عيسى الرواحي
من التوجيهات النبوية التي يجب أن يتقيد بها مستخدم وسائل التواصل الاجتماعي هي غض البصر، واجتناب إرسال كل الصور والمقاطع المحرمة التي تحتوي هذه المحظورات، وعلى المرء ألا يستهين ويقلل من خطورة هذا الأمر ووزره عليه، يقول الله تعالى: (قُل للْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ علَى جُيُوبِهِنَّ..) النور: -31-32
ويقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة". وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عَنْ النَّبِيِّ أنه قال: "إِنَّ اللَّهَ كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه".
ولعلّ خطورة هذا الأمر تبدو أشد وأعظم عند طلبة المدارس من الجنسين؛ كونهم في مرحلة المراهقة التي تجعلهم صيدا سهلا للانحراف في مزالق هذه المحرمات إلى أقصى درجاتها، وقد تحدثت عن هذه القضية في أكثر من مقال من بينها مقال بعنوان "ألغام تهدد مستقبل طلابنا" نشر في أبريل 2015م. ومعلوم جيدا كما نص العلماء أن النظر بريد الزنا، ورائد الفجور، والوسيلة إليه.
وما يقاس على البصر يقاس على السمع، فهاتان النعمتان العظيمتان يجب أن يُسخرا في طاعة الله تعالى لا في معصيته، وكما أنّ هناك من النظر ما هو محرم على المسلم، فكذلك هناك من السمع ما هو محرم أيضًا، وما أكثر مقاطع الأصوات التي تنشر اليوم عبر هذه الوسائل وهي تضج بمحرمات السمع يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) الإسراء:36
وإذا كانت الغيبة قولا وسماعا ـ كما هو معلوم ـ محرمة في المجالس، فهي كذلك محرمة بل تكاد أشد حرمة في المجموعات الهاتفية أو ما شاكلها من خلال ذكر مساوئ الآخرين ليسوا من ضمن أعضاء تلك المجموعة، وكل ما يقاس على آفات اللسان من الغيبة والكذب وقول الزور والبهتان وسوء الظن والسخرية والشماتة والاستهزاء والفتنة والنميمة ينطبق حرمته وإثمه من خلال ما يتم تدوينه وكتابته عبر هذه الوسائل، ولا ريب أن الكتابة تحل محل اللسان في هذا الشأن بل المكتوب كما أشرنا في مقالات سابقة أشد أثرا وأعظم خطرا من المنطوق؛ لدوام أثره وسرعة انتشاره، فعلى المسلم العاقل أن يحرص كل الحرص ألا تكون هذه الوسائل والنعم وبالا عليه وحسرة وندامة.
وفي هذا الشأن قد يكسب المرء آثاما وأوزارًا كثيرة من خلال نشره للمقاطع المحرم نشرها، فيكسب إثمها وإثم من ينشرها بسببه، ويناله إثم من يكسب إثمها، ولربما تُحصى عليه السيئات وهو لا يدري، فالمرء كما هو معلوم محاسب على ما قدّم وأخّر، ويكتب له ما عمله وما بقي من آثار عمله حيا كان أم ميتا يقول الله تعالى: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) الانفطار:5 ويقول الله تعالى: (إِنَّا نَحْن نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ) يس: ١٢
ومهما يكن من أمر فإنَّ وسائل التواصل وتقنياتها الحديثة كما أشرنا سابقا تظل من نعم الله العظيمة على العباد، بيد أنها في ذات الوقت سلاح ذو حدين، ففيها من الخير العظيم والنفع العميم ما لا يمكن عده، وفيها من الخطر الجسيم والشر المستطير ما لا يمكن حده، ويظل المرء هو الفيصل في استخدامه لها، والعاقل اللبيب من يحسن استخدام هذه الوسائل في جميع الأحوال فيما يرضي الله تعالى، وفيما يثقل موزاينه يوم القيامة، وبقي أن نشير إلى أمر مهم للغاية وهو ما يتراءى لكثير من مستخدمي هذه الوسائل والتقنيات أنهم يجمعون بين حسن الاستخدام وسيئه، وطيب النشر وخبيثه، بحجة أنهم ما يكسبونه من إثم النشر يعوضونه بالأجر والمثوبة من طيب النشر وجميل الرسائل، وكأنهم بذلك يخادعون الله والذين آمنوا، ولكنهم في حقيقة الأمر ما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون؛ فالمرء يجب أن يكون مطيعا لله تعالى في جميع أحواله، ساعيا إلى الخير مبتعدا عن الإثم أينما حل وارتحل، وفي أي حال كان، فالله تعالى لا يتقبل صنوف الطاعات والقربات إلا ممن كان متقيا له، وليس من التقوى في شيء من يجمع بين الصالح والطالح، والطيب والخبيث، والضار والنافع، يقول الله تعالى: (... إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) المائدة: ٢٧
ختاما نسأل الله تعالى أن تكون هذه الوسائل بشتى أنواعها وصنوفها شاهدا لنا يوم القيامة لا شاهدا علينا، وأن يوفّقنا لتسخيرها في ما يرضيه، وما يحقق لنا النفع والخير والصلاح والرشاد، وأن يرزقنا أداء شكرها والتقرّب إليه بها، وأن يجنبنا بها كل مكروه...إنّه سميع مجيب.