قصّة تحدٍ عنوانها فاطمة الزهراء

 

د. سليمان المحذوري

صدقاً لم أكن أعلم عن قصة البطلة العُمانية خارج حدود الوطن وتحديداً في المملكة المتحدة حتى قادني القدر لأستمع إلى حوار شائق ومُؤثر مليء بالحزن والفخر في آن واحد مع والد فاطمة الزهراء د. خالد المحرمي عبر أثير قناة الوصال يوم الخميس الفائت 2 مارس؛ ليحكي لنا قصة تحدٍ قلّما نجد لها نظيراً ومثيلاً في مجتمعنا، ويروي لنا رواية إصرار وعزيمة على تحقيق المستحيل. فضولي دفعني للبحث والتحري عن قصة فاطمة الزهراء؛ لأكتشف خبايا وأسرار في تفنيد نظرية "اللاممكن"، ودروس وعبر في قوة الإرادة والتحدي دونتها لنا فاطمة في سجلّ يستحق أن يكون رفيق درب لمن يبحث عن تحقيق ما لا يُمكن تحقيقه، وقهر المستحيل.

ولمن لا يعرف فاطمة بطلة مقالنا هذا؛ فهي فتاة عُمانية ولدت في بريطانيا عام 1995م أثناء إكمال والدها لدراسته العليا، وبسبب مرض وراثي فقدت بصرها منذ نعومة أظافرها عندما كان عمرها في حدود السنتين. ورغم إعاقتها إلا أنّها كانت موهوبة؛ فهي شاعرة، ورسّامة، وتجيد المشغولات اليدوية. هذه المواهب مكّنتها من الحصول على جوائز عديدة تكريماً لها؛ منها المركز الأول على مستوى مقاطعة ويلز البريطانية في الرسم والفنون الجميلة، كما حصلت على درجة الامتياز مع مرتبة الشرف في التحصيل العلمي. وكتبت الشعر باللغة الإنجليزية وهي في سن صغيرة، إذ ضُمّنت إحدى قصائدها ديوان الشعراء الصغار في بريطانيا، كما ألقت قصائد في حب عُمان أثناء احتفالات الطلبة المبتعثين بالعيد الوطني في بريطانيا.

وعندما عاد والدها إلى السلطنة بعد إنهاء الدكتوراه تفاجأ بعدم وجود مكان مُناسب لدراسة فاطمة؛ مما اضطره إلى العودة مجدداً إلى دار الغربة، والبقاء بشكل مُستمر في بريطانيا مع بقية أفراد أسرته من أجل فاطمة ومتابعة دراستها وعلاجها معاً. وكانت فاطمة عند مستوى المسؤولية ولم تخيّب ظنّ والديها فقد شقّت طريقها بنجاح، وبعد أن أنهت الثانوية التحقت بكليّة التربية من أجل تحيق حلم ورسالة حياتها في أن تصبح معلمة لأقرانها الذين فقدوا نعمة البصر. يقول والدها "لم نكن نحس أنّ فاطمة كانت عبئا علينا كأسرة؛ بل العكس صحيح كانت فتاة طبيعية ذات إرادة قوية ومنها كنا نستلهم الإصرار والمثابرة والعزيمة والتمسّك بالهدف مهما كانت الظروف". تجدر الإشارة إلى أنّ الدها تمّ تكريمه كأول طالب عُماني من قبل الأمير تشارلز ولي عهد المملكة المتحدة للتفوق العلمي، وأثناء وجوده في بريطانيا عمل لفترة زمنية بالملحقية الثقافية العُمانية في لندن، كما استثمر فتره اقامته الطويلة في افتتاح أول مطعم خليجي في كارديف ببريطانيا لتقديم المأكولات الخليجية والعُمانية بشكل خاص؛ للتعريف بجانب من الموروثات الثقافية والحضارية التي تميز عُمان.

وبعد رحلة طويلة لخالد المحرمي وأفراد أسرته في بلد الغربة والتي امتدت لعقدين من الزمان يبدو أنّ قرار عودته إلى عُمان بات قاب قوسين أو أدنى خاصةً بعد أن انتفى سبب بقائه هناك؛ إذ رحلت فاطمة إلى الدار الآخرة في فبراير من هذا العام عن عمر 22 عاماً دون أن يمهلها القدر لتحيق حلمها، وحلم أسرتها؛ بل حلم أقرانها جميعاً ممن كانوا يحلمون بعودتها لتأخذ بأيديهم إلى عالم أرحب وأوسع لغد أفضل.

وقصة فاطمة الزهراء ما هي إلا قصة واحدة من مئات القصص إن لم تكن آلاف الحكايات التي لم ترو بعد، وما زالت تنتظر من يقلب صفحاتها، ويبحث عن أبطال جدد فقدوا إحدى حواسهم إلا أنّهم بالتأكيد لم يفقدوا إرادتهم ورغبتهم في أن يصبح لهم شأن يُذكر في وطنهم كحال الأصحاء تماماً؛ إن وجدوا من ينصت إلى آمالهم وآلامهم، وإن وجدوا كذلك من يؤمن بقضيتهم فيساندهم ويؤازرهم لتذليل الصعاب والتحديات التي تعترض طريقهم نحو تحقيق تطلعاتهم المستقبلية.

اختم المقال بمقتطفات من قصيدة شعرية في رثاء فاطمة الزهراء للدكتور صالح الفهدي؛ حيث يقول:   

تبقينَ شمساً لطيرِ اليُمْنِ ترتسمُ

قد جئتِ حاملةً ثوبَ الرَّبيعِ فما

رحلتِ إلاّ وأزهارُ الحياةِ فَمُ

فأينَ منكَ ذوو يأسٍ وقد جَهُمَتْ

قلوبُهُمْ بقنوطِ العيشِ تحتدمُ

وأنتِ مطفأةَ العينينِ، مبصرةٌ

بعينِ قلبِكَ، مــا الأنوارُ لو علموا..!

جميلةُ القلبِ رغمَ السُّقْمِ مفعمةٌ

بالأمنياتِ، وبعضُ الخلقِ قد حُرموا

لا يُسمعونَ سوى الشكوى وحولهُمُ

طوبى لفاطمة الزهراءِ منزِلها

دارُ الخلودِ فأنعمْ ذلكَ الكَرَمُ

طوبى فمثلـكِ يبقى فضلهُ أبداً

ريّانَ غصنٍ تُساقي عودهُ الدِّيمُ

abualazher@gmail.com