مستقبل صناعة تقنية المعلومات أمانة في يد "مؤتمر البحرين"

عبيدلي العبيدلي

حفلتْ نقاشات المشاركين في النسخة السابعة من مؤتمر البحرين لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات MEET ICT، الذي عقد جلساته خلال الفترة 7-9 فبراير 2017، بمجموعة من القضايا ذات الأبعاد الإستراتيجية فيما يتعلق بصناعة تقنية المعلومات والاتصالات البحرينية وسوقها. فقد توقف المشاركون في المؤتمر عند مسائل في غاية الأهمية؛ من بينها: الحوسبة السحابية، وأمن المعلومات في الفضاء التخيلي (Cyber Space)، و"إنترنت الأشياء". ولمس المشاركون ضرورة وضع "الضوابط التي من شأنها تحفيز استثمارات القطاع الخاص في تقديم خدمة الحوسبة السحابية، ودعم التحول إلى اقتصاد ومجتمع رقمي وتنمية مستدامة، خاصة وأن الحوسبة السحابية تعد توجهاً عالمياً يمثل نقلة نوعية في مفهوم الخدمات الرقمية، وتتيح إمكانات كبيرة، وتحقق خدمات رقمية متميزة في مجالات الخدمات الذكية والتطبيقات الحكومية المشتركة".

وفي هذا السياق، شدَّد المشاركون على أنَّ تطبيقات "إنترنت الأشياء" تجاوزت متطلبات "الحكومات والشركات لتصل إلى الأفراد في مجالات الصحة والتعليم وغيرها، لافتين إلى أنه يجب على الحكومات والشركات والأفراد اتباع عقلية مختلفة فيما يتعلق بنظم المعلوماتية لديها، فلم تعد تكنولوجيا المعلومات مجرد أجهزة وتطبيقات أعمال وبنى تحتية، بقدر ما هي، كما ينبئ مستقبلها خدمات، مع القليل من البنى التحتية والتجهيزات أو حتى دون الحاجة إليها".

ولفت المشاركون في توصياتهم في اختتام أعمال المؤتمر إلى "أهمية تعزيز التشاركية والتعاون بين القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة بقطاع تقنية المعلومات والاتصالات في تطوير آليات وتشريعات تحفظ أمن المعلومات وخصوصية المستخدمين من شركات ومنظمات وأفراد".

لكن بعيدا عن كل تلك التوصيات رغم أهميتها، وما حملته من تلمس المشاركين لاتجاهات سوق المعلومات العالمية وصناعاتها، كانت هناك ضرورة نقلها من مجرد تصورات ذاتية تناقلها المشاركون فيما بينهم، ومحصورة في الأوراق التي دونت عليها، إلى برامج عملية يجري تنفيذها على أرض الواقع البحرين المتعطش لها.

وفوق هذا وذاك، كانت هناك جلستان إستراتيجيتان، مستا جوهر مستقبل صناعة تقنية المعلومات والاتصالات البحرينية المقبل، وحاولتا أن تقرآن واقعها الراهن من خلال علاقة تلك السوق بأربع مؤسسات تمارس دورا مركزيا في تلك السوق؛ وهي: جمعية شركات تقنية المعلومات في البحرين (BTECH)، ومشروع إصلاح سوق العمل (تمكين)، ومجلس البحرين للتنمية، ومجموعة من الجامعات البحرينية الرائدة تتقدمهم "كلية البحرين للتقنية"، وجامعة البحرين. الجلسة الأولى منهما اقتصرت على   جمعية شركات تقنية المعلومات في البحرين (BTECH)، ومشروع إصلاح سوق العمل (تمكين) سوية مع عدد من شركات تقنية المعلومات والاتصالات البحرينية. وتوزعت نقاشاتها على أربعة محاور مركزية هي:

1- تجاوز المعيقات الموضوعية التي تقف في وجه تطور صناعة المعلومات والاتصالات البحرينية المحكومة بمجموعة من العوامل تتمحور حول: محدودية الرقعة الجغرافية، وصغر أرقام التعداد السكاني، والشحة النسبية لموارد الدخل الوطني، ومن ثم حجم السوق المحلية، نسبيا مقارنة بالأسواق المحيطة، وبشكل مطلق أيضا.

2- كيفية النهوض بصناعة تقنية المعلومات والاتصالات البحرينية عن طريق الشراكة الإستراتيجية بين "الجمعية" و"تمكين"، من خلال الاتفاق على خطة عمل ترتكز على دراسة علمية موثقة لسوق هذه الصناعة المحلية والإقليمية، تقوم بها جهة متخصصة في هذا المجال.

3- ضرورة الانتقال بالعلاقة، في بُعدها الإستراتيجي، من مجرد إيجاد حلول آنية قصيرة المدى لمجموعة من الشركات العاملة في هذا المجال، رغم أهمية ذلك، إلى اصلاح جذري شامل بعيد المدى يمس مجمل هموم القطاع ذاته، ويتوقف عند احتياجات تطويره، دون إهمال احتياجات الشركات الآنية المباشرة وغير المباشرة.

4- الانتقال بدور "تمكين" من مجرد المانح المالي إلى مسؤولية الشريك الإستراتيجي، وهذا لن يتأتى إلا من خلال تلمس المشكلات المصيرية التي تعاني منها سوق هذه الصناعة، ورؤية ذلك في إطار التطور الذي تشهده سوق المعلومات والاتصالات العالمية، من أجل الوصول إلى المعادلة السليمة القادرة على تأهيل الشركات البحرينية كي تكون قادرة على المنافسة في سوق تتسم بشدة المنافسة، وسرعة التحول، وصرامة المقاييس، وتفوق المهارات البشرية.

أما الجلسة الثانية، والتي ضمت جمعية شركات تقنية المعلومات في البحري ومجلس البحرين للتنمية، ومجموعة من الجامعات البحرينية الرائدة تتقدمهم "كلية البحرين للتقنية"، وجامعة البحرين، فقد توزعت -هي الأخرى- نقاشاتها على مجموعة مركزية من القضايا يمكن إجمالها في ثلاثة أعمدة حددت معالم صرح العلاقة بين الجهات المتحاورة:

أ- كيفية تنظيم العلاقة بين تدفق الرأسمال الأجنبي إلى سوق تقنية المعلومات والاتصالات البحرينية، بما يضمن استفادة هذه الأخيرة القصوى من ذلك التدفق، ليس على مستوى الشركات فحسب، وإنما على صعيد شامل متكامل يلبي احتياجات تلك السوق، ويشكل رافعة أساسية تضمن تطورها، وتؤسس، بشكل جذري، لتحسين قدرتها التنافسية في الأسواق الإقليمية.

ب- سبل وضع مقاييس، قابلة للتطبيق، تتلمس احتياجات صناعة تقنية المعلومات والاتصالات البحرينية من جهة، وتصقل المهارات الأكاديمية البحرينية من جهة ثانية، بما يضمن حل المعادلة المعقدة التي تنضم العلاقة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، دون أن يعني ذلك الحد من طموحات المؤسسة الأكاديمية، ولا تقليص دائرة نمو أسواق تلك الصناعة.

ج- طرق مد قنوات التأثير المتبادل الإيجابية بين صناعة تقنية المعلومات والاتصالات البحرينية، ودوائر صنع القرار في الحقل الأكاديمي، كي يتسنى للطرفين وضع أسس راسخة، واضحة المعالم، قادرة على بناء صناعة محلية مؤهلة، تتمكن من الصمود في وجه التطور السريع المستمر الذي تشهده صناعة تقنية المعلومات والاتصالات الدولية، والتفاعل معه على نحو إيجابي، يمكن البحرين من تبوء مركزها الذي تستحقه في هذه السوق.

لقد وضعت صناعة تقنية الاتصالات والمعلومات البحرينية مستقبلها أمانة في يد (MEET ICT)، الذي بات اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مطالبا بأن يحمل تلك الأمانة كي يصل بها إلى شاطئ الأمان الذي تبحث عنه تلك الصناعة، ولن تتوقف عن  العمل الدؤوب من أجل الوصول له.