خلفان الطوقي
تتكرَّر يوميًّا المناسبات والحملات التوعوية والندوات والفعاليات...وغيرها مما يحمل أسماء مُشابهة، وتجد كلَّ جهةٍ حكومية أو شِبْه حكومية تعمل مُنفردة، أو بتنسيقٍ خجُول يدلُّ على "سيطرة شخصية" لجهة دون أخرى، وكأنَّ الجِهَة المنظِّمة تودُّ إيصالَ رسالة للجمهور بأننا حاضرون، ونعمل، والدليلُ هو وُجُود شعارنا في هذه الفعالية أو تلك؛ فيغيبُ المضمون، وتكون مثل هذه الفعاليات شكلية إعلامية؛ فيضيع المضمون في زحمة الشكليات التي تنتهي بانتهاء المناسبة.
ولِكَي نُحْدِث أثراً فعالاً ومستداماً؛ فلابُد أنْ تَسْعَى مُؤسساتنا الحكومية لتعمل بشكل مُمنهج وعلمي، وتبتعدُ كلَّ البعد عن اهتمامها المبالَغ فيه في الإعلام التقليدي أو الحديث، واستبداله بتوفير بيئة حقيقية للمراجع ليُنجز عملَه بكلِّ سهولة ويُسر؛ فالمتلقِّي لا يُقيِّم المؤسسة الحكومية بعدد مرات ظهورها في الإعلام، وإنما يُقيِّمها بقدرتها على إنهاء معاملاته بشفافية ودون ذُلٍّ أو "واسطة".
ولكي لا يتشتَّت موضوع المقال، لابُد أنْ اختارَ مِثَالا ليستوعبه القرَّاء، ومن خلاله يُمكن أن تصل الفكرة المراد إيصالها؛ فعلى سبيل المثال إقامة فعالية أو تصوير مقطع تليفزيوني يخصُّ السياحة، ستجد جهة معينة تقوم به منفردة، أو بمشاركة خجولة في بعض الأحيان دون مشاركة الآخرين المعنيين بهذا القطاع، والتي تزيد على عشر جهات لها علاقة بالموضوع بشكل مباشر أو غير مباشر. وبعدها، ستجد جهة أخرى تقوم بشيء شبيه دون مشاركة الآخرين وهلمَّ جرًّا.
ولنا أنْ نتخيَّل حجمَ التأثير في حَال مُشاركة عشر جهات أو أكثر -على سبيل المثال- للقيام بمشروع واحد كإنتاج مقطع دِعَائي عن عُمان، ليُبث في محطَّات عالمية أو مشاركة السلطنة لإحياء ليالٍ عُمانية تُراثية في دولة خليجية معيِّنة؛ فالنتيجة ستكون فعَّالة بسبب أنَّ الجميع شارك بشكل مُؤسَّسي في الرُّؤية والخطة وتحديد الأهداف والأفكار، وحتى المصاريف والتقيم والترويج، فإنْ نَجَحُوا ستكرَّر المبادرات والتي ستُحْدِث أثرا مستداما وواسع النطاق.
الأمثلة السياحية هي مجرد أمثلة لتسهيل الفكرة، وليس لانتقاص عمل الجهات العاملة فيه، ولكن يُمكن تطبيق التكامل والتنسيق في كلِّ المجالات التي تتداخل في أعمالها الجهات المختلفة كتسهيل الإجراءات الحكومية لجعلها مُتطوِّرة وعصريَّة بشكل مُستمر، وبما يتناسب مع تطلعات الناس أيًّا كانوا؛ مُواطنيْن أو وافديْن، مُستثمرين محليين أو خارجيين.
العملُ بشكل تكاملي أصبح لِزَامًا ومَطْلَباً مُلحًّا، وأسباب ذلك كثيرة؛ أولها أنَّنا نمرُّ بأزمة مالية واقتصادية ولابد لنا من التوفير وتخفيف العبء على خزانة الدولة والتفكير والعمل بشكل مبتكر، وثانيها أنَّ الحلولَ التقليديَّة لم تعُد تَصْلُح للمتغيرات العصرية والتي أصبحت التكنولوجيا والبرمجيات هي العلامة الفارقة في كلِّ عمل، وبعض الأطروحات السابقة لم تعد مناسبة بل أصبحت مَدْعَاة للسخرية. ثالثاً إنَّ تطلعات المتلقي أصبحت مُختلفة عن السابق بحكم أنَّه مُتعلِّم ومعاصِر ومُقارِن ومُعاشر ومُطالِع لأفضل الممارسات في هذا العالم الذي أصبح قرية في منتهى الصِّغر. والحلُّ هو إن لم نستطع تغيير جهاتنا الحكومية والشبه حكومية وإعادة هيكلتها ودمج اختصاصاتها، فأقل ما يمكن أن نقوم به هو هندسة عقولنا، وتكامل أنظمتنا وتناسُق جهودنا لصالح حاضر ومستقبل عمان؛ وذلك أضعف الإيمان.