في ندوة بـ"الغرفة" حول تأثير التغيرات الاقتصادية العالمية على استقرار الأنظمة المالية

خبراء: ضرورة توجيه استثمارات الصناديق السيادية نحو القطاعات منخفضة المخاطر ومواصلة تنويع مصادر الدخل

 

 

 

العنسي: القطاع الخاص غير مهيأ لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الباحثين عن عمل

الرفاعي: البنوك المركزية حول العالم فشلت في التنبؤ بوقوع أزمات مالية على مدى السنوات الماضية

الدعوة لتبني مبادرات مشتركة لتأسيس قاعدة اقتصادية متنوعة تخلق فرص العمل

الاقتصاد العالمي يسير نحو أزمة مالية مع ضعف الدولار وخلل الأنظمة

السندات الاستثمارية عالية المخاطر وديون الاقتصادات الناشئة .. من أبرز عوامل اندلاع أزمة جديدة

عدم سداد الديون يتسبب في عمليات إعادة تمويل لا متناهية

 

 

 

الانكماش الاقتصادي التهديد الأكبر للثروة في ظل غياب إستراتيجية استثمارية

النظام المالي قائم على دورة من الانتعاش والركود.. والأزمات تتكرر كل 7 سنوات

 

 

الرؤية - فايزة الكلبانية

 

انطلقت أمس ندوة "سوق العمل في ظل عدم استقرار النظام المالي والتغيرات الاقتصادية العالمية"، وذلك تحت رعاية سعادة الشيخ عبد الله بن سالم السالمي الرئيس التنفيذي للهيئة العامة لسوق المال، وبتنظيم من غرفة تجارة وصناعة عُمان، ممثلة في لجنة الموارد البشرية وسوق العمل، بالتعاون مع لجنة القطاع المالي والمصرفي والتأمين بالغرفة.

وشارك في النَّدوة الخبير المالي طارق الرفاعي الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات الإستراتيجية بالمملكة المتحدة. وقدم محمد بن حسن العنسي رئيس لجنة تنمية الموارد البشرية وسوق العمل بغرفة تجارة وصناعة عمان كلمة الافتتاح، قال فيها: "نهدف من هذه الندوة إلى التَّعرف على التوقعات المستقبلية لأسعار النفط وأهم التغيرات الاقتصادية المتوقعة لعام 2017، على الصعيد الاقتصادي المحلي والعالمي، وذلك من أجل تفعيل دور القطاع الخاص وإجراء الإصلاحات المالية اللازمة لتجنب الركود الاقتصادي وتفعيل دور القطاع للمساهمة في تجاوز هذه الظروف الاقتصادية الاستثنائية، عبر التنسيق بين القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني، بما يضمن صياغة سياسة اقتصادية أكثر فاعلية وقدرة على تعزيز النمو الاقتصادي عبر استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية وتوطين التقنية الحديثة وتعظيم الاعتماد على المورد البشري الوطني". وأضاف العنسي أنَّ التغيرات الاقتصادية العالمية كانت لها آثارها المباشرة وغير المباشرة على كافة القطاعات الاقتصادية الإنتاجية منها والخدمية، مشيرًا إلى أنّ الندوة تستهدف الحديث عن آثار هذه التغيرات، لا سيما المالية منها على الاقتصاد المحلي، وللحديث بمزيد من التفصيل عن آليات وحلول مقترحة لتحسين الواقع والحد من هذه الآثار على سوق العمل.

استيعاب الخريجين

وأوضح العنسي أنّه ليس بمقدور القطاع العام استيعاب الأعداد الكبيرة من مخرجات مؤسسات التعليم، كما أنّ القطاع الخاص وهو الشريك الأساسي غير مهيأ لاستيعاب تلك الأعداد كذلك في ظل تعقيدات إدارية وإجرائية متزايدة لذا يصبح من الأهمية تبني مبادرات مشتركة لتأسيس  قاعدة اقتصادية متنوعة تساهم في رفع معدل التوظيف بالقطاع الخاص في السلطنة.

وأكد أنَّ نمو القدرة الاستيعابية للقوى العاملة سيما الوطنية منها في القطاع الخاص، مؤشر جيد يقود إلى حقيقة نمو أداء هذا القطاع، علاوة على سياسة التعمين التي أعيد صياغتها في بعض جوانبها بالتنسيق مع القطاع والتي أسهمت أيضاً في رفع نسبة القوى العاملة الوطنية بمؤسسات القطاع خلال الفترة القليلة الماضية.

أزمة مالية

من جهته، قدَّم طارق الرفاعي الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات الإستراتيجية بالمملكة المتحدة ورقة عمل بعنوان "الأزمة المالية وتأثيرها على دول الخليج وأسعار النفط"، تطرق خلالها إلى أسباب عدم استقرار النظام المالي والأزمة الكبرى المحتملة في العالم، موضحاً أن هناك مفاهيم خاطئة مُنتشرة ومنها على سبيل المثال أنّ البنوك المركزية الكبرى هم صانعو النقد في الاقتصاد، والبنوك المركزية الكبرى لن تسمح بوقوع أزمة مالية أخرى (لدرايتهم بالنظام المالي وتحكمهم في الاقتصاد وأسواق المال)، وأن منظمة أوبك تتحكم في أسعار النفط، وأن اقتصاد الصين قوي وسيقود النمو الاقتصادي العالمي في المُستقبل. لكن الرفاعي نفى صحة كل هذه المعلومات المتداولة، وقال خلال العرض: "إذا كان رؤساء البنوك المركزية الكبرى وأكبر البنوك العالمية لم يروا قدوم الأزمة، فكيف نتوقع أنّهم سيروَنَ قدوم الأزمة المُقبلة، وهم أقل قدرة بكثير على وقف هذه الأزمة؟". وأشار الرفاعي إلى توضيح دورة الأزمة الاقتصادية وزيادة حدتها، مشيرًا إلى أن الصدمة النفطية الأولى (حظر أوبك) كان في عام 1973، وجاءت الصدمة النفطية الثانية (الثورة الإيرانية/ الحرب العراقية الإيرانية) في عام 1980، وبعدها صدمة الإثنين الأسود (انهيار الأسهم العالمية) في عام 1987، ومن ثمّ جاءت أزمة البيزو المكسيكية عام 1994، بعدها جاءت فقاعات الدوت كوم في عام 2000، تلاها الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وها نحن اليوم نعيش في 2017 بوادر أزمة أخرى مُقبلة. وأوضح أنّ هذه النتائج توصل إليها عبر الدراسة التي أجراها مركز كوروم قبل 6 سنوات تتعلق بالأزمات المالية وحلولها.

وقال الرفاعي إنّ الدراسة تشير إلى أنّ الأزمات المالية تمتد من 5 إلى 7 سنوات حول العالم، وقد وقعت الأزمة المالية الأخيرة في عام 2008، مؤكدا أن الأزمات المالية جزء من النظام المالي الحالي. وأشار إلى أن هناك بعض المؤشرات تدل على أنّ هناك أزمة قادمة، ومن ضمن هذه المؤشرات هبوط أسعار السلع الأولية كالنفط منذ يونيو 2014، نتيجة الخلل في النظام المالي وضعف النفط مع قوة الدولار والتي عادة تسبب أزمة مالية بحسب الدراسة.

ولفت الرفاعي إلى أنّ الأسباب الرئيسية للأزمات المالية تتمثل في ضعف الاقتصاد العالمي وارتفاع الديون، موضحًا أنَّه يجب البعد عن عمليات المضاربة والمجازفة في أسواق المال وأسوق النفط؛ حيث كانت هذه العمليات- خلال العشر سنوات الماضية- نتيجة لتدخل غير المستثمر في عمليات المضاربة في أسواق السلع، عن طريق المشتقات المالية وغيرها، والتي أدت إلى تراكم الديون والمشاكل الاقتصادية وغيرها.

وأكد الرفاعي أنَّ النظام المالي مبني على دورة من الانتعاش والركود، فالأزمات المالية متكررة وهي جزء من شكل النظام، مشيراً إلى أنّ تيسير الائتمان اليوم أصبح أكبر بكثير مما كان عليه قبل الأزمة الأخيرة. وتابع القول إنه في عام 2007 اندلعت الأزمة بسبب قطاع العقارات، وفي الوقت الحالي يتزايد خطر وقوع أزمة بسبب السندات الاستثمارية عالية المخاطر وكذلك ديون الدول الناشئة؛ حيث إنّ البنوك الكبيرة تحتمي بالحكومات، معتقدة أنها لن تسمح بفشلها، وتلك البنوك تستمر في الانخراط في أنشطة خطرة.

وأوضح الرفاعي أنّ هناك ديوناً "كثيرة جدا" أدت إلى زيادة في ديون البنوك الصينية خلال 5 سنوات لتصل إلى 15.4 تريليون دولار، مؤكدا أن إجمالي الدين الجديد للبنوك المركزية الأربع الكُبرى (أمريكا- أوروبا- اليابان- إنجلترا) مقارنةً بالتغير في إجمالي الدين الجديد للبنوك المركزية منذ الربع الأخير من عام 2008؛ حيث بلغ الدين في الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأمريكي نحو 3.9 تريليون دولار، والبنك المركزي الأوروبي 3.2 تريليون دولار، وبنك اليابان 2.1 تريليون دولار، وبنك إنجلترا بنحو 0.6 تريليون دولار.

وزاد الرفاعي قائلاً إن تصميم النظام المالي العالمي يدعو إلى زيادة الدين باستمرار وعدم خفضه أبدًا، وإلا فإنّ النظام سيفشل (وينتج عن ذلك أزمة مالية)، مشيرًا إلى أنّ ذلك يعني أيضًا أن كل الدين المُصدَّر لا يُمكن سداده، فقط تتم عملية إعادة تمويل في المستقبل اللامتناهي، أي الاستدانة من أجل سداد ديون قديمة، وهكذا دواليك.

وأضاف الرفاعي أنَّ البنوك المركزية الكُبرى حددت سعر الفائدة عند مستوى صفر، مستهدفة كبح جماح التضخم، سعيًا للوصول إلى تحفيز التجارة والنمو الاقتصادي، وخفض تكلفة الديون وأعبائها، وعدم التشجيع على الادخار، وتشجيع الإنفاق. وقال إن مستهدفات التضخم الموضوعة تتمثل في المصرف الاحتياطي الأمريكي بحيث تكون (سعر الفائدة) 2 في المئة، والبنك المركزي الأوروبي عند نسبة فائدة تقترب من 2 في المئة أيضًا، وبنك اليابان عند 2 في المئة.

ويرى الرفاعي أن حلول البنوك المركزية فشلت، حيث اعتمدت شراء ديون أكثر، والإبقاء على انخفاض أسعار الفائدة بقدر الإمكان، ومعاقبة المودعين والمدخرين، لافتاً إلى أنَّ النتائج التي تمخضت عنها تمثلت في أنّ أسواق الأسهم تحقق ارتفاعات جديدة بفضل الديون الرخيصة، لكنها تعود للانخفاض الآن، والسندات الآن تنتقل أكثر لأقاليم سلبية، كما أنَّ نمو الناتج المحلي الإجمالي متوقف وبدأ في الانخفاض، والانكماش يرسو على أرض الواقع ويدفع أسعار السلع للانخفاض، مثل النفط لدرجة أكبر، ويعمل على تسريع تعثر الديون، وحالات التعثر، إلى جانب اتساع الفجوة بين الأغنياء والفُقراء. وأكد الرفاعي أنَّ البنوك المركزية تعترف بأنَّها فشلت، لكن لا أحد يتحدث عن هذا الفشل، كما أنَّ الثقة في البنوك المركزية تتضاءل، وفي الوقت الذي يكتمل فيه هذا التضاؤل، ستتآكل الثروة أيضًا، مشيرا إلى أن الانكماش يُمثل التهديد الأكبر للثروة، ما لم يكن هناك مخصص أصول مناسب وإستراتيجية في الاستثمار. وتابع أن الحكومات والبنوك المركزية تتهيأ لأزمة مصرفية مقبلة، وسوف تجبر البنوك على أخذ المال الخاص بالعميل المحلي أولا (الإنقاذ الداخلي) قبل إنقاذ أي مؤسسة مالية.

الجلسة الحوارية

وتخللت الندوة جلسة حوارية أدارها الإعلامي أحمد الهوتي وشاركه في النقاش كلٌ من المهندس رضا آل صالح نائب رئيس مجلس إدارة الغرفة الشؤون الإدارية والمالية، إلى جانب طارق الرفاعي الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات الإستراتيجية بالمملكة المتحدة، ولؤي بطاينة الرئيس التنفيذي لشركة أوبار كابيتال. وقال المتحدثون إنّه يجب عند الاستثمار تنويع المخاطر من خلال سلة من الأدوات الاستثمارية في عددٍ من القطاعات. وأوضحوا أن المصدر الرئيسي للدخل في دول الخليج هو النفط وهو مسعر بالدولار الأمريكي وهو مازال الأقوى لأسباب عديدة، وأن ربط العملة بالدولار يمثل تنوعًا، مشيرين إلى أنّ الميزان التجاري بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والصين بحسب آخر الدراسات يصل إلى 40 في المائة، موضحين أن التنوع الاستثماري موجود سواء على المستوى المحلي أو على مستوى دول المجلس، لكن لا يُمكن أن تنأى دول المجلس عن التعامل مع الاقتصاديات العالمية؛ في ظل وجود "تعرض" (انكشاف) معها من خلال سلعة النفط، وكذلك تعرض الصناديق السيادية للاستثمار في عدد من الدول، إضافة إلى التعرض في الميزان التجاري؛ حيث يكون تصدير واستيراد مع عدد من الدول. وأضافوا أنّه يجب عند الاستثمار في دول خارج المنطقة، أن تتم في قطاعات لا تُعاني من المخاطر الكبيرة، فمثلا الاستثمار في السندات والأسهم ينطوي على مخاطر، أما الاستثمار في قطاع مثل العقار أو شراء شركات فمخاطرها أقل.

ودعا الخبراء إلى إيجاد طرق بديلة للاعتماد على النَّفط كمصدر للدخل الوطني، مشيرين إلى أنَّ الخطة الخمسية التَّاسعة ركَّزت على عدد من القطاعات البديلة منها قطاعات الصناعة والسياحة والتعدين واللوجستيات والتي يجب التركيز عليها خلال المرحلة القادمة، كذلك البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي "تنفيذ"، والذي يُركز على تنويع مصادر الدخل وتوفير فرص استثمارية على مدار السنوات المُقبلة.

تعليق عبر الفيس بوك