كتاب "الختم العماني للكتب المخطوطة" يكشف ملامح فن التجليد عند العمانيين

 

 

مسقط - العمانية

من ملامح تطور الحضارة الإسلامية العناية بالصناعات والاهتمام بالمعارف العقلية والنقلية والعناية بالآداب والفنون. ومن بين الصناعات التي أولاها المسلمون عنايتهم الفائقة صناعة الكتاب المخطوط حيث كان المخطوط هو الوسيط الذي تنتقل عبره المعارف بمختلف أشكالها.

وقد تطورت صناعة الكتاب المخطوط لدى المسلمين بشكل كبير؛ لأن الإسلام حثَّ على العلم وضرورة نشره من ناحية، ومن ناحية أخرى اهتم المسلمون بالقرآن الكريم اهتماما كبيرا فأبدعوا في نسخه وتجليده.

ويتناول الباحث العماني خالد بن سليمان بن سالم الخروصي في كتابه "الختم العُماني للكتب المخطوطة" جانبًا مهما من صناعة الكتاب المخطوط عند العمانيين عبر تركيزه على الجوانب الفنية للختم الذي يوضع على أغلفة الكتب في عمان قديما.

ويميط الخروصي اللثام في بحثه هذا عن اكتشاف تاريخي وثقافي مهم يعد الأول من نوعه، حيث إن الختم العُماني عبارة عن زخرفة ابتكرها الفنان العماني القديم لتكون هوية للمخطوطات العمانية، وقد تناول في بحثه الآلات والأدوات المستعملة وكيفية صنع الختم العماني، وأنواع التجليد المستعمل لصنعه وعمر الختم، ودلالات الختم العماني والوحدات الزخرفية المستخدمة فيه، وأجزاءه ومميزاته وأسسه.

 ويتكون كتاب " الختم العُماني للكتب المخطوطة" من مقدمة تليها عدة فصول هي، تعريف الختم، لمحة تاريخية عن فن التجليد، مسميات فن التجليد والمجلدين، مراحل تاريخ فن التجليد في العالم الإسلامي، مؤلفات المسلمين في فن التجليد، أختام الكتب المخطوطة في العالم الإسلامي، كيفية صنع الختم العماني والآلات المستعملة، أنماط التجليد العماني، اعتبارات تقدير عمر الأختام، توقيع الختم العماني بأسماء الصناع، دلالات الختم العماني، الوحدات الزخرفية المستعملة، أجزاء الختم العماني، أسس ومميزات الختم العماني. ويلي هذه الفصول خاتمة وتوصيات للباحث.

وضم الكتاب العديد من النماذج التوضيحية لأنماط التجليد في العالم الإسلامي وعُمان، كما وثق الباحث لنماذج من الختم العماني ومراحل صنعه والأدوات المستخدمة، بهدف تقديم الفائدة العلمية للقارئ غير المتخصص.

 والختم في اللغة هو أثر نقش الخاتم أو الطبع وهو كذلك ما يختم به على الأوراق .. أما من ناحية الاصطلاح فالختم عبارة عن قطعة صغيرة غالبًا ما تصنع من المعادن أو الحجر أو العاج أو العظام أو الخشب، وتحتوي هذه القطعة على نقوش وعلامات لتدل على شيء معين يريد صاحب الختم إظهاره على ختمه، فللختم دلالات تشير إلى هوية واضعه ويشير إلى تملكات صاحب الختم لضمان حقوقه.

 ولأجل الولوج لدراسة فن الختم وباعتبار أن الأختام من أجزاء مرحلة التجليد، يتوقف الباحث عن فن التجليد أولا نظرا لأن الختم يوضع على غلاف الكتاب الذي يكون عادة من الجلد أو مكسوا بالجلد.

فن التجليد كما يسمى في المشرق أو التسفير في المغرب العربي أو التصحيف كما سماه العراقيون فن عريق في الحضارة الإسلامية حيث يضم في طياته عدة تخصصات واستدعى قيامه وجود عدد من الفنيين من خطاطين ومزخرفين ومذوقين ونساخ.

وشهدت صناعة الاختام تطورا كبيرا حيث ابتدأت من تشكيلة واحدة على الغلاف الواحد، إلى أن أصبحت خمسة أصناف من الزخارف وهي الزخارف الدائرية، والزخارف المتصلة بدائرة، وزخارف على شكل هالات، وزخارف على شكل نجوم وزخارف مكونة لقوالب متجاورة.

وقد كانت الأندلس هي المكان الذي انتهت إليه القمة في صناعة الكتب في العالم الإسلامي وشهدت تقدما ملحوظا في صناعة الكتب المخطوطة واختامها. ووقف الباحث خالد الخروصي عند أشهر الأختام في العالم الإسلامي منها الختم العثماني، والمملوكي، والمغربي، والصفوي.

أما الختم في عُمان فكان يصنع من قوالب معدنية غالبا وخشبية في أحيان قليلة، ويدخل النحاس والحديد في صناعة القوالب، ويوضع هذا القالب على قطعة الجلد بعد تطريتها بواسطة مادة ملينة للجلد، ثم يكبس الختم بواسطة مكبس لمدة معينة تعتمد على قوة الكبس حتى تنتقل زخرفة القالب إلى الجلد. والأدوات المستخدمة في الختم العُماني هي، المكبس، والثقل، والدفوف (الأغلفة)، والغراء الذي يصنع عادة من مادة النشا، وأصباغ الجلود، وألوان الأختام، والمسطرة، والعظمة لحك الجلد وتسويته، والمحف لقطع الحواف الزائدة من الجلد، وشمع العسل لتطرية خيوط الحبكات والملازم الورقية، والفرشاة لعملية التنظيف والتصميغ، بالإضافة إلى سكين ومخرز، وإبرة ومطرقة ومسامير حديدية.

ويتوقف الباحث عند تجربة المجلد والمزخرف العماني سعيد بن حبيب الغطريف (القرن13هـ) والمجلد والمزخرف الشاعر محمد بن علي بن عيسى الشكيلي (ق 13-14هـ).

 ويشير وجود الختم العماني في المخطوطات العمانية إلى تقدير العمانيين للكتاب وتشجيع الحكام والأئمة على نشر ثقافة الكتاب، تطور صناعة الكتاب ووجود بيئة صناعية مساعدة للمجلدين والمزخرفين، انتشار وشيوع الفن العُماني، الاهتمام بالعلم ورقي التفكير وكثرة التأليف.

 كما تشيع في الختم العماني الوحدات الطبيعية بما فيها الأوراق النباتية التي تتوزع على زوايا الغلاف الأربع، الحلزون الذي استخدم كتشكيلة من تشكيلات المحيط الأربع، والسمكة التي استخدمت كزخرفة من زخارف محيط الغلاف. أما الوحدات الهندسية فشائعة جدًا في الختم العماني وهي خمسة أنواع؛ الدائرة، والهالة، والمعين، والبيضاوي، والمثلث، والقوس.

وهناك خمس وحدات للختم العماني هي السرة التي تتوسط الغلاف وتحتوي على خيوط دقيقة وضعت بانتظام وتتشكل السرة من تشكيلة الشمس، أما الهالة فتشكل الوحدة المركزية للختم وهي عبارة عن ثلاثة أشكال متعددة الأضلاع بجوار بعضها بحيث تحيط بالسرة، وبشكل عام تتفرع الهالة إلى ثلاث هالات على شكل حلقات متتالية ومتداخلة مع الزوايا الأربع للغلاف فيتم غلقها بأربعة أقواس ذات عمق منخفض تتجه نحو مركز الختم.

وآخر عناصر الختم هو تشكيلة الدرع التي يوجد بداخلها مثلث حيث استعملت هذه التشكيلة أعلى وأسفل الزخرفة المركزية للقضاء على الفراغ الكبير الموجود، كما تم وصل تشكيلة الدرع بالزخرفة المركزية بواسطة خط.

جدير بالذكر أن الكتاب كان قد صدر عن مركز ذاكرة عُمان، ويقع في 80 صفحة من القطع الكبير ومزود بالصور الملونة.

 

تعليق عبر الفيس بوك