بحوث واعدة لتكوير صناعة الدبس من التمور العمانية

...
...

مسقط – الرؤية

تحتل نخلة التمر مكانة خاصة في السلطنة نظرًا لما تتمتع به من أهميّة اقتصادية واجتماعية، حيث إن قابلية أشجار النخيل للتأقلم مع الظروف البيئية القاسية من الجفاف والحرارة أدى إلى الاعتماد عليها كمصدر تغذوي مهم. وتؤكد الإحصاءات الزراعية أهمية التمور كمحصول رئيسي للسلطنة، وبلغ مجموع الإنتاج الكلي في2015 ما يقارب 344.69 ألف طنا منها 177 ألف طن للاستهلاك، و15 ألف طن صادرات، و10 آلاف طن تمور مصنعة، إضافة إلى 143 ألف طن تصنف كفائض وأعلاف.

ويدخل التمر في صناعات غذائية تقليدية ومن هذه الصناعات صناعة دبس التمر ذو المذاق الحلو والمميز، ولا تخلو المائدة العمانية في أغلب الأحوال من الأطباق الشعبية التي لا يكتمل مذاقها دون أن يسيل منها دبس التمر بعناصره الغذائية العالية ومذاقه الفريد.

وأشار الدكتور خالد بن محمد بن عبدالله الشعيلي رئيس قسم بحوث الصناعات الغذائية بمركز بحوث النخيل بوزارة الزراعة والثروة السمكية إلى أن صناعة الدبس من المهارات المتوارثة في  السلطنة من الآباء والأجداد إلى الأبناء، وأكد أن الطريقة التقليدية لا تزال مستخدمة حتى الآن ويطلق عليها (النضد) حيث يتم تجهيز التمر وتنظيفه من الأتربة والغبار ويوضع في حاويات خاصة مصنوعة من خوص النخيل تسمى (الجراب) ثم تكدس فوق بعضها في غرفة خاصة وتترك لمدة أسابيع في فصل الصيف. وبسبب عملية ضغط (الجراب) وبفعل ارتفاع درجة حرارة المكان يؤدي إلى خروج سائل التمر (الدبس) الذي يسيل إلى قنوات المجرى الموجود في الأرضية ليصب في النهاية في وعاء مناسب. وأكد أنّ إنتاج الدبس بالنضد يستغرق وقتا طويلا يصل لعدة أسابيع ويبلغ الإنتاج حوالي 20 % من وزن التمر المستخدم. وذكر أنه بسبب بطء الإنتاج وقلته في النضد فلقد تطورت صناعة الدبس وتمّ استخدام طريقة صناعية أكثر كفاءة وأغزر إنتاجا، ويتم ذلك بمعامل حديثة ومتطورة لصناعة الدبس.

وأفاد أنّ قسم بحوث الصناعات الغذائية بمركز بحوث النخيل أولى أهمية خاصة بصناعة الدبس نظرا لأهميته التغذوية، وتوصل بعد بحوث عديدة إلى تثبيت طريقة تصنيع الدبس من التمور العمانية من حيث الأصناف الموصى بها ودرجات الحرارة وزمن الاستخلاص والدرجة النهائية للمواد الصلبة الذائبة الكلية، وتم إنتاج دبس ذي مواصفات متميزة من حيث القوام واللون والطعم.

وأشارت المهندسة منصورة بنت خلفان بن سعيد العامرية باحثة صناعات غذائية أول بمركز بحوث النخيل إلى أنّ العملية تمر بثلاث مراحل وهي الاستخلاص والترشيح والتكثيف، حيث يتم خلال المرحلة الأولى استخلاص السكريات والمواد الذائبة من التمر باستخدام الماء الساخن داخل وعاء أسطواني الشكل مصنوع من الاستانلس ستيل ذي جدار مزدوج لمرور بخار الماء الساخن الذي يعمل على تسخين الماء والتمر بداخل الوعاء. وأفادت أن الجهاز من الداخل يحتوي على مقلب معدني من الاستانلس ستيل لتحريك التمور لزيادة كفاءة الاستخلاص، وينتج عن هذه المرحلة مزيج كثيف من التمر والماء.

وأشارت إلى أنّ المرحلة التي تليها تعرف بعملية الترشيح ويستخدم لذلك مرشح دقيق يعمل على فصل جميع المكونات الصلبة غير الذائبة بواسطة القوة الطاردة المركزية ومصنوع من الاستانلس ستيل وبدوران الجهاز دورانا سريعا ومنتظما تنفصل القشور والمواد العالقة. وأكدت أن فكرة عمل الجهاز تعتمد على نظرية اختلاف الكثافة بين المستخلص والمواد العالقة بما فيها قشور التمر حيث تؤدي عملية الدوران السريع المنتظم للدوران المجوف للجهاز إلى انفصال المكونات الأقل كثافة وهي قشور التمر والشوائب والمواد العالقة واتجاهها ناحية مركز الجهاز، حيث يتم التخلص منها وينتج عن خطوة الترشيح مستخلص رائق وعلى درجة عالية من النقاوة وبمحتوى سكري قريبا من 30%.

وأوضحت أنّ عملية التكثيف أو التركيز هي المرحلة الأخيرة التي تمر بها صناعة الدبس والمقصود منها تحويل مستخلص التمر إلى منتج ثقيل القوام وذلك بتركيز ما يحتويه من مواد صلبة ذائبة، ويعني التخلص من قدر كبير من رطوبة المستخلص بواسطة التبخير، وأكّدت أنّه لتحقيق ذلك تستخدم أجهزة خاصة تعرف بالمبخرات وتختلف نظم التركيز باختلاف الأجهزة المستخدمة وفقا للإمكانات المتاحة ومن ضمنها التركيز باستخدام أجهزة تعمل بالحرارة تحت تفريغ هوائي، فوجود تفريغ هوائي بمثل هذه الأجهزة يؤدي إلي غليان المستخلص على درجة حرارة منخفضة أقل من تلك التي يحدث عندها احتراق السكر وبذلك تتم عملية تبخر الرطوبة من المستخلص الذي يزداد تركيزه دون أن يؤثر على الصفات الحسية للمنتج. وعادة تزود مثل هذه الأجهزة بوسائل ضبط وتحكم في درجتي الحرارة والضغط ومؤشرات بيان خاصة بهما.

وأكّدت المهندسة أنيسة بنت مبارك بن مرهون الغابشية باحثة صناعات غذائية ثان بمركز بحوث النخيل أنه بالإمكان صناعة الدبس منزليا حيث يغسل التمر وتنزع منه الأنوية، ثم يصب على الماء المغلي بنسبة 2 تمر إلى 1 ماء مع الاستمرار في التسخين مع التحريك المستمر لمدة نصف ساعة تقريبا ثم بعد ذلك يرفع عن النّار ويترك ليبرد وبعد ذلك يصفى المزيج بقطعة قماش خفيفة بيضاء للحصول على مستخلص صاف ورائق. ثم يسخن المستخلص في قدر على النار مع التقليب المستمر ويغلى لتبخير الماء الزائد حتى يصبح قوامه كثيفا كالقطر، ثم يعبأ في حاوية مناسبة نظيفة.

وذكرت المهندسة أمل بنت خليفة بن حميد الغافرية باحث صناعات غذائية ثانٍ بمركز بحوث النخيل أنّ الإحصاءات تشير إلى أن هناك كميات كبيرة من التمور لا يستهان بها إضافة إلى ما يتم استهلاكه مباشرة من التمور، عليه يمكن أن تحول إلى منتجات ذات قيمة مضافة أو تصدر بعد أن تعبأ وتغلف بشكل متطور بما يتلاءم مع أنماط الاستهلاك الحديثة، كما أكّدت بأنّ التمور المصنعة أو التصنيعية يجب أن تشكل رافدًا أساسيا للصناعات التحويلية وذلك بسبب تركيبها الكيميائي الغني بالسكريات الأحادية والعناصر المعدنية إضافة إلى خصائصها الوظيفية المتمثلة في احتوائها على المواد المضادة للأكسدة والألياف الغذائية والتي بات تناولها يشكل توجها رئيسا في نظم التغذية الحديثة.

تعليق عبر الفيس بوك