علي بن كفيتان بيت سعيد
في هذه المرحلة العصيبة لا جدوى من الإبحار عكس التيار الذي بدأ في الغليان بعمق المحيط منذ 2011 ولم تصل منه لليابسة سوى بعض الأمواج المتوسطة التي أغرقت بعض الأنحاء من وطننا العربي الكبير، فأمواج التسونامي لم تصل بعد، ولا زال هناك الطوفان الكبير سلمنا الله جميعاً، وفي هذه المرحلة نحن بحاجة لبرنامج إنذار مبكر آخر يعمل بفعالية وكفاءة أفضل من ذلك القديم الذي كان مجرد مناقصة ورقية توسط فيها الجميع لذلك التاجر الغارم لكي يحل مشكلة إفلاسه الوشيك والحمد لله الرجل الآن في وضع مالي طيب، لكن الوطن غرقت أطرافه والماء في علو يومًا بعد آخر، لذلك اختار الجميع الجلوس إلى جانب البحر الأكثر انخفاضاَ في العالم والأقل أمواجاً لكنه على مرمى حجر بيت المقدس وعلى مشارف سوريا وتخوم العراق.
كم تبعث الصورة على الأمل عندما تراهم يتقاطرون على البحر الميت من كل حدب وصوب ملوك ورؤساء وأمراء وأصحاب سمو ومعالي وسعادة أحدهم لا زال محتفظًا بهيبة العرب لابساً عمامته التي تذكرنا بمالك بن فهم وآخرون يعتمرون العقال العربي على رؤوسهم الذي يحمل رمزية عظيمة وهو ربط ما استعصى عليك إيقافه بالعقل والمنطق، بينما وفود أخرى نفضت عنها الغبار القديم وتمنطقت بالبدلة وربطة العنق الأنيقة رمز العصرنة والتطور لكنها تكون أداة خطيرة إذا نشب خلاف لا قدر الله.
كنا في الماضي نتسمّر أمام التلفاز للاستمتاع بمراسم الاستقبال والتوديع غير العادية، كما كنا نستمتع بكلمات الجلسة الافتتاحية العلنية في العادة ومداخلاتها الكثيرة، ولكن كان هناك نجوم لهذه القمم غابوا عن الساحة، كان بعضهم يتكلم بلسان الحال، ويحذر الجميع من مغبة الإفراط في التفاؤل بالغد والوثوق بالحليف التقليدي وينصح بالحيطة وتوثيق عرى الحليف العربي، وآخر كان يحضُر ببدلته العسكرية ويولع سيجارته دون اكتراث لما يحدث، وآخر يحمل هم فلسطين وتتاح له الكلمة في كل القمم فإذا لم يجد دعماً سياساً كافياً سيحضر الدعم المالي لا محالة فعرب الصحراء جبلوا على إحدى الحسنين.
الكل سيتكلم عن مكافحة الإرهاب هذا أمر مؤكد وسيزدحم البيان الختامي الذي سيتلوه الأمين العام بهذا الكلمة وجميع مرادفاتها في العربية الواسعة، وسيعلن المؤتمرون أنّهم ضد هذه الآفة الفتاكة بمجتمعاتهم، ولا بد طبعاً من الجدال الواسع لتمرير إدانة للدول الراعية للإرهاب الإقليمي والدولي وعلى أفضل الأحوال لن تذكر أسماء بل سيتم الاكتفاء بالإشارة وكل لبيب بالإشارة يفهم.
في الماضي كانت هذه القمم تنتدب وفودا عالية المستوى فيها رؤساء دول تذهب إلى مناطق التوترات العربية والجلوس مع الأطراف المختلفة وغالبا ما يتم احتواء الموقف بإيجاد تسويات هي في شكلها العام ملينة وليست شافية، ولكن الشعوب المتناحرة كانت تتنفس وتعود الحياة لمجرياتها، وكانت إحدى تلك المهمّات الجسام التي قام بها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله ثم انتقل إلى ربه بعد عدة أيام، لماذا لا يحدث ذلك اليوم ونرى وفدا رأسيا يزور دمشق واخر لصنعاء وثالثا إلى طرابلس الغرب فلا ترتجوا خيرا من ولد الشيخ أحمد ولا دي مستورا ولا السيد كوبلر.
رغم كل الإحباط الذي يملأ الأمة العربية وشعوبها المشتتة بين من يكابد من أجل البقاء حياً على دروب الهجرة ومن يتوجس من النيران التي باتت تلتهم أطراف ثوبه ويحاول إطفاءها بما تبقى لديه من بترول، وآخر ينأى بنفسه وكأنه ليس من هذه المجرة العربية، رغم كل ذلك لا زلنا نرى نافذة الأمل مفتوحة من بعيد لتغيير الحاضر الشارد المشتت إلى مستقبل أكثر ثباتاً وأملاً لما تبقى من الشعوب العربية في أوطانهم، لن ننسى كلمات ياسر عرفات ولا صورته التي أصبحت حتى اليوم رمزاً للقضية الفلسطينية رغم اختلاف ورثته على التركة الثقيلة التي خلفها لهم، وستظل سوريا هي مهد العروبة والصمود الأزلي ولا بد من معاودة حساباتنا الخاطئة معها ومصالحتها، وسيبقى اليمن السعيد منبع جذورنا العربية ومداد عزنا وكبريائنا، فاليمنيون ليسوا بحاجة إلى جواني الإغاثة ولا إلى جيش يحميهم من أنفسهم ولا الإخوة الليبيين كذلك الأمر هو أن نتركهم ليختاروا هم ماذا يريدون؟ هل يرغبون بالحرب والدمار أم السلام والتنمية ولا شك أنهم سيضمدون جراحهم بأنفسهم ومن ثمّ سيطلبون دعمكم لإعمار ما تبقى من أطلال الحروب التي دارت رحاها ظلما وبهتاناً في مدنهم وقراهم الوادعة وأنا على يقين بأنكم لن تبخلوا يا عرب الصحراء الكرماء ككرم الغيث الذي يهطل بعد جدب ومحل عظيمين.
alikafetan@gmail.com