاني الذي قام بعلاجها ومتابعة حالتها وشفيت. شاب تعرض لحادث سير وأطباء المستشفى صارحوا أسرته بأنه سيعيش مُقْعَد، إلا أنَّ الأسرة لم تقتنع بتشخيص الحالة، وقررت تسفيره، وحصل على وعود نسبة نجاح العملية نسبة 90%، واستمر في الخارج يتنقل من مؤسسة لأخرى دون جدوى.

هذه مجرد حالات سمعتها وشاهدتها، ولكن هناك حالات أخرى ومنها ما حدث لأسرة من ابتزاز أثناء علاج مريضها من مرض الكلى، كم نحن بحاجة إلى تقييم وضع مؤسساتنا الصحية وبناء الثقة فيها، وهذا لا يتأتى إلا من خلال الاهتمام بالكادر الطبي العماني وتأهيله وتشجيعه وتحفيزه للاستمرار في أبحاثه العلمية، واكتساب المعارف الجديدة والخبرات التراكمية، فكم لدينا من الأطباء في مختلف التخصصات لكن لم يتم تشجيعهم وتصبح بيئة عملهم بيئة طاردة للمبدعين، ونجد نقصَ الكوادر المؤهلة والاستعانة بالأطباء الوافدين الذين يكتسبون خبرات من تجاربهم في أجسادنا، وعندما يتمكنوا من المهنة يهربوا للدول الأوروبية دون أن نستفيد منهم.

بناءَ البنية البشرية في الخدمات الصحية أمر مهم، وعندما نثق في قدرات أطباء عُمان المؤهلين لن يجد المواطن الحاجة للعلاج بالخارج، بل نستثمر في السياحية الطبية سيصبح لدينا أعلام من الأطباء، وسيعود عهد الطبيب راشد بن عميرة الرستاقي الذي خلد اسمه في المنظمة العالمية للصحة كطبيب عماني له مكتشفات طبية.

المواطن العُماني عليه أن يثق في مؤسساتنا الطبية وكوادرنا الطبية، فكم من تشخيص ثبتت صدقيته وهو صادر من مؤسسة صحية وهنا يثبت كفاءة الأجهزة وقدرات الأطباء العمانيين.

من خلال مقابلتك لاستشاري عُماني مُتخصِّص تشعر بالطمأنينة، وقربه منك، وصدق تشخيصه والاطمئنان عليه في إجراء العملية.

أُجريت عملية في مستشفى خولة عام 2004، ولا يزال الدكتور وحيد الخروصي في ذاكرتي، وقد شرح لي كيف ستكون حالتي بعد إجراء العملية، وقد صدق فيما ذهب إليه، وهذا نموذج لكفاءات أخرى في مستشفيات السلطنة.

علينا أن ننشر قصص نجاح العمليات في مؤسساتنا، ونعلي من شأنها، ونفنِّد القصص الملفقة حول فشل المؤسسات وأطبائها، علينا تحفيز وتشجيع مؤسساتنا الصحية الخاصة في استقطاب كفاءات وتوظيف كفاءات عمانية في مؤسساتها، وكذلك تبني تدريس أطباء جدد يعملون في مؤسساتها بعد تخرجهم، وهذا ما يسمى بالشراكة بين القطاع الخاص والحكومي.

عزيزي المواطن، ثق في مؤسساتنا الصحية؛ فنجاح المستشفى يُستَمَد من ثقتك فيه، فكم من طبيب يشعر بالسعادة بنجاحه في معالجته لك بعد أن وضعت ثقتك به، مؤسساتنا الصحية هي جزء من مقدراتنا الوطنية ومنجزنا وشبابنا هم ثروتنا الحقيقية.

[email protected]