نادي الريف.. طموح وأمل

 

  علي بن كفيتان بيت سعيد

في الحقيقة هذا النادي لا يُوجد على أرض الواقع لكنه حلم الكثيرين من الشباب والشياب على حدٍ سواء في ريف ولاية صلالة التي تُعد من أكثر الولايات سكاناً خاصةً إذا ما اقتنعنا بأنَّ الرياضة تساهم في امتصاص طاقة الشباب وملء أوقات فراغهم الكبير في هذه الأيام، سمعت مؤخرًا بأنَّ وزارة الشؤون الرياضية تنوي إنشاء ملاعب مُعشبة في عدد من الولايات بالمُحافظة ولا أدري إن كان لشباب الريف حظاً منها. وفي ذات الوقت افتتح مؤخراً مركز السلطان قابوس للثقافة والترفيه بصلالة ولا شك أنّ المركز سيعمل في هذا الإطار لكن مع وضع ضوابط اشتراك قد لا تتيح للجميع الولوج للمركز، بالإضافة للعامل الجغرافي البعيد نسبيًا عن المناطق الجبلية المحاذية للولاية.

خلال الفترة الأخيرة لمسنا الروح الوطنية الوثابة للمجتمع الريفي من خلال المشاركات الطموحة لإثراء الجانب الرياضي والثقافي والاجتماعي بالمُحافظة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر ملتقى نيابة قيرون حيرتي السنوي الذي يبدي من خلاله نخبة من الموهوبين إبداعاتهم في مختلف الفنون والآداب، ولا شك أنّ دعم المديرية العامة للتراث والثقافة بظفار لهذا الملتقى السنوي ساعد في إيجاد راعٍ حكومي، بالإضافة إلى أنَّ الدعم الذي يوليه مَعَالي السيد المُحافظ لمثل هذه المناشط الهامة يظل محل تقدير واعتزاز.

إنَّ تنامي ظاهرة الفراغ وشح فرص العمل يولد توجهاً طبيعياً للبحث في اتجاهات مُختلفة ويصبح الشاب فريسة سهلة للانحراف في ظل عدم وجود مواقع للتنفيس عن طاقته المُتقدة وفي ذات الوقت قد تنامى لدى البعض حب العودة لمجتمع الكهف مع ما لها من إرهاصات غير محببة فتجد هذه الفئة تعيد انتماءها الطبيعي لروح المجموعة القديمة أو ما يُسمى بالقبيلة فتنغمس في أفكار قديمة تذكي من خلالها روح كراهية الآخر والدفاع عن الحقوق التاريخية للجماعة حتى ولو كانت تتعارض مع ثوابت دولة المؤسسات والقانون.

توجد حالياً أربعة أندية في ولاية صلالة وتقع جميع مقراتها في قلب المدينة ولم يفكر أحد تلك الأندية في افتتاح أفرع أو ملاعب في الريف رغم أن العديد من اللاعبين البارزين لتلك الأندية أتوا من المناطق الجبلية وحدثني الكثير من الشباب عن صعوبات وتحديات الانتماء لأحد تلك الأندية يكاد يكون أبرزها البعد المكاني فلا يستطيع شخص هاوٍ لأي لعبة رياضية أو نشاط ثقافي أو اجتماعي الذهاب يومياً من الريف للمدينة بحكم المسافة وكذلك بسبب الارتباطات الاجتماعية بالإضافة لطبيعة المجتمع الريفي المحافظ الذي يفضل إبقاء أبنائه تحت مرمى عينيه.

لدى هذا المجتمع إرث حضاري ضارب في جذور الزمن بألعابه الشعبية وفنونه الأدبية التي لم تجد المتنفس الكافي للتعبير عنها ويظل النادي هو الصبغة المؤسسية لالتقاء الناس وكل يمارس مواهبه وفق أطر قانونية ممنهجة وبرامج معتمدة من الجهات المختصة، كما أنّ إشعال روح الانتماء للنادي هو انتماء للوطن بمفهومه الأوسع ويبعد فئات الشباب عن السلوكيات التي يولدها الفراغ والتي باتت تنتشر بكثرة خلال الفترة الأخيرة للأسف وتبذل الحكومة أموالا وطاقات كبيرة للسيطرة عليها. 

الريف يحوي مكونات اجتماعية شتى تعايشت لحقب طويلة ولا زالت تتعايش بشكل مُتناغم مع بعضها البعض إلى اليوم ويسود بينها سنن وأعراف شكلت صمام الأمان لأكثر من 350 سنة حسب ما توضح بعض الدراسات الاجتماعية، فتجدهم اليوم يهبون معاً لتوفير مبالغ مالية طائلة لعلاج أحد أبنائهم في الخارج مهما كانت التكاليف، وتجدهم جميعاً مشاركين في الأفراح والأتراح وهذا ليس حكرًا على مجتمع الريف في ظفار بل على كل أبناء المُحافظة الذين ألفوا التكافل واختاروا المحبة والوئام فيما بينهم، وبالتالي سيكون نادي شباب الريف مكوناً هامًا طال انتظاره يساهم في رفد المجتمع بالمتميزين في مُختلف الميادين الرياضية والاجتماعية والثقافية.  

هذا النادي إذا ما رأى النور سيعمل كمركز رياضي وثقافي واجتماعي وسيخدم شريحة كبيرة من سكان ولاية صلالة فقد شهدنا خلال العقود الماضية لاعبين مبدعين ومدربين أكفاء في مختلف الألعاب من ريف صلالة، وفي ذات الوقت برزت قامات أدبية وفكرية في هذا المُجتمع ناهيك عن الأعمال الاجتماعية الطوعية التي يتبناها أبناؤه لحماية بيئتهم وموروثهم الثقافي. وكان من المؤمل أن يتبنى أحد أصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى عن ولاية صلالة هذا المقترح أو عبر المجلس البلدي لكن لم تظهر مثل هذه المُبادرات للنور حتى الآن، لذلك نُهيب بالجهات المعنية وأصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى والبلدي عن ولاية صلالة دعم هذا المقترح نتيجة ليقيننا بأنّه أصبح ضرورة ملحة لامتصاص طاقات الشباب الرياضية والفكرية التي إن لم نشغلها بما هو مُفيد فقد يشغلها آخرون بما لا يتوافق مع ثوابتنا العُمانية الراسخة التي أرساها مولانا جلالة السلطان -حفظه الله وأبقاه- في ظل مُغادرة الجيل الذي حمل على عاتقه ثوابت وطنية دافع عنها لحقب عدة ونمو جيل آخر متطلع للتطوير والتنمية في بيئته الريفية.

حفظ الله مولانا جلالة السلطان وأدام عليه الصحة والعافية والعمر المديد    

 

alikafetan@gmail.com