الكويت.. شعلة ثقافية متقدة تضيء الفضاء الخليجي بأنوار المعرفة ومصابيح الفنون المتنوعة

≤ المجلس الوطني الكويتي يواصل دوره منذ سبعينيات القرن الماضي لإثراء الإبداع الثقافي العربي

≤ آلاف الجماهير العربية تأسست ثقافتها على مجلة "العربي" التي تصدر منذ حوالي 60 عاماً

≤ الحركة المسرحية تنهض منذ منتصف القرن الماضي.. وزكي طليمات من المؤسسين الأوائل

≤ أول دولة خليجية تؤسِّس محطة تليفزيونية رسمية نوفمبر 1961.. وجميع كلاسيكيات الدراما الخليجية اليوم كويتية بممثلين كويتيين

≤ مركز الشيخ جابر الثقافي صَرْح فني كبير يضم 3 مسارح أحدها للأوبرا مجهز وفق أحداث التقنيات

تَتَقارَبُ العلاقات الثقافية العُمانية والكويتية، كما تتقارب العلاقات السياسية، وبَيْن طرفي الخليج الكثيرُ من الروابط الثقافية التي تعود لعقود طويلة ماضية، تمازجت وأثر بعضها في بعض، وهي حاضرة اليوم في الكثير من التفاعل الحاصل بين الكُتَّاب والمبدعين العُمانيين والكويتيين؛ سواء من خلال تنظيم الفعاليات والأسابيع الثقافية المشتركة، أو من خلال الزيارات والدعوات التي يُقدِّم فيها كل طرف خبراته في مجالات إبداعه ومعرفته.

مسقط - العُمانيَّة

وليس سَهْلا رَصْد تفاصيل المشهد الثقافي في دولة الكويت، والإحاطة به لاعتبارات كثيرة؛ أهمها: الفترة المبكرة التي ازدهرت فيها المؤسسات الثقافية بمعناها الحديث في الكويت، وكذلك الدور الريادي الذي قامتْ به الكويت في منطقة الخليج والمنطقة العربية في دعم الثقافة والمثقفين في مرحلة كانت المنطقة تشهد حالة تحوُّل وتجاذب. يكفي أن نعرف أن العدد الأول من مجلة "العربي" صدر في العام 1958م، وهي مرحلة زمنية مبكرة جدا في منطقة الخليج، خاصة وأن المجلة لم تصدر باعتبارها منشورا يروج للثقافة المحلية، بل صدرت منذ البداية لتكون مجلة كل كاتب عربي، وكل قارئ عربي، وبذلك لا غرابة أن نسمع أن آلاف الجماهير العربية قد تأسست ثقافتها على مجلة "العربي" الكويتية، ولا غرابة أن نقرأ في فهارس المجلة أن كبار الكتاب والمبدعين العرب قد كتبوا فيها.

ورَغْم أهمية مشروع مجلة "العربي" في سياق الحديث عن الثقافة في الكويت، إلا أنه ليس المشروع الوحيد. فلا بد من الوقوف عند مشروع آخر هو مشروع مطبوعات المجلس الوطني الذي يصدر سلسلة "عالم المعرفة" ومجلة "عالم الفكر" وسلسلة "إبداعات عالمية" وسلسلة "من المسرح العالمي"، وعدة روايات وكتب مترجمة.

وهذه المؤسسة من أكثر المؤسسات العربية إثراءً للمشهد المعرفي في العالم العربي، خاصة فيما يتعلق بجوانب الترجمة.

وتأسس المجلس الوطني في مطلع سبعينيات القرن الماضي في خطوة كان هدفها أن تأخذ الدولة على عاتقها الدور الرئيسي في عملية التنمية الفكرية والثقافية والفنية، ضمن رؤية واضحة تعمل على رعاية الثقافة والفنون والنهوض بها، وإفساح المجال أمام الاتصال والتواصل مع الثقافة العربية والعالمية.

والمجلسُ الوطني هو هيئة مستقلة تابعة للدولة، تعمل على تهيئة المناخ المناسب للإبداع الثقافي والفني وتنمية النشاطات الثقافية على أوسع نطاق. وينظم المجلس الكثير من المهرجانات الثقافية العربية كل عام؛ في مُقدِّمتها مهرجان القرين الثقافي وهو واحد من أشهر المهرجانات في المنطقة، إضافة إلى المهرجان الثقافي للأطفال والناشئة، ومهرجان الكويت المسرحي، ومهرجان الموسيقى الدولي، ومهرجان أجيال المستقبل، ومهرجان الناشئة، ومهرجان صيفي ثقافي، علاوة على إقامة أسابيع ثقافية كويتية خارج الكويت، واستقبال أسابيع ثقافية عربية وعالمية داخل الكويت، والمعرض الشامل للفنانين التشكيليين.

وتهتمُّ دولة الكويت الشقيقة -وبرعاية مباشرة من صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت- بالفنون الموسيقية؛ حيث افتتحت مؤخرا دارا للأوبرا لتكون مركز إشعاع لأبناء الكويت والعالم. وعند الحديث عن الحركة الثقافية في دولة الكويت لا بد من التوقف طويلا عند الحركة المسرحية والحركة الدرامية في الكويت. وتقول الدراسات النقدية إنَّ الكويت عرفت المسرح منذ العام 1938. على يد أساتذة من بعثة المدرسين العرب، تلك التي جاءت إلى الكويت في ديسمبر 1936. ويذكر أن أول مسرحية من نشاطات المسرح المدرسي كانت من تقديم طلاب مدرسة المباركية التي أقيمت على ساحتها في العام 1938-1939، حيث عرضت مسرحية "إسلام عمر" أو "عمر بن الخطاب في الجاهلية والإسلام"، وفي العام الدراسي نفسه قدمت مسرحية "فتح مصر".

واستمرَّت المحاولات المسرحية مرتبطة بالمدارس؛ إذ تشكَّلتْ في العام 1939 فرقة بمدرسة الأحمدية، وفي العام 1940م ظهرتْ فرقة مدرسة الشرقية، ثم فرقة مدرسة القبلية، فتأسَّست بذلك أربع فرق مسرحية في المدارس الأربع، ثم توسَّع المسرح المدرسي بعد بعثة الطلاب إلى مصر؛ فكانت لهم تجارب أثرت في الحركة المسرحية؛ ومن نتائجها: مسرحية "المروءة المقنعة" في نوفمبر 1947، وبعد ذلك مثلت فرقة التمثيل رواية هزلية اسمها "مهزلة في مهزلة" التي تعتبر أول نص مسرحي كُتِب في الكويت، من تأليف الشاعر أحمد العدواني، ثم أخذت الحركة المسرحية الطابع الرسمي؛ وذلك بعد استدعاء دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل، الممثل المصري زكي طليمات؛ للتباحث معه في شؤون المسرح رغبة في تطوير الحركة المسرحية في الكويت. وتكوَّنت في دولة الكويت الشقيقة أول فرقة مسرحية رسمية في أكتوبر من العام 1961، بالتعاون مع وزارة الشؤون بتكوين فرقة المسرح العربي كنواة للمسرح الكويتي الحديث، لتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ المسرح في الكويت تحت إشراف زكي طليمات، وقد تكوَّنت فرقة المسرح العربي نتيجة لاختبار عملي وليس بتلقائية الزمالة في المدرسة أو فريق الكشافة، وانضمَّت لأول مرة فتاتان كويتيتان (مريم الغضبان ومريم الصالح) وقد ضمت الفرقة إلى هذا العدد من الكويتيين 40 شخصا، والكويتيات خمسة عشر عضوا من أبناء الأقطار العربية، وممثلتين مصريتين، وقد تم الاختيار بمعرفة طليمات ومحمد النشمي.

وفي مجال الأعمال الدرامية، لا بد من القول بأنَّ الكويت أول دولة خليجية تؤسس محطة تليفزيونية رسمية؛ حيث بدأ تليفزيون الكويت بثه الرسمي في 15 نوفمبر 1961. وذلك من الحي الشرقي من مدينة الكويت، وكان المقر في تلك الفترة عبارة عن غرف تتوزع عليها كل أنشطة التلفاز من إخراج وبث للبرامج والأخبار والإدارة وكل قطاعات التلفاز، وكان بث التليفزيون يلتقط في بقية أقطار الخليج بوضوح في الأوقات التي تشتد فيها الرطوبة صيفًا. وقامت دولة الكويت في العام 1969 بإنشاء محطة إرسال تليفزيوني في دبي تحت اسم "تليفزيون الكويت من دبي". وقبل انطلاق التليفزيون الرسمي بسنوات طويلة، عَرفت الكويت بثًّا تليفزيونيًّا خاصًّا على نطاق محدود.

ويعدُّ التليفزيون الكويتي الأكثر نشاطا في منطقة الخليج؛ حيث أسهم كثيرًا في تطور الدراما التليفزيونية في الكويت ومنطقة الخليج. لذلك تُعتبر جميع كلاسيكيات الدراما التليفزيونية الخليجية اليوم هي دراما كويتية بممثلين كويتيين، وهي في معظمها دراما يحن لها أهل الخليج كثيرا اليوم. وتوَّجت الكويت، مُؤخرا، مشهدها الثقافي بافتتاح مركز الشيخ جابر الثقافي، والذي يضم ثلاثة مسارح؛ أحدها مسرح أوبرا مجهز وفق أحداث التقنيات.

وجهز مسرح الأوبرا -الذي يضم 2000 مقعد، بإمكانيات تقنية عالية تتيح لها استضافة عروض أوبرالية عالمية وعروض باليه وعروض موسيقية وأوركسترالية. ويعد المركز -الذي حمل اسم أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح- صَرْحًا ثقافيًّا وفنيًّا مُميزا، يقبع على شارع الخليج العربي بمساحة 214 ألف متر مربع تقريبا، مُشكِّلا تحفا معمارية أكبرها مبنى المسارح بمساحة 10 آلاف متر مربع، ويتكون من مسرح رئيسي "المسرح الوطني"، ويتسع لحوالي 2000 شخص، إضافة إلى المسرح الدرامي الذي يتسع لـ700 شخص وآخر للبروفات بسعة 200 شخص. ويتكوَّن المبنى الثاني -وهو مركز الموسيقى الذي يقع على مساحة 7000 متر مربع- من قاعة كبيرة للحفلات الموسيقية تتسع لـ1200 شخص، ومسرح أصغر منه يتَّسع لحوالي 600، فضلا عن مكتبة للمؤلفات الموسيقية مُخصَّصة لجميع الأعمار. وخُصِّص المبنى الثالث من المركز للمؤتمرات، ويحتوي على قاعة سينما تتسع لـ430 شخصا وقاعة متعددة الأغراض تتسع لـ520 شخصا، إضافة إلى قاعة مُخصَّصة للمحاضرات بسعة 122 شخصا، بينما يشتمل المبنى الرابع على المكتبة والمستندات التاريخية وقاعات المكتبة ومسرح متعدد الأغراض يتسع لـ354 كرسيا وقاعة اجتماعات.

تعليق عبر الفيس بوك