ترشيد التكلفة لا تخفيضها

 

 

د. محمد عشماوي

عندما تقرر المؤسسات خفض النفقات فإنّ أول إجراء يتبادر إلى ذهن القائمين على المؤسسة تسريح جزء من العاملين، فوفقا للدراسات تمثل تكاليف العمالة حوالي 70% من إجمالي تكاليف أي مؤسسة قائمة.

لكن هذه الوسيلة لها تداعيات سلبية عديدة قد تصل لحد تدمير النشاط، كما أنّ جودة وسرعة العمل ستتأثران سلبا من نقص عدد العاملين وانخفاض الروح المعنوية للموظفين المتبقين، ومن هنا يجب التمييز بين تخفيض التكاليف وترشيد التكاليف.

وحسب ما ذكره جيم ويلكنسون في إحدى مقالاته فإنّ ثمة فارقا بين التحكم في التكلفة ومفهوم خفض التكاليف. فمعظم المسؤولين في المؤسسات يعتقدون أنّ السيطرة على التكاليف (ترشيد التكلفة) وتخفيض التكاليف هو الشيء ذاته، لكن في الواقع أنّهما مفهومان مختلفان، وتتولد عنهما نتائج متباينة تماما. أول ما ينبغي على المؤسسة إدراكه أنّه لا يمكن أن تنمو المؤسسة جراء تطبيق تخفيض التكلفة وحدها، إذ يمكن الحصول على مكاسب حالية على المدى القصير، غير أنّه في نهاية المطاف تتلاشى هذه المكاسب. ومبرر ذلك أنّه عندما تخفض الشركات العامة التكاليف من خلال إعادة الهيكلة ينعكس هذا على رفع أسعار أسهمها على المدى القصير. وعلى الجانب الآخر، وبهدف رفع القيمة الاسمية للسهم بشكل مستدام أو بشكل مبسط لزيادة قيمة المؤسسة وسمعتها في السوق، يجب أن تعمل المؤسسة على تنمية الإيرادات.

مثالنا للتطبيق هنا مكتبات بارنز ونوبل؛ حيث وجدوا أن أي قدر من خفض التكاليف فقط لن يغير الوضع إلى ما آل إليه حالهم اليوم؛ إذ يجب أن يبتكروا ويغيّروا من أنفسهم.

لذلك إذا أردنا تحقيق قيمة مضافة للمؤسسة فإنّ أول خطوة لتحقيق ذلك العمل على زيادة الإيرادات، لكن السؤال هو: كيف لنا أن نحقق نموًا بالإيرادات؟ الإجابة تتمثل في اتباع ثلاث طرق وهي أول ما يتبادر إلى الذهن مباشرة. الطريق الأول يتضح من خلال تقديم منتجات أو خدمات جديدة، أمّا الطريق الثاني فهو زيادة حصة المؤسسة في السوق، وبجانب ما سبق ننتهج الطريق الثالث عبر زيادة جهود المؤسسة في البيع والتسويق.

لكن ماذا لو اتحدت هذه الاستراتيجيات الثلاث في خطوة واحدة؟ سيكون الحل لتطبيق ذلك، زيادة التكاليف بهدف تعزيز الإيرادات.

إلا أنّه في المقابل.. ماذا عن النفقات العامة؟ التوظيف كمثال، فهل التعاقد مع مرشح لوظيفة ما براتب أدنى سيساعد المؤسسة على جني عوائد إيجابيّة جيدة من هذا الموظف ذي الأجر المنخفض؟ أو بعبارة أخرى: هل دفع راتب ضئيل يساعد في تعيين موظف أفضل؟ الجواب هنا هو، أنّه أمر "يعتمد" على طبيعة تنفيذ ذلك الأمر.

هناك مثال آخر على ذلك، فهناك شركة أرادت أن تنفق أقل قدر ممكن من الرواتب على موظفي الحسابات، واستخدمت أرخص المحاسبين فوجدوهم غير أكفاء! وفي النهاية اضطرت الشركة إلى إنفاق المزيد من التكاليف على مراجعة وتحسين صورة القوائم المالية، بمبالغ فاقت ما تدفعه حاليا لاستكمال إجراءات المراجعة في نهاية العام.

إنّ المغزى من هذه القصة هو أنّه لا يمكن بناء منزل باستخدام مطرقة الهدم وحدها، ونتيجة لذلك، لا يمكن أن تنمو أرباح مؤسسة من خلال التركيز فقط على خفض التكاليف. وهنا يجب على المؤسسات والشركات أن تتبع المنهج الآتي قبل اتخاذ قرار تسريح عمالة أو تخفيض امتيازاتهم لتخفيض التكلفة.

أولا: يتعين دراسة عناصر الإيرادات ومصادرها ودرسة إمكانية زيادتها باستخدام نفس الموارد الحالية بعد اعادة تخصيصها أو استغلالها على النحو الأمثل، أو استحداث خدمات جديدة أو جلب عملاء جدد أو زيادة نطاق الخدمات التي تقدمها المؤسسة على مدى جغرافي أوسع، كما يجب أن يؤخذ في الحسبان أن هذا قد يزيد قليلا من تكلفة الاستثمار، لكن العائد سيكون أكبر من ذلك وهذا له جدوى افتصادية.

ثانيا: دراسة المواد والمشتريات التي تتكبدها المؤسسة في كل وحدة أو مركز، وترشيد تكلفة استخدام المواد وتداولها وحفظها والحصول على أفضل الأسعار عند شرائها والرقابة على الكميات التي يتم طلبها والرقابة على المخازن والمستودعات.

ثالثا: دراسة التكاليف الإضافية وترشيدها، ومن أمثلة ذلك تكاليف استخدام الطاقة الكهربية والوقود والمياه والهاتف والصيانة، فالمؤسسات تدفع مبالغ طائلة نتيجة استهلاك الكهرباء، لكن يمكن ترشيد ذلك عبر حزمة إجراءات من حيث تقليل استخدام المصابيح الضخمة والإضاءة في الأماكن المكشوفة وتحظى بضوء النهار، وكذلك تشغيل التكييف في أوقات لا تتطلب ذلك. علاوة على الإسراف في استخدام سيارات المؤسسة وعدم وجود رقابة على الاستخدام.

رابعا: دراسة عنصر تكلفة الأجور والامتيازات والوظائف والسلم الوظيفي والدرجات والاختصاصات الوظيفية؛ فمثلا لا يمكن للمؤسسة تسريح مراقب الجودة على المواد الغذائية وكذلك المراقب المالي لا سيما الخبير أو المدقق الداخلي المحترف لأنها وظائف فنية بامتياز. كما أن تكلفة الضرر الناجم عن تخفيض التكلفة هنا أكبر بكثير، لأنه يكلف المؤسسة تعرضها لمخالفات صحية أو نقص المصداقية في البيانات المالية التي تعرضها على الجهات التي تتعامل معها مثل البنوك، أو تترتب عليها أعباء ضريبية أكبر، والأفضل من ذلك إذعان الجهات الخاضعة للتدقيق في المؤسسة لتطبيق أعلى أداء لترشيد التكلفة.

خامسا: ينبغي دراسة الأعمال الإضافية التي يمكن أن تقوم بها كل إدارة وكل موظف لزيادة الإنتاج بتكلفة أقل.

تعليق عبر الفيس بوك