علي بن مسعود المعشني
القطاع الخاص يُعرف باللغة الإنجليزية بمصطلح (Private sector)، وهو قطاع الأعمال المرتبط بالمؤسسات، والشركات التي يملكها أفراد بصفةٍ شخصيّةٍ، وغير مرتبطة بحكومة الدولة، أو أيّة مؤسسةٍ من مؤسساتها. من التعريفات الأخرى للقطاع الخاص: هو مجموعة المهن، والأعمال التي يعمل فيها فردٌ، أو مجموعةٌ من الأفراد وترتبط بالخبرات، والمهارات المكتسبة سواءً بالاعتماد على التدريب المهني، أو التعليم الأكاديمي، ويساهمُ القطاع الخاص بتوفيرِ الدخل للأفراد، من خلال وجود مجموعةٍ مِن فرص العمل ضمن المُنشآت الخاصة.
يتميّز القطاع الخاص بمجموعةٍ من الخصائص، وهي: يُعد الطرف الثاني في التأثير على القطاع الاقتصادي في كل دولة بعد القطاع العام، ويشكل عنصراً من عناصر التوازن في الاقتصاد المحلي، والعالمي. يعتبر من المؤثرات المباشرة على القوى العاملة؛ إذ إنّ أيّة منشأة قطاع خاص تحتاج إلى نسبة محددة من العُمّال، والموظفين الذين يمتلكون القدرة الكافية على القيام بالوظائف التي تساهم في تحقيق الهدف الرئيسي من وجود المنشأة. توفير رواتب، وبدائل للدخل بنسب مرتفعة، ومناسبة للموظفين في مختلف مجالات العمل. وضع استراتيجيّات محددة لاتخاذ القرارات، وبعيدة عن أيّة إجراءات روتينيّة، وتؤدي إلى الحد من الوصول إلى أي قرارٍ مناسبٍ في بيئة العمل. تبنّي العديد من أفكار المشاريع المستحدثة، أو إعادة تصميم وتنفيذ المشاريع القائمة ممّا يُساهم في نُهوض، وتطور سوق العمل وزيادة كفاءته في تحقيق العديد من النتائج الاقتصاديّة المفيدة.
تُقسم مجالات العمل في القطاع الخاص إلى القسمين التاليين: العمل الفردي هو مجموعة الأعمال التي يقوم بها الأفراد بشكل فردي، ودون الاستعانة بأشخاص غيرهم، ويعد هذا المجال من أقدم مجالات العمل الخاصّة؛ إذ سعى الإنسان منذ قديم الزمن إلى البحث عن عمل خاص به، ويكون مصدرا لدخله، لذلك عمل الأفراد في العديد من المهن الإنتاجية، والصناعية، والحرفية، والتجارية التي ساهمت في بناء القطاع الاقتصادي، وأيضا ساهمت في تغيير المجتمع بشكل ملحوظ فعُرفت العديد من العائلات بأسماء المهن التي عملوا فيها، مثل: النجار، والحداد، والخياط، والحلاق، والعطار، وغيرها. العمل الجماعي هو من أكثر مجالات العمل الخاص انتشاراً؛ إذ يعتمد على وجود أكثر من فرد مسؤول عن المُنشأة، ورأس المال الخاص بها، كما أنه يحتوي على أكثر من موظف للقيام بالأعمال، والتي تتوزع على أقسام، ووحدات متخصصة، ويعد هذا المجال من المجالات التي تواكب التطورات الإنتاجيّة، والصناعيّة، والتجاريّة، والخدمية الحديثة. مع تطور الأفكار والمشروعات الاقتصاديّة منذ منتصف القرن العشرين الميلادي، وحتى هذا الوقت أدى ذلك إلى الاعتماد على تعزيز دور الشركات الخاصّة والتي أصبحت من أهم عناصر القطاع الخاص، فساهمت في تقديم العديد مِن المنتجات، والخدمات، والصناعات المفيدة للأفراد، ومن الأمثلة على شركات القطاع الخاص: البنوك، وشركات الاتصالات، والمؤسسات المتخصصة بالتأمين، وشركات صناعة الهواتف الخلوية، وغيرها. (موقع موضوع)
من واقع التأصيل أعلاه لمعنى ودور ومفهوم القطاع الخاص يمكننا الوقوف على حقيقة هذا القطاع ودوره وأهميّته لأي دولة ومجتمع. ونحن في السلطنة يمكننا القول بأنّ القطاع الخاص لدينا تشكل في حقيقته ومظهره مع بزوغ فجر النهضة المباركة، حيث لم يكن هناك سوى شتات لجهود فردية يملكون أنشطة تجارية محدودة في الشكل والمضمون. لهذا كان لزامًا على الحكومة أن تسعى جاهدة لخلق هذا القطاع وعصرنته والأخذ بيده عبر كل مرحلة من مراحل عمر وأطوار الدولة كأي قطاع تنموي هام يعول عليه ويرجى منه الكثير للفرد والمجتمع والدولة وهذا ديدن كل حكومة تنهج نظرية السوق الحرة في العالم.
الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها هي أنّ القطاع الخاص في السلطنة عجز عن النمو والتطور بمعزل عن رعاية الحكومة ودعمها الدائم منذ نشأته ولغاية اليوم. والسبب الرئيس في تقديري يكمن في أن هذا القطاع نشأ كوجه آخر للقطاع العام في السلطنة بحذره وبيروقراطيّته وانسداد آفاق روح المبادرة والمغامرة لديه.
يضاف على ذلك أن أغلب الرساميل في القطاع الخاص اليوم هي بأيدي أثرياء وتحت تصرفهم وليسوا تجارا، والأثرياء بطبيعة الحال لا عهد لهم بقيم التجارة وثقافتها، ولا بالمسؤولية الاجتماعية المنوطة بالتاجر، ولا يمتلكون روح المغامرة والمبادرة واللتين تشكلان أضلاعا صلبة وأركانا راسخة لأي نشاط تجاري طموح.
وفوق هذا لا تهدف عقلية الثري إلى جباية المال وادخاره كهدف وسعي أساس لها فحسب، بل تنحصر جل جهودها في مظاهر الاقتصاد الطفيلي المنزوع من أي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني أو الأفراد ومؤسساتهم بأنواعها الصغيرة والمتوسطة.
حيث لا أثر ولا وجود حقيقي اليوم لثقافة الثراء في قطاعات إنتاجية كالصناعة أو الزراعة أو القطاع الخدمي والتسويقي الذي ينشط عجلة الاقتصاد والأنشطة الصغيرة والمتوسطة والمهن التقليدية ويحفزها ويشكل لها طوق ربح وأمان.
هذا التوصيف لقطاعنا الخاص لابد أن يجيب لنا عن جملة من التساؤلات في أذهاننا عن أسباب تفوق الأسواق المجاورة لنا على سوقنا في كل شيء، من أسعار وتنافسية عالية وتعدد خيارات وذائقة وجودة خدمات وابتكار، وبالنتيجة استقطابها لملايين العٌمانيين وملايين مدخراتهم سنويًا كان من الأولى والمرجو حقنها في شرايين اقتصادنا الوطني لو كنا نملك قطاعًا خاصًا حقيقيًا.
لا غرابة اليوم في ألا نجد قطاعًا خاصًا نستنهضه في أزمتنا الحالية ليرفد جهود الحكومة في التوظيف والتخفيف عن كاهلها، أو عبر تبني المبادرات التجارية ذات القيمة المضافة اقتصاديًا واجتماعيًا كخدمات التسويق أو الصناعات التي تقوم على خامات محلية (زراعة، أسماك، ثروة حيوانية) لتشجيع قطاعات الإنتاج المختلفة وضمان انتفاع واستقرار الشرائح الاجتماعية التي تعمل في هكذا أنشطة وإدخال العصرنة والجودة والارتقاء بها بالتدريج، وتحفيز الأجيال على العمل الحر والتعاقب على تلك المهن والأعمال وفق مقتضيات الزمان والمكان عبر خلق الأمان الوظيفي والمالي لها. خاصة وأنّ الشرائح الثلاث تلك تعد من أكبر مكوّنات مجتمعنا العماني ومنذ زمن بعيد.
فلو قامت شركة خاصة بالاستثمار في قطاع الدواجن "كمثال" عبر شراء المنتج منها من المواطنين وإعادة بيعه في السوق المحلية والخارجية، أو عبر إنشاء مسالخ كبيرة للدواجن في عدد من المحافظات ليتسبب هذا في نمو هذا القطاع بصورة خيالية، وحقق قيمة مضافة عالية في التوظيف وبسط ثقافة العمل الحر وتنشيط أدوات التمويل بكل أمان وارتياح. ويمكن لهذه الشركة الإشراف على المشروعات التي تشكل مصادر تشغيل لها وتطبيق الاشتراطات الفنيّة والصحية عليها لضمان الجودة والقدرة التنافسية. وقياسًا على هذا يمكننا طرق أوجه استثمارية أخرى في القطاعين الزراعي والسمكي كذلك عبر التسويق والتصنيع معًا.
قطاعنا الخاص لازال بحاجة إلى جرعات كبيرة من العقول والسياسات والموارد والتشريعات ليواكب العصر والطموح ويخضع لمقاييس التجارة الحقيقية وثقافتها، وليخرج من عباءة الحكومة ويتخلص من ثقافة الثراء والجباية، ويقوم بدوره الحقيقي والمأمول. كما يجب أن نعترف في المقابل بأنّ الحكومة بقوانينها وتشريعاتها وإجراءاتها حجمت القطاع الخاص كثيرًا وقتلت روح المبادرة والخلق فيه، وساهمت عبر دلال المستثمر الأجنبي وأفضليته على تهميش أنشطة مهمة للقطاع الخاص وتشتيت جهود بعض المتفردين فيه. والنتيجة الماثلة أمام أعيننا اليوم هي إفلاس تدريجي منظم لعدد من الشركات أو إغلاق أنشطة فيها بصور نهائية لركود السوق ومماطلة الحكومة وتأخرها في سداد مستحقات عليها، وضبابية قانون العمل، وطول الإجراءات الحكومية وتعقيدات اشتراطاتها للمستثمر العماني؛ وبالنتيجة تفوق رأس المال الأجنبي وحظوته، وتحويل المليارات من الريالات العمانية سنويًا إلى الخارج.
الأمر من الخطورة بمكان بحيث يتطلب في تقديري عقد ندوة موسعة وعاجلة بين الحكومة والقطاع للأخذ وتنفيذ توصيات ورؤى القطاع الخاص دون تأخير أو تردد لتنشيط القطاع ومن خلاله الاقتصاد الوطني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وقبل أن نجد أنفسنا بلا قطاع خاص عماني في غضون سنوات محدودة، وحتى لا يحل الوافد محله ويجبي المدخرات ويسيطر على القرار ويوجه السياسات.
قبل اللقاء: "ليس عيبًا أن نولد فقراء، بل العيب أن نموت فقراء" (بيل جيتس)
وبالشكر تدوم النعم