عيسى الرواحي
أصبح واقع طلابنا اليوم مع الواجبات المنزلية مختلفا كثيرا عن واقع الأمس دون أن ننفي أن هناك قدرا لا بأس به من العهد القديم باقيا عند بعض المعلمين تجاه الواجبات المنزلية.
وتكاد كثافة الواجبات المنزلية اليوم مقتصرة على طلاب الحلقة الأولى، وعندما ينتقل الطلاب إلى الحلقة الثانية تتضاءل لديهم الواجبات المنزلية كثيرًا حتى تكاد تختفي في بعض الصفوف، رغم أنّ الدراسات التي بحثت أهميّة الواجبات المنزلية ودورها في التحصيل الدراسي كانت تشير إلى أهميّة تصاعد كثافة الواجبات المنزلية وزيادتها مع الطالب بتقدم مراحله الدراسية؛ حتى تحقق العملية التعليمية أهدافها المنشودة.
وحتى طلبة الحلقة الأولى فما عادوا يتلقون تلك الواجبات المنزلية التي كان يأخذها الطالب سابقا، بل ربما تكاد تكون دروس النسخ قد اختفت.
وإن تلقى الطالب كثافة من الواجبات المنزلية في بعض المدارس من قِبل بعض المعلمات فربما سيواجه ذلك انتقادا من قبل المشرفين التربويين بأهمية التخفيف عن كاهل الطالب، وسيواجه أيضا اعتراضا من قبل كثير من أولياء الأمور.
أمّا طالب الحلقة الثانية فإنّه يأتي إلى المنزل وفي أحيان كثيرة لا يكلف بأي واجب منزلي، وإن تمّ تكليفه فهي واجبات لا تكاد تأخذ من وقته واستغراقه مع كتبه ودفاتره إلا جزءًا يسيرًا من الوقت.
ورغم هذا التكليف اليسير من الواجبات المنزلية التي يتلقاها الطالب اليوم؛ فإنَّه في كثير من الأحيان سيهملها ولا يهتم بأدائها؛ فلا متابعة ومحاسبة داخل الأسرة في أغلب الأحوال، ولا زجر وتأديب على الإهمال والتقصير داخل الفصل الدراسي بشكل عام.
وتقوم النظرة السائدة عند المعلمين اليوم على أساس أنّ الواجبات المنزلية لا تدخل في علمية نظام التقويم إلا بشكل يسير لا يتجاوز 5% ويتم تقويم الطالب عليها خلال الفصل الدراسي مرات محددة فقط.
أما الواجبات المنزلية اليومية التي كانت سابقا على الكتب والدفاتر فليست ضمن عملية نظام تقويم الطالب؛ ولأجل ذلك تضاءل الاهتمام بها بشكل كبير من قِبل المعلم والطالب.
ونحن عندما نتحدث عن الواجبات المنزلية وفوائدها العديدة؛ فليس لأجل الحصول على درجات التقويم، فهذه نظرة ضيقة ظالمة في حق الواجبات المنزلية، ومتى ما كانت هذه النظرة تجاهها فلا ريب أننها لن تؤتي ثمارها المرجوة في رفع المستوى التحصيلي لأبنائنا الطلاب كما هو حالهم اليوم، وواقع الحال أصدق من المقال.
لقد أسهمت الواجبات المنزلية سابقا والتي حظيت باهتمام بالغ ومتابعة مستمرة وحرص كبير من قِبل الطالب والمعلم والأسرة إلى رفع المستوى التحصيلي للطلاب، وبث روح التنافس بينهم، وتحسين مهارات التعليم المختلفة وترسيخ ما يتلقونه من دروس في الحصة الدراسية، وربط الدروس بعضها ببعض.
وبقدر ما تحقق الواجبات المنزلية من نتائج محمودة في واقع العملية التعليمية لأبنائنا الطلاب؛ فإنَّ تغييبها بلا ريب ستكون له آثاره غير المحمودة.
وحسب وجهة نظري فإنَّ ارتفاع درجة الإهمال بشكل كبير عند كثير من الطلاب من ضمن أسبابه الرئيسة هو تغييب الواجبات المنزلية بالقدر الكافي من واقعهم الدراسي.
والطلاب بلا ريب كما أشرت في المقال السابق بأنَّ درجة اهتمامهم بالمادة ومراجعتهم دروسها تأتي بدرجة مكانة الواجبات المنزلية من قبل المعلم، وطريقة متابعته واهتمامه بتلك الواجبات، إذ لا قيمة للواجب المنزلي ما لم يحظَ بالاهتمام والمتابعة من قِبل المعلم.
فهذا طالبٌ يقول لي: إننا لا نستطيع أن نخدع معلم الرياضيات في حل الواجب!
قلت له: كيف؟
قال: في بداية الحصة يتأكد من حلنا للواجب، ثم يقوم بعدها بإخراج بعض الطلاب بحل الواجب على السبورة؛ ليتأكد من قيامنا بحل الواجب بأنفسنا، وليس نقلا من أحد.
وهذا طالب آخر يذهب مع أسرته في رحلة خارج بلده في إجازة الأسبوع، لكنه كان شديد الحرص أن يكون معه كتاب مادة الدراسات الاجتماعية وكراستها وملخصاتها؛ لأجل أن ينجز واجبات تلك المادة على أكمل وجه.
إننا نأمل أن تعود للواجبات المنزلية مكانتها وقداستها والاهتمام بها وفق شروطها وضوابطها التي أبرزها الوضوح بحيث يكون الواجب واضحا لا غموض فيه للطالب ولا لبس يجعله في حيرة من أمره، والذاتية بحيث يقوم الطالب بحل الواجب بنفسه داخل المنزل وليس نقلا من زميله أو بمساعدة تامة من أسرته إذ لا بد أن يكون هو المسؤول الأول في حل الواجب والأسرة تعينه فيما يشكل عليه، والهدف بحيث يحدد المعلم أهدافه من واجباته التي يعطيها طلابه ويسعى إلى تحقيها... والله المستعان.
issa808@moe.om