حمد بن سالم العلوي
لقد تعودنا على القمم العربية، وعلى أنها مجرد نواح وبكاء على الأطلال، وذلك قبل أن ينكسر الحاجز النفسي العربي، إثر انفجار "الخريف العربي" المنحوس، ثم انتقال النواح والبكاء والعواء التمثيلي، إلى المجاهرة بالعداء لبعضهم البعض على الملأ، بعدما كانت الضحكات في الظاهر، والحسرة والغصة في الباطن على بعضنا، وقضية فلسطين التي كانت تمثل قميص عثمان، ذلك لمن أراد أن يرفع رصيده في القومية العربية والوطنية الكاذبة، وهنا لا أقصد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بالطبع، الذي أخلص للقضية الفلسطينية، وحرك القومية العربية في النفوس العطشى للعزة والكرامة، ولكن لم يتركه النائحون المنافقون وشأنه، وإنما كانوا عوناً للعدو عليه، وفعلوا العجائب لتدميره، والقضاء عليه وعلى مشروعه القومي الوحدوي، وقد استمروا كذلك بعد وفاته، ذلك بغرض تشويه تأريخه، وطي صفحته هو وكل المخلصين من القادة القلائل في الأمّة العربية.
ترى ماذا تبقّى حتى يجتمع العرب لشأن أمتهم بإخلاص، فقد تآمر العرب على العرب، فُقتل زعماء.. ودُمرت دول، وكل ذلك حدث بعلم وسمع ما يسُمى بجامعة الدول العربية، وهي ليس من اسمها في شيء، إلا عقد الاجتماعات لتفتيت المفتت، وتجزئة المجزأ، والاستمرار في نشر الفتنة، والفرقة بين العرب والعرب، لقد ابتدع هذه الجامعة اللاعربية بالمعنى الصحيح، الإنجليزي الماكر "انطوني ايدن" لتكون جامعة تكبر بزيادة أسماء الدول العربية الجديدة، فقد كان عدد دول الجامعة يوم نشأتها عام 1945م ست دول، فأصبح عددها اليوم 22 دولة، والمخطط له قد يكون 45 دولة، وذلك ليوافق بشؤمه كما يوم نشأتها عام 45 من القرن الماضي، وهناك العديد من التفريعات الجديدة في مخاض التكوين، قد ينضم بعضها قريباً إليها، وانفصل البعض الآخر تماماً كجنوب السودان.
إذن، هذه هي النتيجة التي عرفناها من واقع المعايشة، لحال هذه الجامعة التي أتت نشأتها للتفريق، وليس الجمع، وهذا ما علمناه عنها بالضرورة، بأنّها لا جدوى من وجودها، وربما غيابها، أو زوالها أو إلغاؤها من الوجود، أصبح مطلباً ضرورياً، وذلك لحفظ البقية الباقية من أمّة العرب، وإنشاء تجمع آخر بقيم عربية وطنية، هدفه الجمع ونبذ الفرقة، ولا بأس أن يرأسها شخص محايد لا تختاره هيئتها، وأن ينتخب من قبل مجالس الشورى في الدول العربية، وفي نفس الوقت يُفسح المجال لإنشاء تكتلات تعاونية متجانسة بين الدول العربية، يلتقون كتكتلات اقتصادية واجتماعية وسياسية، لا يكون من بينها الدفاع المشترك، لأنّ واقع الحال، أبرز أن ضرره أكثر من نفعه، وأن استخدامه أي "الدفاع المشترك" في الخلافات الشخصية فقط، وليس لتحقيق مصلحة عربية عامة، وإنشاء صناديق لتطوير القطاعات المختلفة في الأمة العربية.
لذلك لا نتوقع من اجتماع القمة العربية، الذي سيعقد اليوم الأربعاء في عمّان، أن يخرج بشيء جديد ينقذ الأمّة من أزمتها الحالية، لأنّ نفس المهيمنين على مشروع فرقة العرب ما زالوا كذلك، ولا ينفكون عن تمرير مشاريع الأعداء على البلاد العربية، طبعا هؤلاء ذكروا في القرآن الكريم صراحة، ولكن نحن ما زلنا نسمي القرآن بأساطير الأولين، لذلك لن ننتبه لما يصفنا به هذا القرآن المبين، فقوله تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن ولِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) صدق الله العظيم البقرة (120) وهناك ما يؤكد موافقة هذا الأمر ومخالفة التوجيه الرباني، وفي أية أخرى قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) صدق الله العظيم المائدة (51) وهذه الآية تنطبق تماماً على الذين يستنجدون بغير المسلمين على المسلمين، وأعلم أن كل فئة ستنظر للموضوع من زاويتها الخاصة، ولكن نقول إنّها تنطبق على من بدأ بالشر، وما زال سائراً فيه، ويفسد في الأرض بعد إصلاحها، لأنّ أهداف سياسته الشيطانية جميعها تصب في صالح العدو الصهيوني.
إنّ اختيار منطقة البحر الميت لعقد القمة العربية - التي نأمل أن تكون الأخيرة - اختيار موفق وكما يقال، القرين بالقرين ينسب، لأنّ الأموات يُجمعون في مكان واحد، وهذه القمة وجامعتها العربية تعدان في معلوم معظم العرب من الأموات، لأننا لم نر خيراً فيها من قبل، وذلك بالتجربة المتكررة، والشر الذي يقع من الأموات قبل موتهم تسقط عقوبته الدنيوية بالوفاة، ونحن كعرب مسلمين قبلنا بهذا الواقع المر، ولكن لا نقبل باستمراره، وتوسع ضرره على الأمّة، ولا نحتاج إلى لهّاية تلهينا عن معرفة الحقيقة، التي أصبحت واضحة كوضح عين شمس الضحى، فأقبروها هناك في البحر الميت، وأريحوا الأمّة من همها، لأننا لم نر من هذه الجامعة، وقممها الكثيرة، إلا الفرقة وتقسيم حِزم الشر على بلاد العرب، أمّا العدو الصهيوني فما زال يزيد التوسع، ويزيد في قهره للشعب الفلسطيني، الذي صار عليه أن يتحمل غدر الإخوة، وبطش العدو، اللهم فقد بلغت اللهم فشهد، إننا براء من جامعة الشؤم وأفعالها.