اللغة وأثرها على الإنسان والتنمية

 

علي المعشني

Ali95312606@gmail.com

عُرفت اللغة بأنها: "قدرة ذهنية مكتسبة يمثلها نسق يتكون من رموز اعتباطية منطوقة يتواصل بها أفراد مجتمع ما " وبصفة عامة فإنّ اللغة تُعبّر عن السلوك اللفظي سواء كان شفهيا أو مكتوبا، أو الذي يسمح للفرد بالتعبير عن الأفكار من أجل التواصل مع الآخرين.

واستنادا إلى دوسوسير (Ferdinand de Sausure) المؤسس الشهير لعلم اللسانيات، أنّ هناك فرقا بين الكلام واللغة، بين نشاط الكلام والإطار الذي يتيح له الممارسة، وعليه يمكن التمييز بين الكلام واللغة وفق أسس عديدة منها:

- أنّ الكلام يرتبط باللغة ويتحقق كنتيجة لاستعمال اللغة

- اللغة واقع اجتماعي ثابت بينما الكلام عمل فردي

- اللغة نتاج يرثه الفرد تقريبا بينما الكلام عمل إرادي

- اللغة ظاهرة اجتماعية والكلام ظاهرة فردية

ويقول اللغويون: خرجت العربية من موطنها الأصلي تحت راية الإسلام، ودخلت في الإسلام شعوب، فتعرب بعضها ولم يتعرب بعض، وتشكلت الأمة العربية من المناطق التي تعربت، وهكذا غدت العروبة حافظة بأمة العرب، والمعقل الأساسي للإسلام في آن واحد معاً.

الحرب على العرب والعربية:

بعد الانتشار الواسع التي لاقته اللغة العربية، وارتباطها ارتباطاً وثيقاً بتعاملات المسلمين، بدأت الغزوات الاستشراقيّة تنهال عليها، في محاولة جاهدة من أعداء الإسلام والعرب لتشويه العربية، فأدخلوا عليها اللغة العامية، أو ما يقال عليها اللغة العربية بشكلها المكسر، وبدأت التعاملات تسري، وانهارت اللغة العربية الفصحى الأصيلة، التي ما عاد أحد يستخدمها إلا ما رحم ربي، ثم بعد ذلك قام أبناء العربية أنفسهم باستبدال عربيتهم بلغات غربية أخرى، كالفرنسية والإنجليزية، وكان الهدف واضحاً منها، وهو تشتيت شمل المسلمين والعرب، والعمل الجاد على ضياع اللغة العربية، التي هي بالأصل لغة الدين الحنيف، فلا تتعجب حينما يتأخر العرب للوراء، ويبقى الغرب في المقدمة دوماً.

من علوم العربية:

مفهوم البلاغة:

هي حسن البيان وقوّة التّأثير - كما في المعجم الوسيط -، وتعني أيضاً الوصول إلى المعنى بكلام بليغ، ويجب فيها مطابقة ومشابهة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته.

علوم البلاغة:

علم المعاني: وهو العلم الذي يبحث في تراكيب الكلام وأساليبه، ويجب مراعاة كلٍّ من المعنى الذي نريد التحدّث عنه، واللفظ الذي يعبر عنه هذا المعنى.

علم البيان: البيان لغة يعني الكشف والظهور.

أمّا اصطلاحاً فهو قواعد معيّنة يعرف بها إيراد المعنى الواحد بطرقٍ متعدّدة مختلفة من حيث وضوح الدلالة على ذلك المعنى.

علم البديع: وهو العلم المختص بتحسين أوجه الكلام اللفظيّة والمعنويّة.

العوامل التي ساهمت في نشأة البلاغة العربيّة

عوامل أوليّة أدّت إلى ملاحظة الخصوصيّة الأدبيّة.

عوامل مساعدة ساهمت في تعميق البحث في الموضوع أو تطويره.

أساس علم البلاغة:

يقوم علم البلاغة على أساسين، هما:

الذّوق الفطري: وهو المرجع الأوّل في الحكم على الفنون الأدبيّة.

البصيرة النفّاذة: وهي القدرة على الموازنة والمفاضلة لبناء أحكام يطمئنّ العقل إلى جدارتها.

فوائد دراسة البلاغة:

فهم معاني القرآن الكريم الذي هو أساس البلاغة ومعرفة أسراره

القدرة على نطق الكلام وتمييز الحسن من الرديء

تنمّي القدرة على اختيار الكلام المناسب للموقف

تنمّي القدرة عند الناقد على انتقاد النصوص الأدبيّة

إدراك الجمل التي يتم قراءتها.

الهدف من دراسة علم البلاغة:

هدف ديني: ويتمثّل في تذوّق بلاغة القراّن الكريم والحديث الشّريف.

هدف نقدي (بلاغي): يتمثّل في القدرة على تمييز كلام العرب من جيّدٍ وسيء.

هدف أدبي: يتمثّل في التأليف الجيّد للشّعر والنثر، وفي التدريب على صناعة الأدب.

تعريف علم النحو في الاصطلاح: هو علم يختص بدراسة الأصول التي تُعْرَف بها أحوال الكلمات العربية من جهة الإعراب والبناء بعد انتظامها في الجملة. فعن طريق هذا العلم نستطيع أن نعرف ما يجب أن تكون عليه الكلمة من رفعٍ أو نصبٍ أو جرٍ أو جزمٍ. (انتهى)

الخزين اللغوي للإنسان وثراء اللغة لهما علاقة مباشرة ومؤثرة بخصوبة الخيال والإبداع والذائقة الأدبية والارتقاء بها. بل ويمتد أثر اللغة إلى تشكيل المزاج العام للشعوب وقيمها وأخلاقها وسلوك أفرادها، على اعتبار أنّ السلوك في أساسه هو نتاج فكر والفكر بطبيعة الحال يتشكل من خلال الموروث القيمي للمجتمع والذي تشكل اللغة محور أساس في تأسيسه وبنائه وصونه.

يقول الأستاذ الدكتور/ عبدالمجيد الطيب عمر (أستاذ بجامعة أم القرى/ السودان): كانت اللغة العربية في عصر العلامة الخليل بن أحمد الفراهيدي تتكون من (12) مليون مفردة ما بين مهمل ومستعمل، بينما أحصت الدراسات الحاسوبية الحديثة أن عدد مفردات اللغة العربية بلغت (6) ملايين مفردة، بينما تتكون اللغة الإنجليزية (وفق معجم أوكسفورد لعام 2010) من (600) ألف مفردة بينها 52% مستعارة من لغات أخرى (من 86 لغة). وأن نسبة 86% من مفردات لغة الطب والعلوم والهندسة اليوم ليست إنجليزية ولا فرنسية بل خليط من عدد من اللغات. (انتهى)

حينما قرر الغرب الاستعماري احتلالنا بعيد انهيار الدولة العثمانية توقف عند حقيقة علمية موثقة ومؤثرة عن سر قوة الفرد المسلم وحيويته الفكرية والتي أوصلت حضارته من بلاد السند إلى الأندلس، وكانت الحقيقة الصادمة لهم هي تمتع هذا الفرد بخزين لغوي واسع وعميق منذ نشأته الأولى والذي يسهم بدوره في بناء الفرد ذهنيًا وذائقة وخيال. فالطفل المسلم - وفق استنتاج الغرب الاستعماري - يحفظ القرآن الكريم وألفية ابن مالك ما بين 3 – 6 أعوام من عمره فيما كان يعرف بالكتاتيب في المشرق العربي، والزوايا في السودان والمغرب العربي والمحظرة في موريتانيا، وهذا يتيح له تخزين أكثر من (50) ألف مفردة في عقله، ثم يأتي ما يكتسبه لاحقًا من بيئته ومن حوله. بينما لا تزيد الحصيلة اللغوية للفرد في الغرب عن (16) ألف مفردة في أفضل الأحوال.

من هنا كان المخطط الغربي لتدمير الفرد المسلم بدءا من عقله، حيث حارب الاستعمار الكتاتيب والزوايا بزعم الهرطقة والتخلف، وشجع على ما يُسمى بالتعليم العصري الحديث والمدارس الخاصة لينال من الخزين اللغوي للفرد وبالنتيجة ينال من جملة هامة من مهاراته الفكرية والسلوكية ومن خلاله نهضة الأمة والوطن.

الفرد العربي اليوم – بفعل نفاذ المؤامرة - لا يمتلك أكثر من (3) آلاف مفردة غالبيتها عامية ولا تُحرض الفكر أو الفرد على الإبداع أو ارتقاء الذائقة ولا حتى السلوك الحميد، بل وأصيب الفرد العربي بالفصام بين العامية والفصحى والتي أصبحت لغة غريبة وموضع هجر وتهكم وهدف لدعوات خبيثة لهجرها بزعم تخلفها وبدعوى اللحاق بركب التطور.

يقول الأديب جمال الغيطاني عن أثر اللغة على الإنسان: بقيت لسنوات طوال وأنا متسائل في نفسي عن أثر اللغة على ملامح الإنسان؟ حتى وجدت الإجابة أثناء زيارتي للصين في عام من الأعوام حيث التقيت بشاب مصري يقيم في الصين منذ ربع قرن ومتزوج من صينية، والذي لم تبق له من مصريّته سوى لهجته وذكرياته، حيث تغيّرت ملامح وجهه بصورة يستحيل معها تمييزه عن أي مواطن صيني.

قبل اللقاء: اللغة في حقيقتها هويّة للإنسان ومن تخلى عنها تخلى عن ذاته، واللغة إحساس ومشاعر وانفعالات ومحرض إبداع وموطن ذائقة وقيم وسلوك وأخلاق قبل أن تكون إيقاعا وأصواتا وأداة تخاطب وتواصلا بين الناس، فكل مبدع في فن التواصل مع الآخرين لابد أن يكون ذا خزين لغوي مميز، والعكس صحيح.

وبالشكر تدوم النعم..