د. عبد الله عبد الرزاق باحجاج
في لحظة تأمل سريعة، انصرفت رؤيتنا نحو دور سلبي للفترة الثانية للمجالس البلدية، وفيها تساءلنا عن دور الأعضاء الجُدد الذين أفرزتهم انتخابات الفترة الثانية للمجالس البلدية، ماذا سيقدمون من توصيات جديدة طوال الأربع سنوات المُقبلة؟ فنظراؤهم السابقون، لم يتركوا لهم شئياً إلا وقد رفعوا توصية بشأنه، ويكون مصيرها،، وقف التنفيذ،، ففي محافظة ظفار – أنموذج – هناك (1500) توصية مُقدمة من الفترة الأولى، شاملة وكاملة، ولسان الحال هنا، يقول ليس أمام الأعضاء الجُدد سوى تكرار نفس التوصيات، وقد يغرق فيها الأعضاء إذا ما جنحت تأملاتهم في هذه الرؤية السريعة.
وفي لحظة تأمل أخرى مركزة، وجدنا أن هناك مساحة كبيرة للأعضاء الجدد يمكن أن يسجلوا من خلالها اختراقاً مهنياً، ويكسبوا بها المجتمع، ويبرهنوا على مدى إمكانية قيامهم بمهام مستحقة بصرف النظر عن صلاحياتهم الاستشارية غير المُلزمة، وبصرف النظر عن أحكام وقف التنفيذ لتوصيات نظرائهم السابقين، لكن، كيف؟ قبل ذلك علينا التوقف عند المادة (١١) من قانون المجالس البلدية التي تنص حرفيًا "يتم اختيار نائب للرئيس من بين الأعضاء بالانتخاب في أوَّل اجتماع للمجلس، ويكون رئيس بلدية ظفار نائبًا للرئيس بالنسبة لمُحافظة ظفار، وأحد الولاة بالنسبة لمحافظة مسقط يختاره المحافظ " تطبيقات هذه المادة تعطي للمجالس البلدية في المُحافظات حق انتخاب نواب رؤساء المجالس، بينما تبقي حق التعيين لمحافظتي مسقط وظفار، لماذا هذه الثنائية المتعارضة؟ حتى أنّ تلك المادة لم تطبق حرفياً، فرئيس بلدية ظفار ليس نائباً، وإنما رئيساً، فمهما كانت الإشكالية هنا، كان لابد من التصحيح، وهذا لم يحدث وفق ما قرأناه في الموقع الإلكتروني لبلدية ظفار، ولو تأملنا قليلاً في حجم التَّحديات قبل انتخابات الفترة الثانية، لوجدنا أنها ستكون خطوة ذكية، لو بادرنا إلى جعل الرئيس ونائبه بالانتخاب بين الأعضاء أسوة بما هو حاصل في مجلس الشورى، كان ولا يزال مشهدنا الوطني يفرض الإصلاح والتطورات من أوسع أبوابها، لكن ظل التفكير جامدًا عند استصنام التدرج، هذا التعيين يُكرس التبعية للحكومة، ولو شكليًا، ويفقد المجالس البلدية روح استقلالها الذي هو جوهر أساسي لصلب عملها، إذن، كيف تنتخب كل المجالس البلدية نواب رؤسائها ما عدا مسقط وظفار؟ خلل تشريعي يمس جوهر الحق السياسي في بعض مفاصله، وهو لن يخدم المرحلة الراهنة بعد ما كشفت عن عدم الرضا الاجتماعي عن المجالس البلدية في فترتها الأولى، وقد عكسته نسبة الإقبال على صناديق الانتخابات التي بلغت (%39،8) فكيف لو استمر وضع الفترة الأولى إلى الثانية، ودخلنا انتخابات 2020، وقبلها انتخابات مجلس الشورى؟ هذا الهاجس المستقبلي، لابد أن نستحضره من الآن، ونعمل على استدعاء حتمية التطور للمجالس البلدية قبل أن تفقد شعبيتها الاجتماعية، وهذا يتطلب كذلك كسر أسوار عزلة وسرية مُناقشات ومداولات المجالس، لكي تطلع عليها المجتمعات المحلية، وتصبح على علم بالنتائج، وبأداء اختياراتها الحرة.
ولو تفحصنا في قدرات وإمكانيات أعضاء الفترة الثانية - ولنأخذ هنا ظفار أنموذجا - فسوف نجدها تجمع بين الكفاءات العلمية والخبرات التخصصية، وبين الشباب والمخضرمين، وهذا ما يحتاجه العمل البلدي أصلا، خاصة الآن تحديداً، فإذا كانت أبواب العمل الخدمي للمجتمعات المحلية تفرض عليها أقفال من حديد، فدورهم ليس خدميًا خالصاً، بل هو فكري وثقافي وتوعوي، حسب المادة (22) من قانون المجالس البلدية، التي تنص على دراسة القضايا الاجتماعية والظواهر السلبية بالمحافظة، واقتراح الحلول المُناسبة لها بالتعاون مع الجهات المختصة، وهنا نقترح على المجالس البلدية إعداد خارطة لأولويات كل مجتمع محلي خلال الأربع سنوات المقبلة، من حاجات خدمية ومن قضايا اجتماعية وظواهر السلبية، وآليات حلها، مع إشراك النخب المجتمعية والفاعلين من مختلف المستويات السنية في الحل، ففي النموذج الظفاري فإنّ من بين أهم أولوياته، مستشفى جديد، واستكمال مقومات المطار الجديد، وتفعيل دور ميناء صلالة للحاويات، وتطوير المناطق الحرة، وجذب استثمارات جديدة، من أجل توفير فرص عمل، والمساهمة في تنويع قاعدة اقتصادنا الوطني، وهناك ظواهر سلبية قد بلغت درجة القلق مثل التسرب من المدارس والمستويات التعليمية للتحصيل المدرسي، والقات وتجارة السموم الأخرى، من هنا لابد من خارطة للأولويات الخدمية العاجلة، ومن ثمَّ العمل على إقناع صناع القرار بضرورات العمل على تلبيتها، مستخدمين في ذلك كل وسائل الإقناع التي تخاطب العقل السياسي، وينصاع لها لضروراتها الوطنية بعد أن نقدم له حلولاً مالية من خارج موازنة الدولة، ولنا في تجربة الشيخ سهيل بهوان مع وزارة الصحة أفضل نموذج للحلول الممكنة.
أما القضايا الاجتماعية ومُعالجة الظواهر السلبية في كل مجتمع محلي، فهذا شأن محلي خالص، وعلى كل مجلس محلي أن يسارع إلى التعاطي معها قبل أن تخرج عن نطاق السيطرة، حتى لو لم يحققوا اختراقات في ملف الخدمات، وحققوا إنجازات في ملف القضايا والظواهر، فيكفي بها إنجازات كبرى، فهناك قوى الشر التي تستهدف جيل الشباب، وتحاصرهم من كل الجهات وقد غزتهم في عقر مدارسهم وداخل منازلهم، بل إننا لم نعد نأمن على أبنائنا في الطريق المؤدي إلى المسجد القريب من المنزل، هذا تصوير حقيقي للمخاوف من شرور قوى الشر، ولو غلقت أبواب الخدمات في وجه المجالس البلدية، وجعلوا الأربع سنوات فترة زمنية خالصة لمُحاربة الظواهر السلبية، ومواجهة القضايا الاجتماعية - المتفق على حلها، فهذا سيحدث الفارق للفترة الثانية عن الفترة الأولى، وسيكون النجاح المعتبر للمجالس البلدية، هل وصلت الرسالة؟.