ثوب الحياء في واقع طالباتنا (1)

 

عيسى الرواحي

 

تحدثت في المقال السابق عن بعض الضوابط الشرعية لعمل المرأة في الإسلام، وأما في شأن طلبها للعلم ونخص بالذكر عند التحاقها بالمؤسسات التعليمية العليا من الجامعات والكليات، وما فرضته القوانين والأنظمة في البلاد من اختلاط التعليم الجامعي؛ فإنّه يجب عليها أن تلتزم أمورا كثيرة إن هي أرادت أن تكون طالبة علم بحق يفخر بها أهلها وتتقدم بها البلاد في أن تصبح معلمة مخلصة أو طبيبة ماهرة أو أي وظيفة أخرى تليق بها وتناسب فطرتها السوية، وتسعد في دنياها وأخراها.

على أنَّ أمر الاختلاط في حد ذاته الذي عمَّ وطغى ليس خيرًا، وما أتت أغلب المصائب الخُلقية إلا منه، وقد أوضح سماحة الشيخ الخليلي المُفتي العام للسلطنة في أكثر من مُناسبة شأن الاختلاط وما قد يجره من ويلات ومصائب، يقول سماحته في إحدى محاضراته : "... من الضرورة بمكان أن يُربى الرجل على العفة والحياء من أول الأمر منذ طفولته الأولى، وتربى المرأة منذ طفولتها الأولى على العفة والحياء، وهذا يقتضي ألا يسمح بالاختلاط الذي لا حدود له ولا ضوابط له، بل كل ما كانت المرأة بمعزل عن الرجل من حيث الدراسة ومن حيث العمل كان أفضل لها، وكذلك بالنسبة للرجل...". وفي هذا الشأن أيضًا يُبين الشيخ علي الطنطاوي في كتابه (مع الناس)  إفك دعاة المساواة والاختلاط بقوله: " وإنَّ دعاة المساواة والاختلاط باسم المدنية قوم كذابون من جهتين: كذابون لأنهم ما أرادوا بذلك كله إلا إمتاع جوارحهم، وإرضاء ميولهم، وإعطاء نفوسهم حظها من لذة النظر، وما يأملون به من لذائذ أخر".

وأما في شأن ما تؤمر به طالبة العلم بالتزام الحشمة والأدب فيما يخص هيئتها فإنَّ واقعا مُرا مؤسفا عند بعض طالبات مؤسساتنا التعليمية العليا، ويرى المتابع للوضع أمرًا عجبًا، حتى ليتساءل في نفسه ويبقى في حيرة من أمره مما يُشاهده ويسمعه: أهذا حال طالبات علم أم عارضات أزياء أم أبعد من ذلك؟! وقد بلغ الاستخفاف والتربص بطالبات مؤسساتنا التعليمية أن تتسارع بعض مراكز التجميل إلى نشر عروضها الترويجية الخاصة بطالبات الكليات والجامعات تحت شعارات مُختلفة من بينها: "العودة إلى الجامعة العودة إلى الجمال".

إنَّ مما يؤسف له أن يكثر الهرج والمرج عن واقع مؤسساتنا التعليمة العليا، وما يتعلق بالآداب والأخلاق بين الجنسين، وتكون الصورة العامة عن بعض تلك المؤسسات التعليمية مشوهة لكثرة ما تراه العين وتسمعه الأذن من شواهد كثيرة لا حصر لها تتعلق بنزع ثوب الحشمة والحياء عند بعض الطالبات سواء فيما يتعلق باللبس غير المحتشم أو غياب الضوابط المُنظمة والقوانين المشرعة للقيم والآداب، يقول الدكتور صالح الفهدي في كتابه (بناء الإنسان وصناعة الأوطان): "إنَّ بعض المؤسسات التعليمية ـ أشدد ثانية على البعض ـ لا تكترث للأخلاقيات ولا بالسلوكيات التي تقع أمام مرآها وفي أروقتها ومرافقها والشواهد في هذا المجال كثيرة ومعروفة لدى البعض حتى حسبت ـ وأنا أسمعها بدهشة ـ تقع في مؤسسات الغرب المنفلت من ربقة الحشمة والحياء، حيث تقع المشاهد الخادشة للنفس الأبية هناك أمام عميد الكلية وهو يشرب الشاي ويتبادل النكات والقهقهات مع أصحابه".

إنَّ النداء الأوَّل والأخير موجهٌ إلى تلك الفتاة التي هي مسؤولة بالدرجة الأولى عن سكناتها وحركاتها، ومطالبة بتطبيق شرع الله تعالى في جميع أحوالها وأينما كانت، وهي مُرسلةٌ من بيتها إلى تلك المؤسسة التعليمية لطلب العلم، ولتصبح بعد ذلك ساعداً لأهلها وللوطن، ولكن يستحيل أن يتحقق لها ذلك إن هي حادت عن منهج الله تعالى غير ممتثلة أوامره ولا مجتنبة نواهيه، ونزلت بمستوى تفكيرها وفكرها فجعلت من نفسها محط أنظار الجميع من حولها، ومطمع غرائزهم غير السوية، وما أكثر المتربصين بها اليوم من البعيد والقريب! والفتاة تدرك ذلك جيداً!

ألم تتعلم طالبة الجامعة يوم كانت في المدرسة أنَّ صوتها يجب أن يكون في حدود الأدب والحشمة والحياء، فلا تخضع به ولا تلونه؛ حتى لا تجعل من صوتها عرضة للفتنة ومنزلقًا للقلوب المريضة والأهواء الساقطة؟! يقول الله تعالى محذراً إياها: (... فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (32) ( سورة النور32) وإذا كان هذا الخطاب في أساسه موجهًا إلى نساء النبي الطاهرات العفيفات، فكيف الحال بنساء العالمين الأخريات؟! يقول الأستاذ أحمد بن مظفر الرواحي في كتابه (تشييد مباحث النشيد): "فإذا كان الخضوع بالقول يحصل في نفس الألفاظ وقد نُهي عنه أمهات المؤمنين الطاهرات، فما بالك إذا ما انضاف إلى ذلك تحسين الصوت وتطريبه".

ولطالما زلت أقدام فتيات بعد ثبوتها، وتوهجت غرائز شباب ذوي قلوب مريضة فانسحقت في هاوية لا قعر لها بسبب الخضوع بالقول الذي حذَّر منه القرآن الكريم. والخضوع بالقول الذي قد يُغري الشباب ويُحرك غرائزهم في وقتنا الحالي ليس بالضرورة أن يكون من خلال المنطوق، فقد يكون من خلال المكتوب وهي تستعمل وسائل التواصل، وما أكثر الخاضعات بالقول هذا اليوم منطوقاً ومكتوباً، يقول الدكتور سيف الهادي في كتابه (حَراك القلم) في هذا الشأن"... كان بإمكان المرأة أن تبدي إعجابها من موقف مُعين أو رجل مُبدع بعبارات رصينة ورزينة مثل (جيد)، (مصيب)، (ممتاز) بدلا من : (كثير حلو)، (وااايد حلو)، (عسل) " وقس على ذلك كثيراً من أنواع الخضوع بالقول الذي ورد النهي والتحذير منها بشكل صريح في القرآن الكريم... وللحديث بقية في مقالنا القادم بإذن الله تعالى.

 

issa808@moe.om