عُرس الكتاب العماني.. والتنافسيّة الثقافية

 

 

 

 

حمود الطوقي

 

عشرة أيام بثوانيها ودقائقها وساعاتها وأيامها هي المساحة المُتحركة لمعرض مسقط الدولي للكتاب.. عشرة أيام تعتبر من أجمل أيام عمان ورغم أنّ الأيام في عمان كلها حلوة إلا أنّ أيام معرض مسقط ذات طابع خاص.

هذه هي الدورة الثانية والعشرون منه، عرس الكتاب العماني، مساحة العقل والفكر والإبداع، مساحة للحراك والنشر، وحضور دور الكتب، مسافات تقطعها الكتب والمصنفات كي تستقر في مسقط، في المبنى الجديد الذي أُريد له أن يكون علامة فارقة في المشهد الثقافي السنوي في السلطنة..

مما لاحظته في هذه الدورة، هو أنّ المعرض - على الرغم من اتساعه وشساعته، وكونه محجا وقبلة لمختلف الشرائح المثقفة - يحمل سمة صناعة الوعي الجمعي، بمعنى أنّ زواره يمثلون مختلف الشرائح الاجتماعية، فهو مقصد الأسر والعائلات والمدارس، مقصد مختلف المناطق والمحافظات العمانية، مقصد طلاب وطالبات العلم من مختلف المراحل التعليمية، مقصد الباحثين والباحثات والدارسين والدارسات في المستويات الأكاديمية التأسيسية وما يليها، مقصد للمرجعيين الذين يجدون فيه الجديد الذي يعمر ذاكراتهم بما فاتهم، أو توسعة ما ضاق من المعلومات، أو تأكيد ما وقع منهم في دائرة الظن والشك وعدم اكتمال المعرفة وتمامها.

في تلك الأروقة حضرت الفعاليات الثقافية والمؤسسية، وتعددت تواقيع الكتب، وبرز الكتاب العماني ودور النشر العماني بمختلف مناخاته واتجاهاته، وتفعّلت التجارب الريادية التي تستحق أن تبرز وتأخذ مسارها الطبيعي في الحضور الثقافي العربي عبر المنصة العمانية.

إذا كان معرض الكتاب بهذه الصفة الجوهرية الحكيمة والصميمة، وفعالياته تجمع بين ظهرانيها التعدد والحوار والنقاش والانفتاح على الذات والآخر، فيمكننا أن نؤمّن لثقافتنا العمانية أن تكون مركزًا لحراك إشعاعي معرفي فكري إبداعي حر وشفيف، بما ينعكس على الدور التنويري للسلطنة، والذي عكسته الندوات والمؤتمرات والأدبيات البحثية والمرجعية، التي تأكدت عبر فعاليات محلية وإقليميّة وقارية على حد سواء.

****

في هذه الدورة، تمّ اختيار ولاية صحار، لتكون هي ضيفة شرف الدورة، التي يتم تسليط الضوء عليها، ومناقشة دورها وحضورها الثقافي، ومتابعة تكثفها الحضاري عبر مراحل التاريخ، وهي فكرة جميلة وذات أبعاد توثيقية وتدوينية بلا شك.

هنا يمكننا أن نضع مقترحا لوزارة الإعلام والتي تبذل جهدا لتنشيط هذا المعرض عاما بعد عام والمقترح قابل للأخذ والرد، والنقاش وهو أن يتم فتح باب الترشح للولايات التي تريد أن تكون ضيفة الشرف في الدورات القادمة من معرض مسقط الدولي للكتاب، بدلا من الاختيار، وذلك وفقا لمعايير وضوابط؛ يتم وضعها من قبل اللجنة المنظمة للمعرض.

يمكن عمل لجنة عليا، تتبع الجهة المنظمة للمعرض، وهي وزارة الإعلام، وهذه الجهات تخاطب مكاتب المحافظين لتشكيل لجان رئيسية، تتبعها لجان فرعية في الولايات التي تتبع المحافظات، ويكون موقعها في مكتب الوالي، بحيث تقوم كل لجنة في كل ولاية بوضع أسس لتطوير الولاية ثقافيا ومعرفيا، من خلال إشراك جهات من القطاع الخاص ورجال الأعمال والتجار وأصحاب الخير، لتشييد صروح ثقافية في كل ولاية، ووضع خطط لمناشط طوال العام، وفي فترة محددة تقدم كل ولاية جهدها وما بذلته في ذلك العام، ويتم التقديم عبر اللجان الفرعية في الولايات إلى اللجان الرئيسية في مكاتب المحافظين، لتقوم كل محافظة بترشيح ولاية واحدة، بحسب الملف الذي قدمته، وبدورها تقدم مكاتب المحافظين ملفًا واحدًا للجنة العليا عن كل محافظة، التي تفاضل بدورها، وقبيل معرض الكتاب، يتم اختيار ولاية واحدة، لتكون ضيفة شرف في دورة المعرض المرتبطة بذلك العام.

القصد هنا هو تفعيل التنافسية الثقافية بين المحافظات من ناحية، والولايات من ناحية ثانية، وكل ذلك بجهود القطاع الخاص، مما سينعكس على المجتمع، بما يصب في صالح مختلف الشرائح فيه.

 

***

 

لقد شاهدت - في هذه الدورة - دخول مؤسسات تتبع القطاع الخاص الثقافي، في تنظيم فعاليات في معرض الكتاب، وكذلك الصالونات الثقافية والأدبية، من هنا يمكننا أن نتصور إمكانيّة استمرار هذا الحراك على مدار العام، بأن يكون منطلق أجندتها هو معرض مسقط الدولي للكتاب..

ومما يثلج الصدر أن نرى الاهتمام بأدب الطفل وركن الطفل الذي أخذ حيّزا من الاهتمام من قبل الزوار وقد لمست ذلك الإقبال الكبير المنقطع النظير لجناح "مجلة مرشد" وتهافت المئات للسؤال عن المجلة ودعوتهم الصادقة لأخذ موقعها كونها تمثل حالة من الانفراد وحاجة ماسة لربط الطفل بالقراءة الأمر الذي جعلنا نشد الحزام لتجويد المنتج وتقديم مجلة تصل للطفل العماني في قالب يتميز بجودة المنتج وتميّز في الشكل والمحتوى

 

يبقى أن نقول إنّ معرض مسقط للكتاب أيقونة عمانية رسّخت أقدامها بتميّز وتفرّد.