صُحار.. درة الأبصار

 

 

خالد الخوالدي

أجدُنِي مُضطرا أيُّها القارئ العزيز أن أظلَّ في أكناف صحار، وبين أروقتها للأسبوع الثاني على التوالي، فكما يُقال لأجل عَيْن تُكرَم ألف عين، وصحار لأجلها تكرم كل العيون، ومواصلتي للحديث عن صحار ترجع للتفاعل الكبير الذي وجدته بعد مقالي الأسبوع الماضي؛ فهناك من قال مازحاً: "لو كنت مدير الأراضي بصحار لأمرت بمنحك أرضا"، وهناك من قال: "إن صحار تستحق أكثر، فبلدة كَسَت رسول الله من حلتها، حقيق بأنَّ تُرفع فوق الرؤوس"...وغيرها من الردود والتعليقات، التي لا يتَّسع المجال لذكرها في هذا المقال.

وأكثر ما شدَّني للكتابة هذا الأسبوع عن صُحار، الاتصال الهاتفي الذي وَرَدَني من المؤرِّخ عبدالكريم بن عبدالله البلوشي صاحب كتاب "الأحقاف درة الأوصاف"، والذي تبع الاتصال بزيارة سريعة وخاطفة إلى مقر عملي لإهدائي كتابه الذي أرَّخ فيه لاستقرار سيدنا نوح -عليه السلام- بالأحقاف بعد الطوفان، واصفا إياها بأنها محمية أبناء نوح عليه السلام، والأحقاف حسب كلامه امتداد من حضرموت في اليمن إلى محوت في السلطنة، وقد قدم شرحا مفصلا عن أولاد سيدنا نوح -عليه السلام- وصولا إلى صُحار ابن ارم بن سام بن نوح عليه السلام، والذي يؤكد المؤرخ أن اسم مدينة صحار تنسب له.

ولأنَّني في الأصل لم أرغب في الكتابة التاريخية عن صُحار في مقالي السابق؛ لأنَّني لا أطيق لذلك سبيلا؛ فصُحار لا تكفيها المقالات ولا تحتويها الكتب، ولا تجمع تاريخها المجلدات، والتاريخ وسبر أغواره يحتاج إلى درب طويل، وممارسة في كشف الحقائق وأغوار التفاصيل، ولا يجيد ذلك إلا المتابعون للتاريخ والدارسين له والمحققين تحقيقا دقيقا لتفاصيله؛ ففي كثير من الأحيان التاريخ يكتبه الأقوياء والحاكمون على مجرى الأحداث؛ مما يجعل بعض المعلومات التاريخية مزوَّرة ومغلوطة وتهضم حق المخالفين، وقد بذل المؤرخ عبدالكريم -جزاه الله خيرًا- الكثير في وضع النقاط على الحروف واستنباط التاريخ من خلال اطلاعه على المراجع والمصادر التاريخية بكل مشاربها ليستخلص في كتابه "الأحقاف درة الأوصاف" أهم الإحداث وعلاقتها بعُمان كافة، وصحار خاصة.

وأعجبني عندما قال في مقدمة كتابه: "بهذه الخطوة نكون قد دعونا دعوة فعلية كافة المؤسسات العلمية والباحثين والدارسين في ربوع الجزيرة العربية، وخاصة العمانيين منهم، إلى إعادة النظر في هذا التراث التاريخي الثري، ونفض الغبار عنه حتى نعيد لهذه الأرض الطيبة مجدها واعتبارها بإذن الله تعالى". وهي دعوة صادقة من قلب مُحب للوطن وتاريخه الضارب بجذوره في أعماق التاريخ، ودعوة مُخلصة لاستقصاء كل الإحداث التاريخية بالدراسة والتمحيص والتدقيق والمراجعة؛ فالأجيال القادمة لن تترحَّم عليكم إذا لم توثقوا لها تاريخ وطنها، ولا تقولوا ما لنا والتاريخ، وأنه "لا يوكل عيش"؛ فالأمم تعيش وتستمر بتاريخها وأمجادها، ولولا الأهمية الماسة للتاريخ لما رأينا دولًا تسعى جاهدة لأن يُكتب لها تاريخ بمالها، وتستقطب الكتاب والباحثين والدارسين والمحللين لاستنباط أي شيء تاريخي يمكن أن يسجِّلوه باسمها.

والدعوة مني خاصة لكل المخلصين من أبناء الوطن الغالي في سبر تاريخ كل مدينة وولاية من مدن وولايات السلطنة وتسجيل الأحداث التاريخية بها، والتي لم تدوَّن بعد وجمعها في مجلد واحد حتى يخلد التاريخ اسم من قام بهذا العمل، فكما يقول الشاعر:

الخط يبقى زماناً بعد كاتبه...

وكاتب الخط تحت الأرض مدفونا

والذكر يبقى زمانا بعد صانعه...

وخالد الذكر بالإحسان مقرونا

وفي الأخير، أشكر كلَّ من يتواصل معي، ويعلِّق وينصح ويُرشد ويصحِّح مقالاتي، وأشكر المؤرِّخ الكبير عبدالكريم البلوشي على تواضعه الجم، وأدعو الله أن يمنحه الصحة والعافية والعمر المديد، ويبارك في عمره، ليتحفنا بكتاب جديد يسميه "صحار درة الأبصار".. ودمتم ودامت عُمان بخير.

Khalid1330@hotmail.com