التفكير التشاركي والمسؤول الحكومي

 

 

خلفان الطوقي

البعضُ من المسؤولين الحكوميين ما زالوا يعيشون وكأنهم خارج المنظومة العصرية، لا يَعِي ما هو الحاصل في مُحيطه الضيق من أحداث، فكيف له أن يعي بالمحيط العالمي من مُتغيرات عصرية تحدث في كل لحظة؛ فبعضهم لا يعي أننا جزء صغير من منظومة عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، جزء يتأثر بأي مُتغيِّر عالمي سلبا أو إيجابيا، وعليه أن يكون مَرِناً واستباقيًّا في فكره وفعله وجهده، وقراراته وسياساته؛ ليظل جزءا من منظومة العولمة العالمية، وإلا سيكون خارج المنظومة ويُترك وحيدا خارج الحسبة، ويبقى ملوما محسورا، ضارا لنفسه ولفريق عمله والمحيط الذي من المفترض أن يخدمه، بل ومعيقا لأي تقدُّم مأمول.

وللأمانة والإنصاف، هناك أمثلة من المسؤولين هم أمثلة مُنتِجة ومؤهلة وعصرية واستباقية في تفكيرها، وتطبيقها للسياسات الهادفة المسهلة، ولكن البعض الذي سيسلط عليه الضوء بتصرفاتهم الفردية المعيقة يشوهون الفئة الأخرى؛ لذلك فإنَّ هذه الفئة تكون فئة ظاهرة وجاذبة للأنظار والأقاويل السلبية، وتجد المجتمع يتداول ويكرِّر زلاتهم المكرَّرة؛ مما يُؤثِّر سلبا على الصورة الذهنية المرسومة عن المسؤول الحكومي.

فمن وجهة نظري الشخصية، ولكي يصبح المسؤول الحكومي مسؤولاً عصريًّا استباقيًّا وقاريئا جيدا للحاضر والمستقبل، أرى أنَّ يتم التركيز على ثلاثة محاور مهمة وتفعيلها؛ وهي: فتح أروقة الجهات الحكومية للوسائل الإعلامية، والتواصل الدوري مع المؤسسات الأكاديمية والجمعيات المدنية لأخذ المشورة والنصح، والبحث المستمر عن الأفراد المستقلين الغيورين، والذين لا يَسْعَون للمصلحة الخاصة، ولديهم مصداقية وخبرات تراكمية في مجال معين، والذين يسعون ليروا عُمان أفضل من خلال تلك الجهات، وهم كُثر وموجودون بقليل من الجهد والبحث والتقصِّي.

التفكيرُ التشاركيُّ مع أطراف العلاقة فوائده كثيرة ليست للدولة فقط، وإنما فائدته عظيمة للمسؤول الحكومي ذاته في المقام الأول. وعليه أنْ لا يُقلقه شيء من تطبيق مبدأ الشفافية، وفتح فكره وقلبه وبابه إذا كان مُخلِصا وأمينا وساعيا للمصلحة العامة في كل ما يقوم به، ويُمكنه أن يستفيد ويفيد بسبب إشراك أناس وجهات غير موظفيه لابتكار الحلول؛ ذلك لأنهم ليسوا مُنهمكين في الأعمال اليومية الروتينية الرتيبة، ولأنهم ينظرون من زوايا متنوعة غير اعتيادية.

التفكيرُ التشاركيُّ ليس سهلا على البعض، وتطبيقه لا ينبع من السماء، ولا يكون بين ليلة وضحاها، بل يتطلب جهدا ميدانيا مضاعفا وتضحيات شخصية من هذا المسؤول كالتنازل عن الأنا العليا (الإيجو) التي تصور له أنه "الفهِّيم" في كل واردة وشاردة، وأنه تدرج لهذه الوظيفة ليصل لهذا المنصب، وأن هذه الوظيفة هي استحقاق بكل جدارة بسبب المؤهل والخبرة والمكانة الاجتماعية...وغيرها من الأوهام النفسية التي يتداولها بينه وبين نفسه وبين المحيط الذي يشجعه على خلق هذه الهالة التي تزيد ضخامة "الإيجو" يوما بعد يوم؛ مما تزيد الفجوة بين هذا المسؤول التقليدي ليعي ما يتطلبه الواقع من تضحيات ومرونة وتغيرات جذرية إلزامية، وبما يتناسب مع السرعة الهائلة للمتغيرات والتعقيدات اليومية للحاضر والمستقبل.

التفكيرُ التشاركيُّ في هذا العصر أصبح لِزَاما وليس خيارا أو ترفا لكل مسؤول حكومي إن أراد التطور والاستمرار في العطاء والمحافظة على كرسي الوظيفة، ولأنَّ الزمن تغيَّر وظروفه تغيَّرت؛ لذلك فلابد أن تتغيَّر العقليات، وليصبح معيار المنصب والاستمرارية فيه هو العطاء والإنتاجية ومعايير الاداء والتفكير الاستباقي الذي يَضْمَن ديمومة مسيرة التنمية لصالح الدولة والأفراد القاطنين فيها من مواطنين ووافدين وزائرين.