د. عبدالله عبدالرزق باحجاج
كشفت لنا دراسة لصحيفة أثير الإلكترونية عن مكافآت سخية وبدل مالي كبير لحضور الاجتماعات واللجان لأعضاء مجالس إدارة شركات المساهمة في البلاد، محددة بكل شفافية أسماء هذه الشركات، ولا يهمنا هنا الأسماء بعينها، بقدر ما يعنينا السخاء نفسه، وتوقيته، وكيفية تقديره؟ وكيف لم تنفتح الفوائض المالية لهذه الشركات على صناعة وظائف دائمة ومنتجة للباحثين عن عمل؟ ومن ثمّ كيف اتجه تفكيرها بدلا من التعايش مع الحالة الوطنية إلى مكافأة أعضاء مجالس إداراتها بكرم حاتمي؟
مما بدأ لنا المشهد أنّ هذه الشركات تغرد خارج إطارها الزمني بكل حمولته الوطنية وضغوطاته المالية والاجتماعية، بل تتقاطع مع هذا السخاء أبعاد أخرى، لعل أهمها ما آلت إليه الآن الأوضاع المالية لبعض المؤسسات العامة كصناديق التقاعد في البلاد مثلا، فهذه الصناديق تعد من بين أكبر المستثمرين في شركات المساهمة العامة، وأرقام المكافآت والبدل تطرح من جانب آخر مجموعة تساؤلات هامة، أبرزها: هل هذه المكافآت عادلة ومتناسبة مع اختصاصات اعضاء مجالس إدارة شركات المساهمة؟ وهل متناسبة مع نشاطات كل شركة؟ وهل تستقيم مع المرحلة المالية التي تمر بها البلاد، ومع تحولاتها الاقتصادية الجديدة؟ تساؤلات تستمد شرعية طرحها في ضوء ما كشفته دراسة أثير الإلكترونية يوم الثلاثاء الماضي - نقلا عن إفصاح الشركات عن بياناتها على موقع سوق مسقط للأوراق المالية – عن المكافآت السخية لمجالس إدارة مجموعة شركات مساهمة عامة في البلاد، حصرتها الدراسة في مجموعة شركات، ففي إحداها بلغ متوسط مكافأة العضو (35) ألف ريال سنويا، وأخرى (28،257) ريال وأخرى (25) ألف ريال.. إلخ.
هذا غير بدل حضور الاجتماعات التي تصل في بعضها إلى أكثر من (77) ألف ريال، وبعض مجالس هذه الشركات يترأسها وزراء يمثلون الحكومة، ولا يخضعون لآلية الانتخاب، بحكم نسبة حصة الحكومة في الشركات، وقد حضرت صدفة مشهد توزيع جزء من الغنائم في إحدى شركات المساهمة المقفلة بالكامل للحكومة. فقبيل إحدى اجتماع مجلس إدارتها انشغل قطاع المالية فيها بكشوفات توزيع بدل حضور الاجتماع؛ حيث تسلم رئيس مجلس إدارتها بعيد الاجتماع (وكاش) بدل الحضور وقدره (500) ريال، وينزل هذا المبلغ قليلا لبقية الأعضاء، غير المكافآت السنوية، علما بأنّ وقت مثل هؤلاء المسؤولين، هو وقت الوظيفة الحكومية وهو بذلك يتقاضى راتبين على وقت واحد، وقد يكون ذلك على حساب وظيفته الأصلية التي يتلقى عليها راتبا شهريا كبيرا، ويزداد وضع مسؤوليته الحكومية تأزما إذا كان هذا المسؤول لديه شركات خاصة، فكيف سيوفق هذا المسؤول بين الوظيفة الحكومية التي تحتم عليه العمل من الساعة (7،30) صباحا إلى الساعة (2،30) بعد الظهر وبين شركاته الخاصة وبين حضور اجتماع مجالس إدارات شركات المساهمة العامة؟ وكيف يتوفر الوقت لأعضاء مجالس الإدارات للإبداع في ظل وظائفهم العديدة؟
ويعطيهم القانون أعضاء مجالس إدارات شركات المساهمة العامة أكثر من تلكم المبالغ السنوية والفورية، بحيث لا يتجاوز (5%) من صافي الأرباح السنوية، وبحد أقصى (200) ألف ريال، كما يعطيهم بدلا لحضور الاجتماعات واللجان بما لا يتجاوز عن (10) آلاف ريال للعضو، وفعلا، بعضهم قد حصل على أكثر مما ذكرته الدراسة، فأرقامها كانت وفق حسابات متوسطية، وهذا الآلية، تعد أهم مصدر للثراء الشخصي أو النفعي (المقنن) على حساب أموال المساهمين الذين يكونون هنا أمّا مواطنين – عاديين – وضعوا مدخراتهم في شركات مساهمة عامة بغية الربح، للسنوات العجاف، وقد آن أوانها، أو تكون أموال صناديق للتقاعد الحكومية، ففي إحدى تلكم الشركات السخية، هناك (11) جهة حكومية تمتلك أسهما، من بينها أحد صناديق التقاعد في البلاد، حيث يمتلك 44.6%.
تصوّروا كذلك أن إحدى تلكم الشركات من كثرة سخائها بهذه الأموال قد أعطت لأعضاء مجلس إدارتها نسبة (3،02%) من الربح السنوي؟ وفي قطاع البنوك رغم أن المكافآت في معظمها قد انخفضت قليلا، إلا أنها تحوم في سماوات السخاء. ورغم وقوع هذا السخاء في دائرة القانون إلا أنّ القانون نفسه ينبغي تقويمه وتحليله، لمعرفة مدى مواءمته مع المرحلة ومع تلكم التساؤلات سالفة الذكر، خاصة إذا كان السخاء مرجعه جذب كفاءات وخبرات مناسبة، تمكنت من تحقيق النجاح للشركات بخطط طويلة ومتوسطة وقصيرة الأجل، أمّا إذا كان العكس، فالمسالة تدخل في سياسة النفع الخاص، ربما لعدم وجود مستقلين في هذه المجالس، وقد كشفت دراسة أنّ عملية مشاركة المستقلين في مجالس الإدارة تعد نادرة.
وهذه قد تكون من المشكلات المشتركة بين أسواق الخليج التي تمتاز بأنها شركات ذات جذور عائلية، فهل يفتح مجلس الشورى هذا الملف بصورة عاجلة انطلاقا من اختصاصه مراجعة القوانين؟ وكذلك حمل الجمعيات العمومية لهذه الشركات على ضرورة المساهمة في حل قضايا الباحثين عن عمل وتفعيل وزيادة مسؤوليتها الاجتماعية في ظل ما تحققه من أرباح سنوية كبيرة رغم سنوات العجاف.
ففي ظل سنوات العجاف التي يبدو أنّها ستصطبغ بها مرحلتنا الوطنية المقبلة، تظل أفضل وسيلة لإدارة الدولة والمجتمع خصوصا، تكمن في التشاركية الثلاثية بين ثلاثة قطاعات أساسية في البلاد، هي الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني – وفق ما ذكره تقرير التنمية البشرية للسلطنة عام 2003- وقد كانت هذه رؤية استشرافية عمانية مبكرة، وقد آن الأوان لتفعليها بوعي المسؤولية الوطنية. وبالتالي فإن جزءا من ذلك السخاء ينبغي أن يوجه لصالح تلكم القضايا الاجتماعية الضاغطة على مرحلتنا الوطنية بقوة الآن، ومن مصلحة القطاع الخاص العمل من جانبه على تخفيف حدة هذا الضغط، لدواعي ديمومة الاستقرار وكرد الجميل للوطن على التسهيلات والمنافع التي يقدمها للقطاع الخاص العماني، من أراض ودعم مالي وإعفاءات ضريبية.. إلخ، حتى أصبح الآن يحتكر الثروة، لكن تدويرها يتم في دائرة ضيقة، كالسخاء المقدم لأعضاء مجالس إدارة الشركات، فلا يمكن للقطاع الخاص أن يقفز فوق الفراغ في دور الحكومة، فهو الذي ينبغي أن يشغله فورًا بحكم أنّه قد أصبح يملك المال، بعد أن رفعت الدولة يدها عن الاقتصاد لصالحه.
وأخيرا، ينبغي أن نشكر هيئة سوق المال التي حملت هذه الشركات على الشفافية عبر نشر بياناتها على موقع الهيئة الإلكتروني، ولولا هذه الشفافية لما عرفنا حجم المكافآت السخية ولا البدل المالي الكبير، ونجزم أنه لولا هذه الشفافية المطلوبة لكان السخاء أكبر رغم سنوات العجاف التي تمر بها موازنة الدولة، اللهم زد وبارك، لا حسد أبدًا، لكن عليكم واجب وطني واجتماعي لابد أن تقوموا به، وهذا سيكون في صالح الكل.