مدرين المكتومية
هناك في تلك الزاوية التي تركت فيها قلبي معلقاً، أعود من جديد لأبحث عن بقايا الحنين والحب، والزهرة التي تركتها تموت وحيدة دون أن أكترث لها، فقط لأن "الكبرياء" ساعتها وقف أمام كل شيء جميل ومُمكن، وكل شيء قابل للتغيير، هذا الكبرياء الذي يدفعنا لأن نغمض أعيننا عن أيّ شيء ويبقى هو فقط حاضراً ..
نلتفت له بلهفة المحب والعاشق وكأنّه أسمى من أي علاقة جميلة قد تولد في لحظات الصمت.
لأنني أحببت تلك الزاوية التي تدخل من نافذتها بعض أشعة الشمس الدافئة في المساءات الشتوية الباردة، كان لابد أن تكون إحدى حالات العشق التي قد نسطر لحظاتها بيننا وبين الآخرين. فمن هناك كانت البداية وفي نفس الزاوية تجمعت خيوط النهاية، وأن يكون الكبرياء هو العشق يعني أنَّك ستعيش دائماً بقناعاتك، ولن تكون هناك فرص للتنازل أو تبادل وجهات النظر مع الآخرين، ولن تعطي لغيرك فرصة للتعبير عن رأيه أو إبداء أية مُلاحظات تجاه علاقته بك، وأي موقف دار بينكما، وأي وجهة نظر تتعلق بآخرين.
الكبرياء يدفعك لأن ترى نفسك أفضل من غيرك، شخصية استثنائية رغم أنف الجميع، وأن تكون لديك قدرة على صناعة نفسك بنفسك، وأن تجد في الحياة مُتعة المغامرة والتجربة ولكن ليس بمعزل عن الجميع..
الكبرياء سمة وقيمة إذا أردنا أن نشعر بها علينا أن نكرسها من أجل النجاح والمضي قدماً في دروب الحياة، وبالنسبة لي أجدها من أهم مزايا الأشخاص الذين يثقون بقدراتهم أمام غيرهم، سمة من لديهم القدرة على المُبادرة والابتكار، هؤلاء الذين إذا وجدوا أنفسهم في قلب أية مشكلة سيتمكنون من الوصول إلى حل مرضٍ، فالكبرياء سيُساعدهم على إبقاء قلوبهم قيد التريث والانتظار.
هؤلاء لاخوف عليهم من اختلاط ما يدور في أذهانهم بما تنبض به قلوبهم، فالقرار الأخير لن يمر سوى من نافذة الكبرياء .. يحاولون المضي رغم العثرات والعراك الذي قد يكون سبباً للتوقف، هؤلاء لا يتركون عقولهم لتُقرر كل شيء، ولا يجعلون من قلوبهم متسلقاً للجميع، يقفون في المنتصف، في مرحلة التوازن في كل شيء لذلك لا يستصعبون شيئاً ولا يحجمون الأمور.
الكبرياء هو الشعور الذي يجعلنا نعود دائماً للأماكن التي كانت في يوم ما نوافذ سعادة مطلقة واشتياق متواصل، نعود إليها وحدنا لنتذكر من كان رفيقنا، نعود لنستعيد تلك التفاصيل الدقيقة، ولنشتم رائحة العطر التي نشتاق إليها، وننثر بقايا من رماد سجائره التي تناساها في مطفأة طاولة تلك الزاوية في مقهى يدعى "بيبليوتيكا"، نعود لنتمنى أن يفكر بنا كما نُفكر به، نعود لنتمنى أن يُخبرنا أحدهم أو ربما النادل أنه عاد لنفس المكان في أحد الإيام، وحده شارد الذهن ليُفكر بنا وليس بصحبة أحد آخر، ننتظر بارقة أمل تُسعدنا، ولكن الصعب في الموقف نفسه حين نجده أمام أعيننا يبحث عن نفس الزاوية التي كنُّا نرتادها معاً في زمن من الأزمنة، ساعتها تعود لأذهاننا تلك الرغبة الجامحة بترك المكان ...نتحاشى مشاعرنا الجيَّاشة ونحن نحتمي بـ"الكبرياء"!!
madreen@alroya.info