علي بن سالم كفيتان
منذ أربعة عقود ونيف وهو على سدة القضاء في ظفار؛ يقف أبو المعتصم سندا للعدالة وإحقاقاً للحق، لم يتردد يوما عن الاستجابة لطلب كبير أو صغير، رجل أو امرأة.. داره مفتوحة ومجلسه عامر، رجل علم وتقوى وورع، ستجده يجلس مع الناس في طرف جامع الشيخ عيسى ليلقي درسا أو يعقد قرانا، فهو رجل ميسر ويعلم ظروف البلد وأهلها وأكثر جلسائه من العامة لأنّه عندما يجلس إليهم يوحي لهم بالحب والثقة ولا تغيب ابتسامته عنهم، ولا يمنعه مرض عن الناس ما دام قادرا على الوقوف على قدميه، ولا غرابة أن تجده يصطحب معه مجموعة من الناس من الجامع إلى مجلسه فربما هناك أمر يحتاج لمزيد من التداول، فالمجلس هو قاعة صلح ومكان لنشر الفضيلة بين الناس.
منذ عرفنا الشيخ أحمد الخطيب ارتسمت صورته في أذهان الكثيرين كقاضٍ للمدينة الذي لا يتزحزح عن الحق، عرفناه بهيئته البسيطة غير المتكلفة لذلك لا يتورع أحد لديه مسألة عن الإمساك به في الجامع أو في طريق العودة للبيت أو حتى في رواق المحكمة لأنّه يستمع لك جيّدًا بغض النظر عمّن تكون ويعطيك حلا لمسألتك في الحال، ويُقدم على تعطّل مصلحته لقضاء مصالح النّاس، زواره من بسطاء المدينة والريف والبادية لهم أحوال شتى ويأتي بعضهم في أوقات متأخرة فلا يتردد شيخُنا في الحضور إليهم مهما يكون الوقت لأنّه يعلم تمامًا أنّ حاجة الناس عنده، وكثير منهم لا يراعي ظرفه ولذلك فهو يراعيهم ويسامحهم بقلبه الكبير.
يذكر لنا البعض أنّ الشيخ حفظه الله كان ومنذ مطلع عهد النهضة يمثل أحد مرتكزات برزة الحكومة بجانب الوالي فما ليس له حل في قواميس الحكم المحلي يذهب للشريعة والجواب تجده في الحال، ولا تسمح البرزة بمواعيد ولا بتعطيل لأحوال الناس إلا لجلب شهود أو تبيان حقيقة تتطلب التريث لليوم التالي، وكم يذكر الكثيرون زيارات فضيلته للمناطق النائية والوعرة لإصلاح ذات البين عندما يكلف من الوالي آنذاك مع عدد من الوجهاء ورجال الحكومة، فكان ولا زال أبو المعتصم ورغم تقدم العمر وظروفه الصحية صمام أمان لحفظ المجتمع من الغلو والفتن.
بالإضافة لمهامه في القضاء يقوم الشيخ حفظه الله برئاسة لجنة التوفيق والمصالحة بصلالة منذ إنشائها وبهدوئه المعتاد ومخزون معرفته الواسع بمختلف شرائح المجتمع، وبعفويته المعهودة منحه الله ملكة الإقناع ولأنّ ما يطلبه الشيخ من أي شخص أو مجموعة في سبيل الخير والإصلاح يعتبر أمرا غير خاضع للنقاش لذلك فقد أقفل فضيلته مع أعضاء اللجنة العديد من ملفات الخلاف التي كادت في بعض الأحيان أن تعصف بالناس إلى ما لا يُحمد عقباه، كما يُحظى فضيلته بدعم ومساندة من حكومتنا الرشيدة ورجالها المخلصون الذين يسهرون على استتباب الوئام والطمأنينة في عمان. فلا عجب إذاً أن نذكر هذه الهامة ونبرز مقامها وهذا حق علينا تجاه من هم في أمثال شيخنا من باب الاعتراف بالفضل لمن هم أهل له.
عندما تدخل لمجلس الشيخ وقبل حضوره ستجد عصاه واقفه على كرسيه وشاله موضوع في ذات المكان فتعلم أن الرجل في الجوار والناس تتوافد فبعضهم من يقف معه في الخلوة وفي بعض الأحيان في الخارج، وآخرون قضاياهم جماعية، وهناك من يحضر ليتعلم الحكمة من مجلس الشيخ فتجده صامتا في إحدى جنبات المكان، والبعض يجلب معه دعوة لشيخنا لحضور عرسه، والآخر يطلب منه حضور جنازة قريب له توفاه الله ويطلب منه أن يؤم المصلين.
الآن في هذه المرحلة التي ساد فيها حب الظهور وعدم وضع العلماء والقدوات من الشيوخ والوجهاء في مقامهم لم تعد الأمور تسير كما كانت من قبل، ولذلك تراجعت القيم التي كان المجتمع يؤمن بها؛ فالعلماء هم ورثة الأنبياء في الأرض والمجتمع الذي يتجرد من شيوخه الثقاة المشهود لهم بالورع ينزلق لمرادي الهلاك، ونحن بهذا المقال لا نعظم أحدا أو نضع من شأن آخر بل أردنا ترسيخ مبدأ ظل صمام الأمان والعافية لمجتمعنا العماني؛ وهو تقدير لمن لهم الفضل وعدم نسيانهم، وأن نذكرهم وهم موجودون بيننا أحياء يرزقون.
فحفظ الله الشيخ أحمد الخطيب، وأمدّه بالصحة والعافية والعمر المديد وجعله سندا وعونا لتقويم ما أعوج من الأمور في ظل القيادة الحكيمة لمولانا جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- وكم كنت أتمنى أن تمنح هذه الشخصية وساما رفيعا تقديرا لسيرته وجهده المبارك في خدمة دينه ووطنه وحكومته.
استودعتكم الله موعدنا يتجدد معكم بإذن الله.
حفظ الله عمان وحفظ جلالة السلطان.
alikafetan@gmail.com