د.عبد الله باحجاج
لم تتمكن الجهات الحكومية من التَّعامل مع الخصوصية الجغرافية للبلاد بما يتناسب مع تموقعات ديموغرافيتها (السكان)، وفي حالات كثيرة ليس بسبب السيولة المالية، وإنِّما الخلل الإداري، هذه حقيقية نعلي من شأنها في هذه المُقدمة، وكل يوم نزداد قناعة بها، سواء على صعيد المُحافظات وولاياتها، أو الولايات ونياباتها، وكلما نبتعد عن المركزية – مسقط - والمركزية التبعية لها – المُحافظات – تزداد صور الاختلالات البنيوية في الولايات، وتنتقل الاختلالات بصورة أعمق إلى النيابات، ولنا في مُعاناة المواطنين في جزر الحلانيات،، أنموذجًا،، على عدم استيعاب المواطنين داخل جهوياتهم – مسقط رأسهم _ بسبب الخلل الإداري وليس المالي.
وفي قضية الحلانيات، تبدو لنا المُفارقة كبيرة بين الاهتمامات السامية لعاهل البلاد -حفظه الله ورعاه- وبين اهتمامات جهات حكومية مُتعددة، فمن أين نبدأ القصة؟ ربما من التَّذكير بالدور التاريخي للسُّكان في الحفاظ على السيادة العُمانية للجزر في وجه الطامعين من الخارج قبل عام 1970، وقد كان يطلق عليها جزر – كوريا موريا – قبل أن تتخذ مُسماها الجديد بجزر الحلانيات، كما يرجع لهم الفضل في بقاء الحياة البشرية فيها رغم قسوة الحياة والمعاناة فيها، والمطلعون على التاريخ الحديث لبلادنا، يدركون تماماً خلفيات استدعائنا لهذا البعد التاريخي الآن – وكفى بها إشارة - من هنا، تحظى هذه الجزر بالاهتمام السامي، تجلى في أحدث تجلياته، بإرسال وفد وزاري كبير ورفيع المستوى عام 2007 لتقصي احتياجات السكان، ترتب عليه أوامر خاصة بها بإنشاء (32) وحدة سكنية ومسجداً، وطرق داخلية عصرية، ومركز صحي، ومرفأ بحري .. إلخ الكثير منها قد تمّت إقامتها، والقليل منها مُعلق، بسبب العبارة، وهذه الأخيرة قضية كبيرة في حد ذاتها، تتقاطع معها بقية مُعاناة الجزيرة هناك، فالحلانيات عبارة عن خمس جزر، أكبرها تسمى الحلانية ومساحتها حوالي (25 كم2) وهي تتوسط المجموعة. وشرقها تقع جزيرتا القبلية وغروزت، أما غربها فجزيرتا السودة والحاسكية، والحلانية هي الجزيرة الوحيدة الآهلة بالسكان، ويعزلها مياه البحر من كل الجهات، ولا تربطها باليابسة أية تواصل بري تمامًا، ولا بحري آمن الآن، فالعبارة الوحيدة التي كانت وسيلتهم في نقل مرضاهم لحاسك أو لصلالة وإحضار حاجياتهم المعيشية اليومية من مواد غذائية وسلع أساسية أخرى، وكل ما يحتاجه الإنسان من ضروريات يومية، كالبترول والوقود .. قد سحبت منهم، وتم نقلها إلى جهة أخرى خارج مُحافظة ظفار، بحجة عدم وجود مرفأ، وأصبحوا عالقين هناك، معتمدين على الطائرة المروحية أو نقلهم عبر قوارب الصيد، خاصة منذ سنتين بعد سحبت شركة جلفار عبارتها بعد أن انتهت من مشروعي المرفأ والطرقات، والآن هذه الحجية تنتفي تماماً، بعد أن تمت إقامة المرفأ، فلماذا لا ترجع العبارة من المكان المرحل إليه إلى المكان المخصص له أصلا؟ أو شراء عبارة جديدة؟ هل تحتاج المسألة لأوامر سامية؟ علما بأنّ العبارة تمثل للمواطنين في الحلانيات، بمثابة الشريان الأساسي الذي تتوقف عليه عجلة حياتهم اليومية، فالمركز الصحي الذي أمر به عاهل البلاد قد توقف العمل به بسبب عدم وجود عبارة تنقل المواد والمعدات والعمال، وهو في وضعه الحالي لا يوفي بالحد الأدنى الضروري للحالات العاجلة، ومؤخرًا أصيب مسؤول إداري كبير في الحلانيات بكسر، فلم يكن المركز الصحي مؤهلاً لمثل هذه الحالة، فكيف بالحلات الأخرى، وانتظر يومين حتى جاءت الطائرة العمودية لنقله لمستشفى السلطان قابوس بعد أن تحسنت الأنواء المناخية الأخيرة، وهذه الحالة تكشف لنا الواقع الصحي هناك، فكيف بوضع الحوامل والحالات الطارئة الأخرى، علماً بأنَّ المسافة من الحلانيات إلى صلالة بالطائرة العمودية تستغرق ما بين (50 ) دقيقة، ذهاباً وإيابا، قرابة الساعتين، كما أنَّ المسافة برا من صلالة إلى حاسك (198) كم ومن حاسك إلى الشويمية (98) كم، ومن الشويمية إلى جزيرة الحلانيات (50) كم، ومن حاسك إلى الحلانيات (80) كم، وهذه المسافات تبين لنا الأهمية القصوى للعبارة خاصة إذا ما علمنا بعدم وجود تعليم ثانوي في الحلانيات، وكل طالب يصل إلى هذا المستوى التعليمي يتم تحويله إلى خارج الجزيرة لتكلمة تعليمه الثانوي أما في حاسك أو الشويمية أو صلالة، أما الإناث فأغلبهن يكون مصيرهن المنزل بعد الإعدادية، وهنا تظهر لنا أهمية العبارة من المنظور التعليمي، واستحقاق الحقوق الأساسية، فكيف سيتم نقل الطلاب إلى المدارس الثانوية خارج الجزيرة بدون وجود عبَّارة؟ هل في قوارب الصيد الصغيرة؟ يميل التساؤل الأخير للسخرية أكثر منه للواقعية، فهي وسيلة غير آمنة، ولا يُمكن أن تفي بالغرض، ولا يُمكن أن تكون دائمة، حتى مصنع الثلج، قد أغلق في واحدة من تداعيات سحب العبارة، مما جعل الصيادين يهجرون مهنتهم، وفقدوا مصدر دخلهم، فكيف سيتم تخزين وتصدير أسماكهم إلى خارج الجزيرة دون وجود مصنع للثلج، وهنا، نتساءل عن وعد وزير الزراعة والثروة السمكية للمواطنين بإعادة فتح المصنع خلال زيارته الأخيرة للحلانيات؟ ومن هذا المنظور، تظهر لنا أهمية العبَّارة كضرورة للحفاظ على مصدر دخل المواطنين، وانعكاسات ذلك سلباً على معيشتهم، وقد نجم عن هذا، غزو الوافدين لقطاعهم السمكي، وتُقدر أعدادهم ما بين (500- 600) شخص بقوارب تقارب (300) قارب، ماذا يعني هذا؟ يعني غياب الرقابة الحكومية، وهذه نافذة أيضاً نرى من خلالها نموذجاً من تداعيات قضية العبَّارة، لربما بسببها نُفسر غياب الرقابة، وحتى لو وجدت، فتنقصها الفعالية التي تفرض هيبة الدولة على بحرنا، فقواربهم أي الرقابة أقل أو في مستوى قوارب صيد الوافدين، وقد يتعرضون لمخاطر في البحر أثناء عمليات المطاردة، كالغرق في حال تعقبهم بسبب صغر قوارب الرقابة، فهل يعلم معالي الوزير كيف تحوَّل البحر في الحلانيات إلى فوبيا للمواطنين؟ وهل تعلم الجهات المعنية، كيف تحوَّلت جزيرة السودى إلى مأوى للعمالة الوافدة وربما الهاربين من العدالة بعد أن توقف أحد المشروعات السياحية فيها، حتى سفن الصيد الكبيرة قد وجدت الفرصة سانحة لها لتوسيع هذه الفوبيا، فهي تستخدم الشباك السطحية والقاعية وبالقرب من الصخور المرجانية، محدثة ما يمكن الإطلاق عليه مقابر جماعية للأسماك وحرق البيئة البحرية، كما لا يوجد في الحلانيات محطة للوقود، ويقوم الأهالي بشراء البترول والديزل من خارج الحلانيات، وبعد سحب العبارة وعدم عودتها حتى الآن، تعطلت حركة الحياة، ومن يزور الحلانيات الآن، سوف يلفت انتباهه العربات المعطلة والموقوفة والمتهالكة إما بسبب عدم وجود وقود أو توفر إمكانية إصلاحها خارج الجزيرة لعدم وجود عبارة، وهذا استدلال آخر على مركزية العبارة في الواقع الشمولي للحلانيات.
وهكذا يظهر الفارق الكبير بين الاهتمام السامي بجزر الحلانيات وبين الاهتمام المتواضع بها من قبل الجهات التنفيذية، المحلية والمركزية، والعارفون بتاريخ هذه الجزر الإستراتيجية يدركون أنّ اهتمام قمتنا السياسية بالجُزر له جذور تاريخية، فكيف يكون الاهتمام التنفيذي أقل من الاهتمام السياسي بشقيه التاريخي والمعاصر، ومهما كانت الأسباب، فهي لن تكون مبررة لبقاء الجزر دون العبارة حتى الآن، واستمرار معاناة الأهالي، وما ذنب الإناث ليتوقف حلمهن التعليمي عند الإعدادية؟ وما ذنب الأطفال والشباب ليفقدوا الملاعب المعشبة والاستراحات والحدائق لمُمارسة هواياتهم؟ وما ذنب سكان جزر الحلانيات وقد تقطعت بهم السبل، من هنا ندعو إلى القضاء على العمالة الوافدة غير المنظمة في الجزر والاهتمام أكثر بمشاريعها السياحية.
من المسؤول إذن عن جزر الحلانيات؟ تساؤل نوجهه لمكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار ووزارات الزراعة والثروة السمكية والاتصالات والنقل والسياحة، لكن تظل سلطتنا المحلية معنية بهذا الملف بالدرجة الأولى، بحكم سلطتها الإدارية عليها، فالحلانيات هى نيابة تتبع ولاية شليم وجزر الحلانيات، وهذه الولاية، هي إحدى ولايات محافظة ظفار الإحدى عشرة، فكيف ترضى هذه السلطة أن تظل الحلانيات تعيش في فوبيا البحر حتى الآن؟ القضية مشروع لتحقيق صحفي مُقبل.