المستقبل على الأبواب

 

 

مدرين المكتومية

فلنتفق أنَّ الغد هو بداية المُستقبل، وما أن ننام ونصحو حتى يكون العالم قد شهد اختراعاً جديدًا في مكان ما، وفي مجالٍ ما، وكما جاءت الثورة الصناعية الأولى ثمَّ الثانية فالثالثة أخشى أننا سننتظر أيضًا صُنَّاع الثورة الاقتصادية الرابعة لنكون من أوائل المستهلكين فيها وليس من صناعها.

ومن جهتي أنتظر بشغف صباح الغد حيث يفتح مُنتدى الرؤية الاقتصادي السادس نافذة على هذا العالم المُسمى باقتصاد المُستقبل، وفي رأسي الكثير من التساؤلات حول صورة العالم في المستقبل والتحولات مذهلة السرعة التي ستحملها لنا الأيام المُقبلة، الآن ونحن مازلنا في الثورة الثالثة المُسماة بثورة المعرفة أصبحنا جزءًا من عالم الصفر والواحد، ننام على ضغطة زر المُكيف ونصحو على صوت منبه الهاتف المحمول، فكيف سيكون مُستقبلنا فيما هو قادم؟ هل ستتم هيكلتنا بحيث نتحكم في درجة حرارة أجسادنا من الداخل؟ هل ستزرع في أدمغتنا شرائح اتصال عبر التوارد الفكري؟

أشياء كثيرة وخيالات قد تكون أقرب للتَّحقق مما نظن، لكن السؤال الذي لابد من التفكير فيه، هل سنكون كعُمانيين أيضاً مستهلكين لهذه الثورة ومنتجاتها كما كنَّا في الثورة الاقتصادية الأولى والثانية والثالثة؟ بل هل نحن على الأقل مُستعدين لنكون مستهلكين جيدين للاستفادة من مُنتجات هذه الثورة؟

هل نظام التعليم في عُمان مُعد لتخريج مواطن في 2030 يعي ويفهم مفردات اقتصاد العالم وقتها ليكون متوائمًا مع فرص العمل المتاحة؟، وهل تخطيطنا للصحة يستوعب الابتكارات المتلاحقة في سبل الوقاية وتشخيص وعلاج الأمراض؟ وهل التخطيط للطرق والنقل والصناعة وغيرها يستشرف هذه المتغيرات حتى لا ننفق مليارات على بنية لا حاجة لها في المُستقبل؟

كثير وكثير من الأفكار التي تحتاج إلى تفكير عميق فيها، ليس لمجرد التفكير لكن لينعكس هذا على واقعنا وحاضرنا ومن ثم على مستقبل عماننا لأنَّ من لم يلحق بقطار التغيير السريع المُثير قد لا يكون له مكان حتى على محطة الانتظار.

لكن مع كل هذا الشغف بالمُستقبل فإنَّ الصبغة العمانية في الثقافة والتراث والحضارة لا ينبغي أن تدهس في محاولة اللحاق بالتَّقدم، ولذلك فهناك حاجة للوصول إلى تلك الصيغة المركبة للمواطن العماني الذي يحمل فكراً وعلمًا يؤهله للتفاعل الإيجابي مع المستقبل، وفي نفس الوقت يحمل تقاليد وتراثا وتاريخًا أصيلاً يحافظ عليه ويرشد بوصلته.

قد تبدو التركيبة صعبة خاصة وأنَّ الحداثة ارتبطت في ذهن الجيل الجديد بالانحلال من كل ما هو تراثي والتشبه بالغرب، وبقدر ما نود أن نشبه الغرب في سعيه للابتكار وتجديد كل تفاصيل الحياة إلا أنَّ التشبه بهم في طريقة العيش والترفيه، دون التشبه بهم في جديتهم والتزامهم في العمل ينتج مسوخاً بلا هوية ولا ملامح، وهذا هو دور البيت والمدرسة ووسائل الإعلام، واللتان رغم أنَّ الثورة التقنية أنتجت لهما بدائل إلكترونية إلا أن غيابهما خلال الفترة المُقبلة لن يكون مقبولا، فالإنترنت لا يصلح أن يكون أباً أو أماً وأصدقاء وسائل التواصل لا يصلحون مرشدين، نحن نحتاج إلى اتفاق مجتمعي على مكاننا الذي نُريد في المستقبل، وهذا ما تسهم فيه النافذة التي تفتحها "الرؤية" غداً في منتداها الاقتصادي عن "عمان واقتصاد المستقبل" وأحيي العنوان الذي يبحث عن عمان في اقتصاد المستقبل وليس فقط عن الصناعة أو التجارة . وهو عنوان يمكن لكل جهة في مجالها أن تبني عليه وتعمل على خلق فضاءات من التصورات والحلول المبتكرة سواء في التعليم أو الصحة أو الاجتماع أو حتى الثقافة والفن والتراث، لأنّ المستقبل يشمل الجميع ويحتاج الجميع أن يناقشه.

 

madreen@alroya.info