استعراض الجوانب المضيئة للتاريخ العماني في كتابات البريطانيين

مسقط – الرؤية

نظَّمت الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء بمقرها بمُرتفعات المطار ندوة تاريخية حملت عنوان "عُمان في المصادر البريطانية .. قراءات تاريخية". شارك فيها الباحث الدكتور محمد بن حمد الشعيلي والباحث ناصر بن سيف السعدي والباحث سيف بن عدي المسكري.

الندوة أدارها الكاتب والباحث يونس بن جميل النعماني وتناولت الكتابات البريطانية عن عُمان وتحليلها من خلال مجموعة من المسؤولين البريطانيين أمثال بادجر وروس ومايلز ولوريمر.

في بداية الندوة شرع الباحث يونس النعماني في تقديم السير الذاتية للباحثين واستعراض أهمية الندوة التي يراها تسجل حضورا مختلفا ونوعيا من حيث أوراق العمل التي تتناول التاريخ العماني من وجهة نظر البريطانيين.

بعدها قدم الباحث سيف المسكري ورقة عمل حملت عنوان "إضاءات حول أدوار القس بادجر، والعقيد روس في دراسة التاريخ العُماني" وذهب المسكري إلى إضاءة جوانب من أدوار القس جورج بيرسي بادجر (1815-1888م)، والعقيد إدوارد تشارلز روس(1913-1836) في دراسة التاريخ العُماني، حيث كان لهما دور السبق في التعريف بالمدونة التاريخية العمانية على المستوى الغربي، من خلال ترجمة الأول لكتاب الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين والذي أسماه تاريخ الأئمة والسادة في عُمان. والثاني لكتاب كشف الغمة للأزكوي والذي أسماه حوليات عُمان ( Annals of Oman 1874). إلى جانب كتابات وتقارير أخرى رصدت الواقع العُماني بمختلف تجلياته. مع ما عرف عنهما من أدوار على المستوى السياسي في خدمة المصالح البريطانية في المنطقة. وكذلك كشف الجوانب ذات البعد الاستشراقي العميق في أعمالهما. وشكل اللورد كاننج نائب الملك في الهند أثناء الخلاف بين أنجال السيد سعيد بن سلطان لجنة مكونة من العميد السير وليام كوكلان والقس بادجر. الأمر الذي استدعى إجراء مقابلات شخصية مع السيدين، وقد قام السيد ثويني بتقديم مخطوطة الفتح المبين لبادجر الذي عمل على ترجمتها.

في حين عمل العقيد روس وكيلاً سياسيًا في مسقط في الفترة من مايو 1871م إلى ديسمبر 1872 وتمثلت أعماله حول دراسة التاريخ العماني في جانبين مُهمين هما التقارير والترجمة، حيث أعد تقريرا مفصلا عن القبائل العمانية مع وضع خريطة لعُمان. كذلك اشتغاله على مخطوطة كشف الغمة حين ترجم قسما منها وجعله ضمن دراسة نشرها في مجلة الجمعية الآسيوية في كاليكوتا عام 1874م وأسماه حوليات عمان منذ العصور الأولى إلى 1728م. ومن خلال هذه الأعمال يمكن الكشف عن الكيفية التي نظر بها هؤلاء المستشرقون لتاريخ عُمان، وما قدموه من تصورات حول مجمل الواقع العماني، والتي تحتاج إلى التعاطي معها بمنطق النقاش العلمي الجاد والتمحيص الدقيق.

بعد ذلك قدَّم الكاتب ناصر بن سيف السعدي ورقة عمل حملت عنوان "القضايا المركزية والهامشية في رحلات مايلز " وأشار السعدي إلى أن من القضايا الرئيسية التي ركَّز عليها صمويل مايلز الذي كان وكيلا سياسيا في عُمان لثلاث فترات الأولى من عام 1872 وحتى 1877، في كل رحلاته تقريبًا إلى الحواضر العمانية، ثلاث قضايا، وهي الطبيعة الجيولوجية لعُمان ومستوى السطح، والمناخ، والممرات والمسالك والطرق البرية، مع التركيز بشكل مُكثف على الإمكانيات الاقتصادية، والزراعة، والمحاصيل الزراعية، ومدى وفرة المياه، في كل منطقة، وأنواع الصناعات إن توفرت، أما القضية الثانية من 1878 إلى 1879 التي كان محط اهتمام مايلز هي، المجتمع العماني، وبنيته القبلية، والأعراق، وكان يركز في كل منطقة يزورها على ذكر والإشارة إلى القبائل الفاعلة وعدد رجالها، وعدد المُقاتلين فيها، ومستوى التحصين. في حين يغفل ويهمل كثيراً الإشارة إلى القبائل الأخرى عدا إشارة عابرة.

بعد ذلك ألقى الباحث الدكتور محمد بن حمد الشعيلي ورقة عمل بعنوان "قراءة تاريخية لعمان في السجل التاريخي للخليج وعمان وأواسط الجزيرة العربية"، ففي بداية محاضرته ذهب الشعيلي إلى التعريف بـ(جوردن لوريمر) وهو موظف الحكومة البريطانية في الهند، ويعتبر من أهم الباحثين الأوروبيين الذين كتبوا عن تاريخ منطقة الخليج بصفة عامة وعمان بصفة خاصة من خلال كتابه دليل الخليج العربي وعُمان ووسط الجزيرة العربية، والذي يُعد من أهم المصنفات ومن أضخم المؤلفات التي تناولت تاريخ وجغرافية المنطقة وعُمان والذي احتفظ في البداية بطابع السرية حتى أفرج عن محتوياته عام 1965م.

وأشار الشعيلي إلى أنَّ الكتاب يتميز بموضوع تندر مراجعه، ويعرض حقائق ووقائع من صراع العرب مع القوى الخارجية ويتناول ماعرفته كيانات المنطقة من أحداث داخلية وتطورات، ويبرز صفحات مشرفة من الدور الحيوي والهام الذي ساهم العمانيون من خلاله في تشكيل تاريخ المنطقة وماحولها، امتداداً لدورهم التاريخي العريق في التأثير على مجريات الأمور بها. ويضيف الدكتور الشعيلي أنَّ عُمان قد حظيت بنصيب وافر من هذا الكتاب أو هذه الموسوعة التي تضمنت الكثير من المعلومات التاريخية والجغرافية الخاصة بعُمان ومناطقها المختلفة منذ دولة النباهنة وحتى عهد السلطان فيصل بن تركي، أي منذ عام 1600 وحتى 1906م.

وأكد الباحث محمد الشيلي أنَّ لوريمر اعتمد في إعداد هذه الموسوعة الهامة على الوثائق وأرشيفات الحكومة البريطانية والتقارير العسكرية الخاصة بحكومة بلاده في الهند، وكذلك بالطبع على الزيارات الميدانية وعلى مؤلفات من سبقوه سواء كانوا المهتمين بالجانب التاريخي أو المتخصصين في الأمور الجغرافية. وفيما يتعلق بتاريخ عمان المبكر فقد اعتمد لوريمر على مصادر عُمانية تمثل الأول ماترجمه روس عام 1874م من كتاب كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة لسرحان بن سعيد الأزكوي والثاني ما ترجمه بادجر عام 1871 من كتاب الفتح المبين لابن رزيق.

موضحاً في خلاصة قوله أنَّه على الرغم من أهمية هذا الكتاب بالنسبة للباحثين في تاريخ عُمان والمنطقة غير أنّه لا يخلو من الكثير من التحفظات والمعلومات التي بحاجة إلى الكثير من التمحيص والتدقيق وتأتي في مقدمتها أن الكتاب جاء في معظمه مشابهاً للوثائق والمصادر الأوروبية التي اهتمت بما يخدم مصالحها ويعمل على تنفيذ سياستها الخاصة بالسيطرة على المنطقة، وبالقدر الذي يُؤدي إلى فرض سيطرتها أو مقاومة أي تهديد لهذه السيطرة، وعمد الرحالة والكتاب الأوروبيون للاهتمام بالأمور التي تخدم أهدافهم وسياسات الدول التابعين لها.

وفي نهاية الندوة فُتح باب النقاش للجمهور الذين تفاعلوا مع أوراق العمل التي طرحت والقضايا التي تمت مناقشتها.

تعليق عبر الفيس بوك