الرصيف هو الحل

 

 

أحمد الرحبي

كما تُعلِّمنا الصحافة من خلال أسئلتها الستة المطروحة دائماً في التحرِّي حول معلومة وخبر من الضروري أن يتميَّز بالدقة، ولا يحتمل الخطأ، وآفة الأخبار رُوَاتُها كما يُقال، لا بد أن يكون السؤال حاضرا عند التعامل مع بعض المشكلات والقضايا؛ فمن دون التساؤل الجريء الخلاق، لن تكون هناك حلول ومعالجات خلاقة؛ فالتساؤل حول مشكلة معينة، قبل أن يكون دليلا على صعوبة هذه المشكلة واعترافا بها، وهو رغم أنه قد يكون -هذا الاعتراف- مُحرجًا بعض الأحيان للمسؤول وليس بحاجة إليه؛ فهو تكفيه المشكلة في حد ذاتها، ولا يتحمل أعباءَ إحراج الاعتراف العلني بها على رؤوس الأشهاد، لكن يُعتبر التساؤل حول مُشكلة ما نصف المسافة التي نقطعها لحل المشكلة.

والتساؤل حول ما باتت تشكله أمراض مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب  خطورة تهدد صحة المجتمع في السلطنة، يضعها كمشكلة تحت الضوء ويقربها خطوة من الحل، فمع كثرة الإصابة بهذه الأمراض وانتشارها بشكل واسع، جعل وزارة الصحة تقترب من قرع ناقوس الخطر، مُحذِّرة من مشكلة صحية حقيقة تهدد سلامة المجتمع، كما أنَّ لها -هذه الأمراض- بلاشك تبعاتها الاقتصادية إذا ما نظرنا إلى الكلفة التي تتحملها ميزانية الدولة خلال التعامل العلاجي والدوائي مع الحالات المرضية الناتجة عن هذه الأمراض ومتابعتها أولا بأول، وسبب هذه الأمراض في المجمل هو نمط حياة استهلاكي يعتبر ضريبة ندفعها نتيجة للحياة العصرية الخاضعة في كثير من جوانبها لإغراءات السوق وإملاءاته، ونتيجة لعادات غذائية غير صحية تمارس وسط تراخٍ وكسل بات يميِّز الحياة التي نعيشها بفضل المخترعات التكنولوجية التي شملت كافة جوانب حياتنا، وإذا عرف السبب بطل العجب كما يقال.

ورغم معرفة السبب ليس من السهولة التدخل للحد من بعض تصرفات الناس أو سلوكياتهم، كما ليس من السهولة بمكان تغيير عادات الناس الغذائية أو اعادة هندستها؛ حيث من الصعوبة وضع رقيب عليهم فيما يشتهون من مأكل ومشرب، ومن أجل معالجة المشكلة بشكل يخفف من وطأتها لا بد من تعويد الناس على بذل مجهود في الحركة، من خلال خلق عادات المشي اليومي وتعويدهم على ممارسة النشاطات الرياضية، وفي هذه الحالة لابد أن يشكل الرصيف الحل الأمثل، وهو مرفق مهم مازالت مدننا تفتقده، فهو مفتقد، مع ما تفتقده هذه المدن من فضاءات عامة واسعة أساسا، توازي الحيز الواسع الممنوح للسيارة التي نقيد حركتنا بها دائما، وأبرز مثال على ذلك ما تشكله مدينة مسقط -دعك من المدن العُمانية الأخرى- حيث إنَّ مرافق أرصفة المشاه  تكاد تكون معدومة وسط المناطق السكنية والتجارية، أو أنها لم تنفذ بشكل متكامل بحيث تخدم حاجات الناس في تنقلاتهم القريبة في مناطقهم السكنية؛ حيث إنَّ أغلب الشوارع والطرق في مدينة مسقط نفذت بمساحات ضيقة وبأكتاف مترَّبة تجعل عملية المشي والتنقل عملية مضنية في أغلب شوارع المدينة وطرقها، فهل بالامكان التفكير من قِبَل بلدية مسقط في إعادة تخطيط وهندسة الفضاء العام في مدينة مسقط بشكل مبدع، بحيث يخدم حاجات السكان في التنقل والحركة الحرة بمعزل عن أن تكون السيارة هي الوسيلة الوحيدة لهذا التنقل والحركة في أنحاء المدينة، أو مرتبط بها ارتباطا اضطراريا، وهو الأمرالذي سيتيح مجالا لاستغلال الطاقة الحركية والنشاط لمكافحة بعض أمراض العصر التي باتت تفتك بالناس، نتيجة استبعاد النشاط والطاقة البدنية في حياتهم.