حمد بن سالم العلوي
إنَّ قِمة الجرأة على العرب، أن يُقرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إقامة زربين في بلاد العرب، تحت مُسمى مناطق آمنة في الشام واليمن، وهو أمان شكلي وليس حقيقي بطبيعة الحَال، لأنَّه قد يأمن من قصف طائرات العرب الحربية، لأنَّهم مطيعون لأصحاب القرار، ولكن لا بأس من قصف طائرات بدون طيار التَّابعة للأمريكان، بحُجة ظفرهم بـ"قاعدي" مُندس بين النساء والأطفال، وهي لن تكون آمنة بالطبع من الجوع والخوف، والبرد والحر والأمراض، ذلك كما جرى الحال في مناطق نزوح مُتفرقة على أرض العرب الأيتام، الجالسين على موائد الآلام، وبشروط قوية على من سيقبلون دخول تلك الزروب اللئيمة والأليمة، المُزمع إنشاؤها بناءً على التعليمات الترامبية الواجبة التنفيذ على الأرض العربية، وبشرط أن يكتفوا بالأكل والشرب، والنوم على أية حال من الذل والهوان، أو النزوح باتجاه البحر ليقضي البعض غرقاً، ومن ينجو يذهب للعمل ببطاقة لا جئ بنصف الأجر.
لقد عاصرنا تلاعبات الغرب ببلداننا العربية، وذلك خلال خمسين سنة عجاف مضت، وعرفنا حيلُهم وألاعيبهم القذرة، وهذا ما عايشناه مريراً في حاضرنا القريب، أما ما حكته الكُتب والروايات المُتناقلة، فذلك شأن آخر، وإن كان أمرا لصيقا بنا، ومتداخلاً في تاريخنا المأسوف عليه، ومن الحوادث التي عشناها واقعاً جلياً، حرب إيران والعراق، فقد استمرت ثماني سنوات قاسية على المُسلمين، فكلما أتى ظرف لوقفها، أتى الغرب بوسائله لتأجيجها، وكلما زادت الغلبة في جهة، سارع الغرب لمد الطرف الآخر بالسلاح، والمعلومات حتى يُذكي اشتعالها، فلا يضعف طرف ويقبل بوقف الحرب، وذلك حتى رجحت كفة العقل والعقلانية في الجانب الإيراني، فوافقوا على وقف إطلاق النَّار، والفرس دائمًا أصحاب حِكمة وتعقُّل، أما العرب فيتسمون بالغرور والتَّهور، ويسمون ذلك إقداماً ونخوة وشجاعة، وما سمعوا للمتنبي قولاً، حين قال: "الرأي الرأي قبل شجاعة الشجعان"، وربما يسعنا العذر اليوم في ذلك، بفقدنا للشجاعة الوطنية.
إذن، فقد توقفت الحرب بين البلدين، وأتت السلطنة وبعض بلاد العرب، وكانت في حدود بلدة أو بلدتين، لتسعى إلى عقد الصلح بين إيران والعراق، وكانت عُمان الأكثر ترجيحاً لدعوة الطرفين إلى مسقط، لعقد مؤتمر الصلح بين البلدين المُتحاربين، ولكن المُخطط الذي أعده الغرب، كان أكبر وأدهى عمّا هو ظاهر للعيان، فكان ذلك في بداياته الأولى، ذلك ما اتَّضح لاحقاً للبعض منِّا، أما البعض الآخر فلم يتضح له شيء إلى اليوم، أو لا يُريد أن يتضح له شيء إلى ما بعد الغد، فاستمر الأمريكان في المُخطط المُعد سلفاً، فقاموا بالتحريض - وبأسلوبهم الشيطاني - لصدام حسين على غزو الكويت، فوقعت الطامة الثانية التي استغرقت مراحلها 12 عاماً، حتى أنجزت مرحلتها الأولى بالقبض على صدام وإعدامه، وقام "بريمر" حاكم العراق المُستعمر، بإلغاء دولة العراق من على خريطة العالم، وحوله إلى بلد فاشل يتقاتل أهله فيما بينهم، وهدف ذلك تقسيم العراق إلى شرذمات صغيرة.
هذا مثالٌ مُصغَّر لما يدور، أو سيظل يدور في العالم العربي، فتدمير سوريا واليمن وليبيا مُستمر، أما مصر والجزائر وتونس والسعودية والأردن، وربما لبنان أيضاً، واقعة بالفعل تحت المنظار الغربي، لتدميرها وتقسيمها، أو حتى احتلالها من جديد، كل ذلك ليس لأجل إسرائيل كما نتصور بسذاجة منِّا، وإنما إسرائيل هي رأس حربة للغرب، ويُمكن الاستغناء عن خدماتها بعد اكتمال المُهمة، فالغرب يدفع باليهود بعيداً عنه، لأنهم لا يُريدون حرقهم مثلما فعل هتلر، وإنما دفعوا بالمهمة لغيرهم لتذويبهم وإنقاص عددهم، وهذا شيء معلوم وواضح لمن يُريد أن يعلم شيئاً عن أساليب الغرب، إنَّ الغرب الذي أنهى بالعلم والمعرفة الغزوات الصليبية المُباشرة، وأصبح يُدير العالم بيد ومال الآخرين، إنما هو ذكاء حقيقي، عندما تستغل غفلة وغباء الخصم ضد نفسه.
لكن نقف - نحن العرب - أمام قمة القمم، وذلك في السذاجة والغباء لدرجة الخيانة العظمى، ولأننا قد أصبحنا نتبنى مُخططات الغرب نيابة عنه، فعلى سبيل المثال كانت إسرائيل ألدّ أعداء العرب والمُسلمين، ورغم أنَّ إسرائيل لم تتخل عن القُدس الشريف، بل أعلنت أنَّه ملك يهودي، وأن القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل، وقد منعت الآذان فيه، وهذا إعلان مع الفعل المطبق على الأرض، وليس كما يعلن الفلسطينيون بكلام من غير فعل، وإسرائيل تزيد في غطرستها ضد الفلسطينيين، ومُستمرة في التنكيل بهم، وتعدمهم بالمزاج على الطُرقات، ومُقابل ذلك يُعلن العرب المهيمنون على الجامعة العربية، أن إسرائيل حليف إستراتيجي (حبيب) وإيران وسوريا واليمن وحزب الله أعداء وجوديين.
أمرٌ عجيب هذا الذي قد سمعنا، كيف تجرأ بعض العرب على إعلان العداء على من أعلن عداءه لإسرائيل، وإسرائيل تعترف بهذه العداوة ضدها، ولم نسمع من تلك الدول المصنفة عدوة وإرهابية، أنها أعلنت العداوة على العرب، فهل أصبح بعض العرب الناطق الرسمي باسم إسرائيل والغرب، أم أن هناك انقلابا خطيرا في المفاهيم!!.
نعم، هذه قمة الغباء أو الاستغباء من العرب للعرب، أن ينشروا الشر والخراب في بلاد العرب لصالح الغرب، وأن يدفعوا المال الرهيب، والدم الغزير في كل ذلك التدمير والتخريب، فلو دُفع ثلث ما دُفع لفعل الخير، لوجدت الشام واليمن في أحسن حال، ولوجدتم الناس يدعون لهم كل صباح شكراً على النعم، ولا يدعون عليهم صباح مساء بالشر وزوال النعم عنهم، وهم يعلمون أو يجهلون لا فرق، إن الغرب دمر ومستمر في تدمير بلاد العرب، فقط لأنهم مسلمين حتى ولو لم يفعلوا شيئاً لإقامة شرائع الإسلام، ولأنهم يجلسون على كمٍ كبير من براميل النفط والغاز وهذا الأهم .. ترى متى يستفيق العرب من غفلتهم المزمنة، أم أن إيمانهم بأنّ الحب قاتل، وأن الغرب يقتلنا لأنّه يحبنا، فلذلك لا بأس أن يفعل، وقد يكون هذا التدمير والقتل في بلاد العرب، هو دليل محبة من داعش وأخواتها، وحتى أمهاتها ورعاتها، بدليل أن يدهم لم تمتد إلى إسرائيل بسوء، ففي ذلك دلالة على بغضهم الشديد لها.
إن تفرعن ترامب على الإسلام والعرب، ليس مدعاة للعرب للتسابق للحصول على تاج فرعون الشاغر، مع ظني أن البعض قد توج نفسه به على رأسه الفارغ من زمن بعيد، فنقول كفاكم سفكاً لدماء بعضكم البعض، فلا تتسابقوا في تنفيذ قرارات فرعون أمريكا الجديد، فهو صادق عندما يقول أمريكا أولاً، وإن اهتمامه بإسرائيل لأنها تمثل قاعدتهم المُتقدمة في المنطقة، وإن إنشاء المناطق الآمنة، ليس إلا أن لديه مشروع طويل الأمد في المنطقة، وهو يعلم يقيناً أنه لا يستطيع محاربة إيران مباشرة، ولكنه سيحاول إنهاكها اقتصادياً من خلال العرب، والشيء ذاته موجه إلى العرب، وإيران لديها قوة صاروخية ضاربة، لن تدمر بها أمريكا بالطبع، ولكن ستُلحق بها وبالعالم الأذى الكبير، فلا نكون نحن العرب الخاسر الأكبر دوماً، ونحن نعلم أن روسيا والصين وكوريا الشمالية، وربما الهند كذلك، سيقفون مع إيران ليس لمُناصرة إسلامها أو تشيعها، فهذه تفاهات لا ينظرون إليها، كما ننظر نحن للأمور بسذاجة مُفرطة، وإنما ينظرون إلى المواقف الإستراتيجية التي ستُلحق الأذى بأمريكا والغرب.