أهداف طموحة على المدى البعيد.. والتحديات لا تزال قائمة

"ميزانية 2017".. عنق الزجاجة في الخطة الخمسية التاسعة رغم اختيار أصعب السيناريوهات

◄ مليار ريال "مفقودة" في الإيرادات المتوقعة من النفط بين "التاسعة" و"السنوية"

◄ "الخطة الدوارة والموازنة الصفرية" لمواجهة المتغيرات الاقتصادية غير المتوقعة

الرؤية- نجلاء عبد العال

نتيجة لوضع الخطة الخمسية التاسعة للدولة في ظروف وتحديات اقتصادية غير مواتية، بسبب تهاوي سعر النفط إلى مستويات متدنية، فقد تخبطت التوقعات في تقدير المسار المستقبلي للنمو الاقتصادي على المدى القصير والمتوسط، ولعل هذا ما دفع القائمين على وضع الخطة الخمسية التاسعة إلى الإشارة المتتالية إلى سيناريوهات عدة، تم تطبيق أصعبها في الخطة المعلنة، والتي افترضت متوسطاً عند 55 دولارا للبرميل على مدى سنوات الخطة الخمسية التي تنتهي بنهاية 2020.

غير أن الواقع يبدو أكثر صعوبة من جميع السيناريوهات المتوقعة، فبنظرة إلى ما تضمنته الخطة الخمسية التاسعة من خطوط عريضة وسياسات للميزانية العامة للدولة لعام 2017، وما خرجت به تقديرات الميزانية مطلع الشهر الجاري، يتكشف الكثير من الاختلافات التي ربما تتطلب إعادة النظر في سيناريوهات الخطة الخمسية التاسعة ككل من الناحية المالية.

مرحلة انطلاق

كان أبرز ما يميز 2017 في الخطة الخمسية هو أنها تمثل مرحلة انطلاق إلى مزيد من الانطلاق الاقتصادي، وبدا التفاؤل بنص الخطة الخمسية على الالتزام بتحويل مبيعات ما يعادل (15000)، خمسة عشر ألف، برميل يومياً من النفط الخام إلى صندوق الاحتياطي النفطي اعتبارًا من السنة الثانية للخطة - وهو العام الجاري- مع ربط قرار تحويل أي إيرادات نفطية إلى صناديق أخرى في حالة تحقيق فائض في الموازنة العامة.

وفي جدول التقديرات المالية لخطة التنمية الخمسية التاسعة، جرى بناء الخطة على أن يكون متوسط الإنتاج اليومي من النفط 990 ألف برميل، ولكن نظرا لالتزام السلطنة باتفاق خفض الإنتاج مع منظمة أوبك، فإن المتوسط سيكون بحدود 970 ألف برميل إلى 975 ألف برميل خلال العام، وهو أمر طارئ لم يكن مخططا له، وهو ما يظهر قوة ارتباط الاقتصاد المحلي بالمؤثرات الدولية.

وفيما أخذت الخطة الخمسية بمتوسط سعر 45 دولارا لسعر برميل نفط عمان خلال 2016، إلا أنها كانت أكثر تفاؤلا في تقدير متوسط سعر البرميل خلال 2017 ووضعته عند 55 دولارا للبرميل، وعلى النقيض كانت تقديرات ميزانية 2017 المعلنة قبل أيام أكثر تحفظًا واعتمدت متوسط سعر البرميل عند 45 دولارا.

واختارت الخطة الخمسية التاسعة سيناريو محدد لبلوغ متوسط سعر برميل النفط 55 دولارا للبرميل، بيما كانت هناك خيارات أخرى تشمل وصول المتوسط إلى 62 دولارا للبرميل، وآخر بأن يصل إلى 71 دولارا للبرميل، وثالث بـ60 دولارا للبرميل أما السيناريو الخامس فكان يأخذ بمتوسط 78.2 دولار للبرميل، والسادس 75 دولارا للبرميل، بينما تم اختيار السيناريو الأول بمتوسط السعر الأقل رغم أنه يفضي إلى متوسط نسبة للعجز السنوي بحوالي 10.3 في المئة من الناتج المحلي، لكنه كان السيناريو الذي يحقق الأهداف التي وضعت من أجلها الأطر المالية للخطة السنوية.

مبررات كافية

ومن المحتمل أن يكون لاختيار الخطة هذا السيناريو المبررات الكافية، خاصة وأن جميع الدراسات والرؤى المستقبلية للاقتصاد العالمي لم تتوقع هذا المنعطف الخطير لتراجع أسعار النفط. ووفق المجلس الأعلى للتخطيط فإنه ونظراً للمتغيرات العالمية وخاصة تلك المتعلقة بالتقلبات في سوق النفط العالمي، فقد تضمنت أعمال الإعداد للخطة تطوير سيناريوهات متعددة لمسار الاقتصاد العماني كبديل للسيناريو الأوحد؛ وذلك تحقيقاً لمبدأ التحسب للتطورات الإقليمية والدولية. كما اعتمد رسم هذه السيناريوهات على نموذج استشرافي أُعد خصيصا للاقتصاد العماني؛ إذ يقوم كل سيناريو منها على افتراض سعر معين للنفط يتراوح بين حد أدنى وحد أقصى، وكذلك افتراض التغيير في كمية الإنتاج من النفط بين ثبات هذه الكمية أو تغيرها، وقد أوضح المجلس الأعلى للتخطيط في موجز الخطة الخمسية التاسعة أن هذه السيناريوهات أثرت على المؤشرات والمتغيرات الاقتصادية المحتملة أثناء فترة الخطة.

وفى ضوء التنسيق بين المجلس الأعلى للتخطيط ومجلس الشؤون المالية وموارد الطاقة، فقد تم اعتماد السيناريو الأول والذى يمثل الأساس في التقديرات المختلفة المستخدمة في الخطة، ويفترض هذا السيناريو ثبات كمية إنتاج النفط عند مستوى 990 ألف برميل/ يوم، وأسعار تصاعدية تبدأ بـ 45 دولارا في 2016، ثم في العامين التاليين، ومن ثم الوصول إلى متوسط 60 دولارا للبرميل في 2019، و2020، ليكون بذلك المتوسط لسعر البرميل 55 دولارا في السنوات الخمس.

ووفقا للسيناريو المرجح، فإنّ الخطة تستهدف تحقيق معدل نمو حقيقي سنوي للناتج المحلي في حدود  3% في المتوسط، وأن تصل الاستثمارات الإجمالية إلى 40.8 مليار ريال عماني مقارنة مع نحو 38 مليار ريال عماني خلال الخطة الخمسية الثامنة، بمتوسط سنوي يبلغ 8.2 مليار ريال، أي 28% من الناتج المحلي الإجمالي، ويساهم فيها القطاع الخاص بحوالي 52%. ويتوقع السيناريو أن تنمو الأنشطة غير النفطية بنحو 4.3%، بينما يقدر أن تشهد الأنشطة النفطية ارتفاعا محدودا يبلغ 0.2%، ومن توقعات الخطة الخمسية أيضا أن تصل قيمة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة إلى نحو 28.6 مليار ريال عماني في المتوسط لفترة الخطة مقارنة بنحو 24.6 مليار ريال عماني خلال الخطة الثامنة، حيث من المفترض أن تشهد الفترة الممتدة من 2016 إلى 2020- وفق ما وضعت تقديرات الخطة الخمسية التاسعة- معدلات نمو جيدة للأنشطة غير النفطية في ضوء الإجراءات والخطط الهادفة لدعم التنويع الاقتصادي.

اختلاف التقديرات

لكن الاختلاف في المتوسط المستهدف لأسعار النفط في تقديرات الخطة الخمسية لما ستكون عليه أسعار النفط في 2017 وما قدرته الميزانية السنوية، أظهر فارقا في تقدير الإيرادات، فبينما وضعت الإيرادات التقديرية للإيرادات خلال 2017 عند 9.8 مليار ريال، فإن الميزانية السنوية كانت 8.7 مليار ريال أي أنها أقل بحوالي 1.1 مليار ريال، وغالبية المبلغ المفقود بين التقديرين كان بسبب صافي إيرادات النفط، والتي قدرت في الخطة الخمسية أن تكون 5.49 مليار ريال بينما في الميزانية السنوية قدرت بـ4.45 مليار ريال، بينما كانت الفروق في تقديرات البنود الأخرى للإيرادات أقل وإن كانت التقديرات السنوية أدنى في مجملها من المتوقعة للسنة في الخطة الخمسية؛ حيث تراجعت التقديرات لإيرادات الغاز في الميزانية السنوية إلى 1.66 مليار ريال، إلا أنّها ظلت قريبة من توقعات الخطة الخمسية عند 1.675 مليار ريال، وكذلك تراجعت توقعات الإيرادات الجارية من 2.575 مليار ريال إلى 2.55 مليار ريال، وتراجعت الإيرادات الرأسمالية  من 25 مليون ريال إلى 20 مليون ريال، والاستردادات الرأسمالية من 35 مليون إلى 20 مليون ريال.

وقد أثر هذا التعديل في تقديرات الإيرادات بالتالي على تقديرات الإنفاق العام خلال 2017، فخلال وضع الخطة الخمسية كانت تقدير الإنفاق العام بإجمالي 12.7 مليار ريال، وهو الرقم الذي أعلنت وزارة المالية أنه سيكون الإنفاق الفعلي في 2016، أما الميزانية السنوية فكانت أكثر ترشيدا؛ حيث وضعت الإنفاق عند 11.7 بانخفاض مليار ريال، وهبطت بتوقعات جملة المصروفات الجارية من 9.06 مليار ريال إلى 8.5 مليار ريال. وفي التفاصيل تراجعت تقديرات مصروفات الدفاع والأمن من 3.6 مليار ريال إلى 3.34 مليار ريال، ومصروفات الوزارات المدنية من 4.67 مليار ريال إلى 4.385 مليار ريال، ومصروفات إنتاج النفط الجارية من 400 مليون ريال إلى 330 مليون ريال، وكذلك مصروفات إنتاج الغاز الجارية من 290 مليون ريال إلى 180 مليون ريال، وعلى العكس كان الحال في توقعات المصروفات على فوائد القروض والتي زادت من 100 مليون ريال متوقعة للعام في الخطة الخمسية إلى 265 مليون ريال متوقعة في الميزانية السنوية.

مصروفات استثمارية

وفي بند المصروفات الاستثمارية وضعت توقعات الخطة الخمسية بأن تصل في عام 2017 إلى 3.05 مليار ريال لكن الميزانية السنوية وضعت إجمالي المصروفات الاستثمارية بإجمالي 2.665 مليار ريال، وتشمل المصروفات الإنمائية للوزارات المدنية والتي تراجعت بنحو 200 مليون ريال لتقف عند 1.2 مليار، والمصروفات الإنمائية للشركات الحكومية والتي نقصت بحوالي 10 ملايين ريال لتقف عند 140 مليون ريال، وارتفعت في المقابل مصروفات إنتاج النفط الاستثمارية في الخطة المالية المعلنة بداية العام الحالي إلى 750 مليون ريال بزيادة 30 مليون ريال عما كان مقدر لها في الخطة الخمسية خلال 2017، في مقابل التراجع بالتقديرات لمصاريف إنتاج الغاز الاستثمارية من 780 مليون ريال في الخطة التاسعة إلى 560 مليون ريال في ميزانية 2017.

ويظهر تراجع في تقديرات الميزانية العامة للسنة الحالية في بند المساهمات والنفقات الأخرى، والتي تشمل مصروفات الدعم والتي تراجعت بما يقارب 10% عن التقديرات للعام ضمن الخطة الخمسية وهبطت من 440 إلى 395 مليون ريال.

وجاءت توقعات العجز في الموازنة العامة للسنة بفارق نحو 100 مليون ريال، ففي تقديرات الخطة الخمسية أن يخرج العام بفارق 2.9 مليار ريال بين الإيرادات والإنفاق، بحيث تكون نسبة العجز إلى الإيرادات 30%، على أن يهبط العجز في العام التالي إلى 29% وبحيث يكون متوسط نسبة العجز إلى الإيرادات 29% على مدى الخطة السنوية ككل، وتضع الميزانية للسنة العجز في حدود 3 مليارات ريال.

مراجعة مطلوبة

وبحسب الموجز الذي أصدره المجلس الأعلى للتخطيط حول الخطة الخمسية، فإنّ تقديرات الإطار المالي للخطة الخمسية في المدى المتوسط اعتمدت خلال سنوات الخطة على فرضية أسعار تصاعدية للنفط الخام؛ تبدأ من 45 دولاراً في عام 2016 للبرميل لتصل إلى 60 دولاراً للبرميل في نهايتها، وكذلك ثبات حجم الإنتاج عند مستوى 990 ألف برميل في اليوم. وتعكس التقديرات في الإطار المالي اتباع سياسة مالية من شأنها مواجهة التقلبات الدورية في أسعار النفط طوال فترة الخطة من خلال استهداف معدلات نمو سنوية في الإنفاق العام تقل عما كان مستهدفاً في الخطة الخمسية الثامنة.

ويبدو مما أنتجه واقع الاقتصاد العالمي والمحلي على مدى العام الماضي وما بدا من ملامح للعام الحالي، أنه من غير المستبعد أن تجري إعادة النظر في مستهدفات الخطة الخمسية والتي تأتي أهميتها من كونها الرابط بين إستراتيجيتين طويلتي المدى. ولم يكن ذلك بعيدا عن واضعي الخطة الخمسية؛ إذ كان من أسس الخطة الخمسية ما أطلقوا عليه "الخطة الدوارة والموازنة الصفرية"؛ حيث ذكر موجز الخطة الخمسية أنه نظراً للتطورات السريعة في الاقتصاد العالمي، وانعكاستها على الاقتصاد الوطني، فقد تم انتهاج مفهوم وآليات الخطة الدوارة، والتي تقتضى مراجعة مشاريع الخطة سنوياً بهدف التأكد من كفاءة وفاعلية التنفيذ والاستجابة للتحولات الطارئة، مع مراعاة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وكذلك تم اعتماد مبدأ الموازنة الصفرية وذلك بالتنسيق مع الوزارات المعنية وخاصة وزارة المالية؛ ويستهدف ذلك تجنب الظاهرة التي لازمت التنفيذ في بعض الخطط السابقة وهى تراجع معدلات التنفيذ عن المعدلات المخططة وتراكم الاعتمادات المالية المرحلة من خطة إلى أخرى.

كما إن الخطة الخمسية التاسعة تضمنت إجراء مراجعة وتقييم لمنتصف الخطة الخمسية التاسعة، أسوة بما تم في إطار خطة التنمية الثامنة (2010 -2015)؛ حيث سيتم إجراء تقييم لمنتصف فترة الخطة الخمسية التاسعة في 2018 م. بهدف إعادة النظر في التقديرات التي بنيت الخطة على أساسها إذا كانت هناك ضرورة لذلك، في ضوء المتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية.

ووفقاً للأداء الواقعي في مثل هذه الحالات، من الضروري أن تجرى المراجعة سنويا وليس في منتصف المدى الزمنى للخطة، وذلك لتفادي اتساع الفجوة بين الواقع والأهداف، والتي قد تتحول مع مرور السنوات إلى أمنيات.

تعليق عبر الفيس بوك