"QNB": الصين تفضل استقرار اليوان على حساب النمو الاقتصادي لكبح هروب رؤوس الأموال

 

 

الرُّؤية - خاص

قالَ التقريرُ الأسبوعيُّ لمجموعة بنك قطر الوطني "QNB" إنَّ السلطات الصينية تعطي الأولوية لاستقرار عملتها اليوان على تحقيق النمو الاقتصادي؛ بهدف كبح هروب رؤوس الأموال؛ وذلك من خلال اختيارها تبني حزمة إجراءات، والتي تشير إلى أنَّ الحكومة مُلتزمة بوقف التدفقات الخارجة لرؤوس الأموال ومستعدة لتحمل الكلفة.

ورجَّح التقريرُ أنْ يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى تباطؤ النمو، كما أنَّ الاستخدام المفرط لضوابط رؤوس الأموال يهدد بإحداث تقلبات مالية في الأسواق. وقال التقرير إنه في شهر  يناير تراجعت احتياطيات الصين من العملات الأجنبية إلى أقل من 3 تريليونات دولار أمريكي، وهو أدنى مستوى لها منذ خمس سنوات بعد الذروة التي بلغتها في يونيو 2014 عند 4 تريليونات دولار أمريكي. وجاء هذا التراجع الكبير نتيجة لسياسة بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) لدعم اليوان الصيني من خلال بيع احتياطيات الدولار بهدف منع العملة المحلية من التراجع. وكان السبب الرئيسي للضغط النزولي على اليوان والانخفاض الأولي في الاحتياطيات هو ازدياد هروب رؤوس الأموال، فقد بلغ صافي التدفقات الخارجية لرؤوس الأموال 654 مليار دولار أمريكي في عام 2016 و673  مليار دولار أمريكي في عام 2015، أو ما يقرب من 6% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد استجابت السلطات من خلال رفع سعر الفائدة مؤخراً وتشديد الضوابط المتعلقة برأس المال، وينبغي لذلك أن يكبح هروب رؤوس الأموال مستقبلاً.

وكانت التدفقات الخارجية الكبيرة لرؤوس الأموال مدفوعة بأربعة عوامل. أولاً: تباطؤ زخم النمو في الصين مع تحول البلاد من النمو المدفوع بالاستثمار والصادرات، وهو ما يتطلب قدراً كبيراً من رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، إلى اقتصاد أقل اعتماداً على رأس المال وقائم على الاستهلاك، وأدى ذلك إلى تقليل عوائد المستثمرين. وتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي تباعاً في كل عام منذ عام 2010، العام الذي كان متوسط النمو يبلغ فيه 10.6%، إلى أن بلغ معدل النمو 6.7% في عام 2016. ثانياً: أدى تزايد أوجه القصور المالي إلى تقليل ثقة المستثمرين بشأن التوقعات الاقتصادية طويلة الأجل. فمشكلة فائض الطاقة الانتاجية تهدد القطاعات الصناعية الرئيسية مثل الصلب والفحم، وتجاوزت ديون الشركات حالياً 160% من الناتج المحلي الإجمالي، وأصبحت سوق المنازل هشة. وعلاوة على ذلك، بدأت الحكومة تدريجياً في تقليص سياساتها التحفيزية وتشديد قوانين الإقراض في محاولة للحد من أوجه القصور. وقد أدت هذه التطورات إلى تقليص جذب التدفقات الرأسمالية الواردة ونتيجة لذلك تجاوز الاستثمار المباشر في الخارج الاستثمار الأجنبي المباشر  في الداخل في عام 2016؛ حيث بلغت نسبة صافي التدفقات الخارجية للاستثمار المباشر 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع صافي تدفقات واردة بنسبة 0.6% في عام 2015 و 1.4% في عام 2014. ثالثاً: أدى ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى اجتذاب رؤوس الأموال بعيداً عن الصين. فقد قام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس منذ ديسمبر 2015، ويتوقع أن يقوم بجولة إضافية من رفع الفائدة بواقع 50 نقطة أساس في العام 2017. وقد دعمت سياسة التشديد النقدي ارتفاع قيمة الدولار. فمنذ يونيو 2014، ارتفعت قيمة الدولار بنسبة 24.7% مقابل سلة من العملات الأخرى. وأمام تقلص العائدات المحلية وتراجع قيمة العملة، بدأ المستثمرون الصينيون بتنويع محافظهم والتخلي تدريجياً عن الانحياز  التاريخي للاستثمار المحلي. وسجلت الصين صافي تدفقات خارجة للمحفظة بنسبة 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي في 2015 و2016 مقارنة بصافي تدفقات واردة للمحفظة بنسبة 0.8% في 2014.

رابعاً: أدَّت المخاوف بشأن تراجع قيمة اليوان الصيني إلى زيادة التدفقات الخارجة مع سعي الشركات والبنوك لسداد ديونها الخارجية. فبُعيد الأزمة المالية، قامت الصين بتحرير الوصول إلى أسواق الدين الخارجي. وقفز مستوى الديون الخارجية من أقل من 4% من الناتج المحلي الإجمالي في 2010 إلى أكثر من 12% في 2015 مع استفادة الشركات والبنوك من انخفاض أسعار الفائدة وتراجع قيمة الدولار الأمريكي. لكن، وبعد أن فاجأت الحكومة الأسواق بتخفيض قيمة اليوان على نحو غير متوقع في أغسطس 2015، تسارعت التدفقات الخارجة لسداد الديون الخارجية بسبب المخاوف من إجراء المزيد من التخفيض لقيمة العملة. وقد أدى ذلك إلى زيادة التدفقات الخارجة في 2015، لكنها تباطأت بعد تشديد السلطات لضوابط رؤوس الأموال. واستقر مستوى الديون الخارجية بعد عام 2015 وتراجعت التدفقات الخارجة لتسديد الديون الخارجية.

وقد ردت السلطات الصينية على هذه التطورات من خلال تشديد القيود على الملكية الأجنبية (خصوصاً العقارات) وفرض حد سنوي على قيمة معاملات الصرف الأجنبي والتحويلات الدولية. إلى جانب ذلك، قام بنك الشعب الصيني في 23 يناير و3 فبراير برفع سلسلة من أسعار الفائدة قصيرة الأجل ما بين البنوك. وكان ذلك بمثابة أول زيادة في هذه الأسعار منذ وضعها في عام 2013. ورغم أنها ليست أسعار فائدة قياسية، فقد اعتبرت الخطوة بمثابة تحول في الموقف المتساهل من قبل بنك الشعب الصيني إلى موقف أكثر تشدداً إلى حد ما.

تعليق عبر الفيس بوك