أوبرا "يوجين أونيجين" لتشايكوفسكي تصدح في دار الأوبرا السلطانية الخميس والجمعة

 

مسقط - العُمانيَّة

تستضيفُ دار الأوبرا السلطانية، يومي 19 و21 يناير الجاري، أوبرا "يوجين أونيجين" للمؤلف الموسيقي الروسي تشايكوفسكي، المبنية على ملحمة ألكسندر بوشكين الشعرية.

 تتألف أوبرا "يوجين أونيجين" -التي سوف تقدمها فرقة مسرح ستانيسلافسكي ونيميروفيتش دانشينكو الموسيقي في موسكو- من مشاهد غنائية في ثلاثة فصول مقتبسة من رواية ألكسندر بوشكين، التي تعدُّ من أكثر الروايات المحبوبة في الأدب الروسي.

وتروي الأوبرا قصة فتاة ريفية حالمة تقع في غرام شاب من المدينة اسمه يوجين أونيجين، وتقودها مشاعرها المتقدة إلى البوح له بخلجات نفسها في رسالة حب يقابلها الشاب بالرفض فيتركها مكسورة ذليلة، لكن بعد مرور سنوات، تشاء الأقدار أن يلتقيا من جديد، وأن يذوب الشاب في حبها بعد أن يكون قد فات الأوان.

ومثل كثير من الأعمال الأدبية العظيمة، تستمد "أونيجين" عظمتها وروعتها من قدرتها على منحنا بصيرة جيدة لحياتنا؛ فبينما أيقظ "تاتيانا" واقع الحب وسراب العاطفة بشكل فظّ، تحطّم "أونيجين" بسبب سطحيته ونهجه الساخر في فهم الحياة ونجد القصيدة تكشف النقاب على نحو مأساوي وتهكمي عن تعقيداتنا العاطفية ووهمنا وافتتاننا بالقدر. ومن بين جميع أعمال تشايكوفسكي الأوبرالية، تمكنت "يوجين أونيجين" من أن تؤمن لنفسها مكانة بارزة في سجل أعمال تشايكوفسكي الخالدة.

أونيجين التي تقوم في جزء منها على توحد المؤلف مع شخصيتي العمل وآلامهما، هي تصوير حقيقي لعمق وتعقيد الهوية الروسية، ولقد تجاوزت الأنغام والمقاطع السردية الشعبية لتغوص في داخل النفس الروسية وتسبر أغوار العاطفة والحب والحنين من جهة والوهم واليأس والانشغال بالقدر من جهة أخرى.

وغالبًا ما يُعرف أسلوب تشايكوفسكي بثراء ألحانه ودفقها المنساب الممزوج بشيء من الشجن، وقد تنطوي ألحانه أيضًا على دعوة إلى التفكير كما قد تتسم بالسوداوية واليأس اللامتناهيين. ويتناسب ميله إلى الإيقاعات الراقصة المستوحاة من الأنغام الشعبية مع أعمال الباليه التي لحّنها لكنه شكّل عائقًا بالنسبة لكتاباته السيمفونية والأوبرالية التي كانت تقتضي سردًا موسيقيًا للأحداث.

وفي محاولة منه لاستباق رأي النقاد، شرح تشايكوفسكي مقاربته في خطاب قال فيه: "فليكن عملي الأوبرالي غير درامي، ولتكن الأحداث فيه قليلة، لكني مغرم بصورة تاتيانا، ومسحور بأشعار بوشكين، وها أنا أؤلف الموسيقى لهما لأني منجذب إليهما لذلك يستمد تشايكوفسكي جوهر وحيه الغنائي من قوة الموقف وتواحده مع الألم الذي تشعر به تاتيانا ورفض محبوبها لها. لقد لمس مشاعره تحوّل حياة "تاتيانا" من فتاة ريفية بسيطة تقع في حب شاب من المدينة وخيبة أملها في الحياة بسبب رفضه لحبها".

ويقول الدكتور ناصر بن حمد الطائي مستشار مجلس إدارة دار الأوبرا السلطانية: إنَّ كثيرا من أعمال الأوبرا المؤلفة في أواخر القرن التاسع عشر، نجد جذور أونيجين ضاربة في الواقعية المختلطة بميل تشايكوفسكي إلى المقاطع الراقصة والأنغام العذبة، ولقد عمل الموسيقار بدأب مع مؤلف النص الأوبرالي وصديقه قسطنطين شيلوفسكي، للمحافظة على الأبيات الشعرية التي كتبها بوشكين؛ حيث بلغت الحبكة الدرامية ذروتها على نحو بارز مع رسالة الحب الموجهة من "تاتيانا" بدءًا من المشهد الثاني من الفصل الأول.

ويضيف الطائي بأنَّ هذه هي اللحظة التي تحمل بين أحشائها بذرة أوبرا تشايكوفسكي وقوة العاطفة المتقدة التي تتلخص في لحظة ألم وعذاب وحب وحنين، وتعزى قوة هذه اللحظة إلى شدة ارتباطها بالحياة الشخصية للملحن الذي سبق أن تلّقى هو الآخر رسالة اعتراف مشابهة من تلميذته أنطونينا ميليوكوفا، وألقت أوجه التشابه هذه بالملحن في حالة هذيان تتخبط فيها عواطفه وتتضارب ببعضها البعض وصولًا إلى لحظة فشله في زواجه تليها محاولة الانتحار.

ويعتبر مسرح ستانيسلافسكي ونيميروفيتش دانشينكو الموسيقي في موسكو -الذي سيقدم العرض بدار الأوبرا السلطانية مسقط- أحد المسارح الأكثر إثارة للاهتمام في أوروبا؛ حيث شهد على مدى تسعين عامًا من عمره سلسلة طويلة من عروض الأوبرا والباليه الباهرة، والتي تعتبر غالبيتها كنوزًا في عالم الفنون المسرحية.

وقد تأسس هذا المسرح على يد اثنين من أشهر المجددين المسرحيين؛ هما: كي.إس ستانيسلافسكي ونيميروفيتش دانشينكو؛ حيث جاء هذا المسرح في إطار المساعي الرامية لتجديد فنون الأوبرا والباليه. وسيرًا على خطى الآباء المؤسسين للمسرح، فقد عمل فيه العديد من أبرز المخرجين وقادة الأوركسترا ومصممي الرقص والفنانين.

ويشارك في أوبرا "يوجين أونيجين" السوبرانو ناتاليا بيتروجيتسكايا في دور "تاتيانا"، وديمتري زويف في دور "أونيجين"، ويقود الأوكسترا القائد الموسيقي الروسي فيليكس كوروبوف، الذي يحمل لقب الفنان المكرّم في روسيا، والحاصل على جائزة القناع الذهبي من المسرح الوطني في العام 2012.

تعليق عبر الفيس بوك