سفراء الابتكار

 

 

عبيدلي العبيدلي

فيما يتجوَّل الزائر العربي مشدوها في أروقة معرض "بت"، بما تزخر به أجنحته من آخر ما توصلت إليه بيوت صناعة تقنية المعلومات في مجالات التربية والتعليم، يجد نفسه، دون أي قرار مسبق، يقف أمام جناح دولة الإمارات العربية المتحدة. يتردد ذلك الزائر في الدخول، فليس هناك ما يشد انتباهه مثل الروبوتات المحاكية لحركات الإنسان وسلوكه، أو الابتكارات التي تعرض قدرة التطور التكنولوجي، سواء في الاجهزة والمعدات، أو الخدمات والبرمجيات في تطوير مسارات التعليم والارتقاء بمخرجاته. فعوضا عن كل ذلك تفاجئه مجموعة من الشباب ممن لا تتجاوز أعماره العشرين ربيعا يقفون وراء مجموعة من الطاولات التي توزعت على أرض الجناح، ويصغون بإنصات ملحوظ لسيدة شابة لا تفارق الابتسامة ثغرها، تفوقهم قليلا في العمر.

قبل تناول تجربة زيارة هذا الجناح، لا بد من التعريف بالفعالية ذاتها فـ"بت" هو اختصار لما يعرف باسم (British Educational Training and Technology Show)، وهو حدث سنوي متخصص في عرض استخدامات تكنولوجيا المعلومات في التعليم . تأسس في العام 1985، وتشارك فيه سنويا ما يقارب من 113 دولة ويؤمه سنويا ما يربو على  35.044 زائر.

يكتشف زائر الجناح، في أقل من خمس دقائق أن هؤلاء الأربعة الشباب: روية المحرزي، وعبدالله عبدالقادر، وعبدالله محمد، وأخيرا سلطان السراج، هم دفعة من 160 شابا إمارتيا، يشكلون في مجموعهم مشروعا متكاملا في دول الإمارات يعرف باسم "سفراء الابتكار". وأن السيدة التي يصغون لها هي مديرة إدارة الابتكار والريادة في وزارة التربية والتعليم آمنة الضحاك الشامسي.

ومشروع، أو بالأحرى مبادرة "سفرا الابتكار"، كما تتحدث عنها الشامسي، هو "برنامج نوعي يعزز من خطوات الوزارة نحو إيجاد جيل مبتكر ومبدع، حيث تستهدف المبادرة الطلبة في المراحل الدراسية من الصف التاسع وحتى الثاني عشر، يتم إيفادهم على شكل مجموعات، بحيث تتضمن كل مجموعة 40 طالباً وطالبة، سينطلقون في رحلات علمية وعملية إلى كل من المملكة المتحدة، وسويسرا، وهولندا، وكوريا الجنوبية، (مضيفة) أوضحت أن جدول أعمال الطلبة تضمن كذلك زيارة ميدانية إلى عدد من الأماكن العلمية ومؤسسات بحثية رائدة في مجال الابتكار، مثل المركز العلمي السويسري للتكنوراما؛ حيث شارك الطلاب بالعديد من الورش التدريبية، وأجروا التجارب العلمية في مجالات مختلفة تنمي مهارات التفكير ‏العلمي". وتحمل الشامسي شهادة دكتوراه تناقش "كيف تؤثر الشبكات الاجتماعية في تكوين ملامح شخصيتنا ومشاعرنا".

ويشارك الشامسي هذه الرؤية المتقدمة لهذا المشروع العربي الرائد وزير التربية الإماراتي حسين بن إبراهيم الحمادي الذي يؤكد خلال اللقاء التعريفي لمبادرة "سفراء الابتكار" التي أطلقتها وزارة التربية بجامعة زايد "أن الوزارة ماضية في خططها التطويرية الطموحة للتعليم، من خلال استحداث مناهج تعليمية تعنى بالابتكار، تُدرس بدءاً من العام المقبل، وتكرس هذا المفهوم منذ الصفوف الدنيا؛ لبلوغ رؤية تعليمية عصرية تساهم في بناء مجتمع اقتصاد المعرفة المستدام، (مشيرا) إلى أن مبادرة سفراء الابتكار التي ينتسب إليها 160 طالباً وطالبة، ويتوجهون إلى أرقى بيوت الخبرة والمؤسسات البحثية والعلمية والصناعية في دول متقدمة، هدفها الأول صناعة عقول وطنية متمرسة وكفؤة، وإيجاد جيل مبتكر قادر على قيادة دفة التطور، (ماضيا في) أن وزارة التربية (الإماراتية) وضعت خطة طموحة، تتضمن برامج عدة داعمة لتوجهات الدولة في تعزيز مفهوم الابتكار لدى الطلبة، عبر تقديم مختلف أصناف الرعاية والدعم للمبتكرين وتطوير قدراتهم، وإكسابهم مهارات القرن الـ21، ومن ضمنها استحداث مبادرة (سفراء الابتكار) التي تستقطب طلبة للسفر خارج الدولة، والتحليق إلى منابع الابتكار الريادية، وبيوت الخبرة، والمؤسسات العلمية والصناعية".

وكما يبدو، فإنَّ هناك حملة توعوية تقودها وزارة التربية تحاول زرع أهمية الابتكار في صفوف أوسع قطاع من المواطنين، فنجدها تستعين بوسائل التواصل الاجتماعي من أجل نشر الوعي بأهمية الابتكار على المستويين الفردي والوطني. جاء ذلك في تغريدة لوزارة تقول "يهدف برنامج سفراء الابتكار تمكين الطلبة من الاطلاع على أفضل الممارسات في مجال الابتكار وتعزيز قدراتهم في الابتكار".

الملاحظ أيضًا أنَّ هناك ما يشبه القناعة لدى المنخرطين في التجربة، بمن فيهم الشباب "السفراء" أن هذه التجربة ما تزال فتية، وبحاجة إلى المزيد من التجربة والدراسة من أجل الإغناء والتطوير. هذا ما تستهل به روية المحرزي من الشباب الذين كانوا في الجناح الإماراتي في إكسل، ويؤكده عبدالرحمن، ويصر عليه عبدالله، ويلفت له سلطان، وقبلهم جميعا آمنة الشامسي.

وينبغي التوقف هنا أمام اختيار اسم "سفراء الابتكار"، عوضا عن "سفراء الابداع"، على سبيل المثال. وكما يبدو فإن في ذهن المسؤولين عن المشروع فكرة واضحة تميز بوعي بين التعبيرين، ودورهما في عملية التنمية الوطنية بشقيها الاجتماعي والاقتصادي.

فبينما، يجمع أغلب التعريفات، يقتصر الإبداع على " القدرة على رؤية ما لا يراه الآخرون بطريقةٍ غير مألوفة، لإيجاد حلول للمشكلات المختلفة بأساليبٍ مميزة وجديدة انطلاقاً من عناصر موجودة أصلاً"، نرى أن " الابتكار هو القيام بشيءٍ جديد ومختلف بدلاً من استخدام الشيء نفسه، بما يتناسب مع متطلبات المستهلك واحتياجاته، يمكن القول أنّ الابتكار هو الاختراع نفسه، لكن مع إدخالٍ جديدٍ عليه يناسب ما وجد من أجله".

وتجدر الإشارة هنا -وكما يرد على موقوع "الموهوبون" الإلكتروني- فقد قام عدد من الباحثين بمحاولات متعددة لتصنيف تعريفات الابتكار بهدف التسهيل في فهم جوانب هذه الظاهرة، ومنهم تورانس 1970م، وماكينون 1970م، وجيلفورد 1977م، سيد خيرالله 1990م، وعبدالسلام عبدالغفار 1977، ومحيى الدين حسين 1982، وأحمد عبادة 1984، 1992".