تعاملوا بحب

خالد الخوالدي

 

اليوم 14 فبراير، يوافق عيد الحب أو يوم الحب، وحول هذا العيد أو اليوم اختلاف مستمر بين مؤيد ومعارض؛ فهناك من يرى أنَّ الحب سِمَة عظيمة ورباط قوي يَرْبُط القلوبَ، ومن الضروري أن يُحتَفل به، وآخرون يرون أنَّ الاحتفال بهذا اليوم لا يتعدَّى أن يكون بدعة وتقليدًا أعمي للغرب، وهناك من يَرَى أنَّ الحب ليس له يوم، بل يجب أن يعم الشعوب كلها بمختلف أجناسهم، في زمن انتشرت فيه سمات القتل والتدمير والتهجير، وتبلَّدت فيه المشاعر والأحاسيس، وجفَّت منابعها.

وبَيْن هذا وذاك يَبْقَى الحب حائراً في زمن اللهث وراء المادة على حساب الروح؛ مما يجعلنا بحاجة ماسة لإعادة برمجة أنفسنا ومجتمعاتنا في أفكارنا تجاه الحب، وعلينا أنْ نُزيل أتربة الفكر العقيم عن معاني الحب السامية، وأنْ لا نقع فريسة الفكرة السائدة في مجتمعاتنا العربية بأن كلام الحب "عيب"؛ فلا يمكن أن تقيم أسرة سعيدة إلا بالحب، ولا تربي طفلا إلا بالحب، ولا يمكن أن تقيم أي علاقة في الكون إلا بالحب؛ فالحب حين يكون في قالبه الصحيح، ومع الإنسان الصحيح، وفي التوقيت الصحيح، وحين يكون مبنياً على أسس قوية من الأخلاق والرقي حينها سيثمر أجمل وأرقى العلاقات؛ فالحب ليس له يوم، بل هو فطرة إنسانية تربينا عليها منذ نعومة أظافرنا، فنحن لسنا بحاجة ليوم الحب، وإنما بحاجة ماسة إلى ديمومة الحب لتأصل هذا الشعور وما يتبعه من قيم الرحمة والعطف والاحترام وغيرها؛ فديننا الإسلامي دين حب وتسامح ومعاملة طيبة، فكما جاء في الحديث الشريف: "الدين المعاملة".

ومن هذا الحديث الشريف، يجب أن ننطلقَ في فكرنا وتعاملنا وحبِّنا للبشرية جمعاء لا من باب استغلال الدين في التكفير والتبديع والقتل والترهيب، وعلينا أن نبني أسرنا وبيوتنا بالحب الصادق الخالص؛ فالحب ليس كلمة بل هو شعور وتعامل واهتمام واحترام وتقدير ورأفة وحنان ولطف وقضاء حوائج بروح طيبة مُحِبَّة تحمل الخير، والحب فرح وسرور وبهجة لا تحتاج لمن يرشد إليها ويشجع عليها فأثرها الذي تتركه في النفس كبير، وفي المقابل علينا محاربة كل ما من شأنه أن يُعطِّل العقلَ ويُجمِّد الفكر ومقاطعته، وإغلاق مكاتبه ومكافحته بشتى الوسائل؛ فليعدم الهم ولتعلق المشانق ولتجهَّز المقاصل لمنغصات الحياة ولتُحَارَب بالحب، وهل هناك أقوى من الحب؟!!

احتفلوا بالحب كل يوم، وتلمَّسوه كل لحظة مع أمهاتكم وآبائكم وزوجاتكم وإخوانكم وأصدقائكم، وعبِّروا عن حبكم لهم، ولا تكتموا مشاعركم من باب "العيب"؛ فهناك من بحاجة ماسة لكلمة طيبة، ورسالة مغلفة بالورد، مملؤة بالمعاني السامية؛ فالحب ليس له مكان أو زمان فهو كالهواء نتنفسه في كل لحظة. والحب مشاعر فطرية ومطلب أساسي في ظل الواقع والمجتمع الجاف، وكل الكائنات تعترف بالحب بل وأسمى معاني الحب، وإذا كانت أجسامنا تحتاج إلى الغذاء لنستطيع الحركة فإنَّ أرواحنا تحتاج إلى الحب لتضيء في السماوات المظلمة.

الحب هو أن تحب نفسك وتعيش بسلام مع ذاتك ومن حولك، وتنشر هذه الطاقة الإيجابية بين أفراد عائلتك وأهلك وأصدقائك وجيرانك ومجتمعك، والحب أن تدرك أن لك ربًّا حنانًا منانًا يُحبك ويرعاك، ورسولًا كريمًا مُحبًّا للبشرية جمعاء، ورسولَ محبة وسلام للعالم أجمع، ولو تعامل هذا العالم بالحب النبوي لما وجد القتل والحروب ولا الهجر ولا الطلاق ولا الخصومة، ولما عجَّت المحاكم وكثرت الشكاوى، ولقد جسَّد نبينا الكريم الحب كقيمة في المنظومة المجتمعية؛ وذلك من خلال حثه وحرصه وتأصيله لهذا المبدأ من خلال قوله عليه السلام: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم".

وأنا شخصيًّا مع عدم الاحتفال بيوم الحب كيوم؛ لأنَّني أرى أنَّ الحبَّ قائمَ وأزلي، ومن يحتفلون به زائلون، ويبقى الحب ما بَقِيَت الحياة البشرية السوية، وأدعو أن تجعلوا أيَّامكم وتعاملاتكم كلها بالحب، خاصة مع عوائلكم فهم أولى الناس بكم.. ودمتم ودامت عُمان بخير.

[email protected]