معايير مزدوجة

 

 

لا شك أنّ الضربة الجويّة التي نفّذتها الولايات المتحدة قبل أيام على قاعدة الشعيرات الجويّة بسوريا، تمثل تصرّفًا أحاديًا أثار تباينًا واسعًا في ردود الأفعال، ويرقى في جوانب منه إلى تكرار السيناريو العراقي، بعدما زعمت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، أنّ نظام الرئيس الراحل صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل، رغم نفي الأمم المتحدة ولجان تقصي الحقائق ذلك، فأخذت واشنطن القرار بصورة أحادية واحتلت العراق ودمرته وهو لا يزال ينزف حتى الآن.

الموقف الأمريكي منذ اندلاع الأزمة السورية اتسم بالتردد دائمًا خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما، ورغم أنّ المزاعم بشأن هجمات كيماوية في سوريا ليست الأولى وربما لن تكون الأخيرة، إلا أنّ الرئيس دونالد ترامب هو من أعطى الضوء الأخضر لتنفيذ الضربة. التناقض الصارخ في المواقف الأمريكية بشأن سوريا يؤكد سياسة المعايير المزدوجة التي تنتهجها الولايات المتحدة ومن ورائها الغرب في التعاطي مع المعضلة السوريّة، فلماذا الضربة الجويّة الآن وقد اقتربت القوات السورية الحكومية من فرض سيطرتها على مناطق واسعة من البلاد بعد طرد تنظيم داعش الإرهابي، ومجموعات المعارضة المسلحة؟ ألم يكن أجدى بالإدارة الأمريكية أن تتدخل في بدايات الأزمة تحت غطاء أممي، وبدعم دولي من مجلس الأمن؟ أليس من باب أولى أن تستنهض الولايات المتحدة قواها الاستخباراتية والعسكرية لدحر تنظيم داعش الذي أفسد في الأرض، سواء في الشرق الأوسط أو في عقر دار الأوروبيين والأمريكيين؟

كل هذه الأسئلة وغيرها تتقافز في ذهن المواطن العربي وهو يرقب الوضع الذي آل إليه إقليمنا من تفتت وحروب ومدن أشباح ومشردين في مختلف أصقاع الأرض.

الأزمة السورية لن يحلها سوى أبنائها المخلصين، فلا القوات الحكومية قادرة على تحقيق النصر المُظفّر وبسط سيطرتها على كامل التراب السوري، ولا المعارضة المسلحة بمختلف أطيافها وتنوعاتها تستطيع أن تعيد الأمل إلى نفوس السوريين سواء في الداخل أو الشتات.. وحده فقط الشعب السوري غير المؤدلج والساعي إلى تحقيق اللحمة الوطنية، دون إملاءات من الخارج أو شروط أجنبية، هو القادر على تحقيق النصر والوحدة وضمان عدم تقسيم سوريا.

على الجميع الآن ألا تحركه المصالح الآنية، وأن ينظر إلى أبعاد الأمن القومي العربي، وما قد يحمله المستقبل من متغيّرات تفرض مزيدًا من التهديدات على المستويات كافة، حتى وإن بدا أن ذلك لن يتحقق.

 

تعليق عبر الفيس بوك