عبدالله العليان
تابعتُ، باهتمامٍ، التعليقات والتحليلات والتكهنات، عن الخطوة العُمانية بالانضمام للتحالف الإسلامي، والذي تقوده المملكة العربية السعودية، وكان هناك تعدُّد في الرؤى والتفسيرات والتوقعات، كل له نظرة تختلف عن الأخرى.
ولاشكَّ أنَّ هذه التباينات والتوقعات في أسباب هذا الانضمام مُتوقَّعة لاختلاف النظرة والرؤية للكُتَّاب والمحللين، وتلك مسألة مقدرة، لكن غالبية هذه الكتابات والتحليلات كانت أكثر واقعية، في إعطاء التفسير المنطقي والعقلاني لهذه الخطوة العُمانية التي رآها البعض مفاجأة للتوقعات وفق رؤيتهم، لكنَّ هذه الأقلام في نفس الوقت أشادتْ بالسياسة العُمانية المعروفة دائما بالواقعية، وتتسم بالحكمة والرؤية الحصيفة في كل القضايا العالقة والخافتة.
ولا شكَّ أن عُمان -كما قلت في أكثر من مناسبة- لها مجالها الحيوي، وعُمقها الإستراتيجي، مع دول مجلس التعاون، ثمَّ محيطها العربي بحكم الانتماء للعروبة والإسلام، ومع أنَّ الرؤية العُمانية في العديد من القضايا الراهنة اختلفتْ مع بعض دول المنطقة في بعض الملفات، وهذا الاختلاف كان في الرؤى العامة، وطرق المعالجة؛ ذلك أنَّ الإستراتيجيات والأهداف قد تكون متطابقة تماما، لكنَّ طُرق المعالجة والرؤى الأخرى قد تكون مختلفة لما هو أجدى وأنفع للجميع وفق المنظور الذي يراه كل طرف، وحسب التوقعات كما يراها علماء المستقبليات، في علوم السياسة وتحولاتها، فهناك أشياء تستجد وتبرز لأسباب سياسية وإستراتيجية، وتشكل خطراً حقيقيًّا، لا يُستهان به، وهذا الخطر لابد له من التكتل أو التحالف، يُواجه هذا الخطر قبل حدوثه وتشكله، وهذا التحالف في رأيي، أقرب إلى مفهوم الأمن الجماعي في السياسة الدولية، الذي يهدف لمقاومة العدوان وليس الاعتداء على أحد، وهذا المفهوم يسعى للإبقاء على الاستقرار وعدم المساس بالواقع المستقر؛ لذلك فانَّ دخول عُمان للتحالف الإسلامي لم يكن أمراً عابراً، فهو يمثل السياسة العُمانية الثابتة، من حيث أهمية مواجهة الإرهاب والتصدي لإشاعة القلاقل والتوترات، بكل صوره وأشكاله، لحماية المنطقة من كل التهديدات التي قد تنال استقرارها، وتحولها إلى بُؤرة توترات وصراعات.
صحيح أنَّ هذا التحالف من خلال دوله الكثيرة في منظومته، يسعى للسلم والتعاون مع الجميع، لكنه في الوقت ذاته يهدف للحماية من مخاطر التطرف والإرهاب سواء كان كبيراً أو صغيراً، ومواجهته تصبح أولوية لابد منها، وليس من المنطق تجاهل مخاطره على الجميع. كما أنني أختلف مع بعض الكتاب الذين اعتبروا دخول عُمان تحولاً كبيراً في سياستها. فعُمان كما قلت آنفاً مع محيطها الخليجي منذ تأسيس مجلس التعاون، وقبله تاريخيًّا كانت كذلك، وهذه من الثوابت التي لم تتغير مهما كانت وجهات النظر متعددة في بعض جوانب السياسات الفرعية، وهى في جوانب طرق المعالجات، وليست في الأهداف التي لم تتغير.
وأتذكَّر حديثَ جلالته عام 1973، لمجلة "المصور" المصرية عن أهمية "نحن جميعا نهتم باستقرار الأمن في المنطقة كسياسة عامة، ولا ريب أنَّنا إذا حققنا الأمن في المنطقة وتعاونا جميعا في هذا السبيل، فإننا نكون بذلك قد أمنا أنفسنا ضد أي خطر خارجي، ولا ريب كذلك في الاتحاد قوة، وهو إذا ما أمكن تحقيقه، فإنه سيكون الدرع الواقي للمنطقة".
وتميَّزتْ السياسة العُمانية منذ عام 1970، بشأن مختلف القضايا العربية بالحرص على التعامل الصريح مع مستجدياتها، وهي صراحة لا تخضع لازدواجية المعايير أو خلط الأوراق أو اللعب على التناقضات واستثمارها سياسيًّا، أو المناورات الدبلوماسية التي لا تلامس حقائق الأمور وطبيعتها، وهذا المنظور لا يخضع لازدواجية المعايير، عندما تكون الأمور واضحة وجلية، وفي قضايا جوهرية، فقرارها يأتي من الثوابت المستقرة، التي حدَّدتها، وهي تبني إستراتيجية التفاعل الحيوي الفعال، وهو الوقوف مع الأشقاء، وما يُوحدهم من مصير مشترك، ووحدة الهدف التي تجمعهم، لما فيه مصلحة هذه الأوطان وترابطها وتكاملها في كل الميادين، التي تعزِّز قدرتهم على التصدي للمخاطر المحدقة؛ وأهمها: مواجهة الإرهاب، وإشاعة الفوضى والاضطراب، مهما كانت طرقه وأساليبه.