أم سارة.. سفيرة العمل الإنساني

 

 

أحمد بن سيف الهنائي

قبل فترةٍ وجيزة تمَّ إشهار جمعية "الرحمة" كواحدة من الجمعيات الخيرية الرسمية في السلطنة، وقد ارتبط في أذهان الناس اسم رحيمة المسافر "أم سارة" رئيسة فريق الرحمة الذي أصبح اليوم جمعية معترفاً بها ويشار إليها بالبنان، كواحدٍ من الأسماء التي لا تنساها القلوب الجائعة والأكباد الظامئة.

هذه الجمعية التي قدمت عطاءات لا تُحجب بغربال، وذاع سيطها في أصقاع البلاد في الحضر والبوادي، ولم تكد تخلو قرية من القرى النائية والقريبة من رسل الفريق وفيض تواصله ومساهماته، بل إنّ عدد المتطوعين والمندوبين المنضوين تحت لواء جمعية الرحمة تجاوز 4000 متطوع.

إذن، من هي "أم سارة" وكيف تمكنت من تأسيس فريق الرحمة وقيادته على هذا النحو من الاحترافية والنَّجاح؟، وتمكنت من إدارة الفريق كل هذه المدة مع مختلف الأزمات والمحن والتّحديات؛ وما أكثرها، منذ تأسيس الفريق 2005م وحتى هذه اللحظة، وجمعية الرحمة تتوهج وتقدم نفسها كرائدة للعمل الخيري. الجواب يكمن في كونها آمنت بإنسانيتها ولم تسلم الراية عند أوَّل مطبٍّ يصادفها.

عملت "أم سارة" في بدايات حياتها كباحثةٍ اجتماعية، في وزارة التنمية الاجتماعية، ولعلها كانت بوابة مفتوحةً بكل حب لكي تسلك طريقها نحو تأسيس العمل الجمعوي، ذلك أنها اطلعت على أوضاع بعض الأسر المُتعثرة، ومن هنا، أعلنت على الملأ أنها سترهن نفسها لهذا الهدف، وأنها من اليوم ستعيش قضيتها الأهم، وهي التفاعل الإنساني الإيجابي.

شقت طريقها بمفردها بدايةً، ثم داخل مجموعةٍ صغيرة بين عددٍ من النسوة في ولاية السيب، كانت تعمل كل واحدةٍ بمفردها، ثم انتقل العمل من شكله الآحادي إلى مجموعة عمل، تمكنت من عقد اجتماعٍ أوَّل في مقر جمعية المرأة العمانية في ولاية السيب، وهي النواة الأولى التي أرهصت لتأسيس الفريق، كما التقت أم سارة آنذاك بجميع الجهات التي تُقدم المساعدات الاجتماعية.

أسفر الاجتماع الأوَّل عن توصية تسجيل وجمع أسماء الأسر المحتاجة التي تتلقى مساعداتٍ متفرقة، وتحديد لائحة خاصة بها؛ توزع حسب المناطق التي تقطن فيها تلكم الأسر. بعد أن امتلك الفريق قوائم واضحة لأغلب الأسر؛ عمد إلى اختيار متطوعين وتدريبهم على ملء البيانات في الاستمارة التي صممت لهذا الغرض وتوزيعهم في البداية على محافظة مسقط.

ساهمت أم سارة باقتدار في تدوير حركة العمل الفعلي في ولاية السيب؛ والتأسيس للعمل الجماعي المنظم، إذ قسمت الولاية إلى 29 "حلة"، لكل "منطقة" متطوعٌ يقوم بحصر عدد الأسر المحتاجة، وإعداد استمارةٍ بحثية خاصة بكل عائلة. شرعت أم سارة" بعد أن أسست فريق الرحمة واكتملت معالمه في مُباشرة تقديم المساعدة للأسر المعوزة؛ ولعل الأنواء الاستثنائية المناخية "جونو" كانت الانطلاقة الواسعة للفريق، ليترك بصمة لا تمحى في ذاكرة المتضررين من البسطاء وذوي الدخل المحدود.

أخلصت هذه المرأة لهذا العمل، وأحبته حبا يفوق حب المال والولد، فجاء مقدماً على كل شيء، وقد نذرت كل مشاعرها وعواطفها وجهدها ومالها له، لا تنفك عن مُباشرة الأعمال بنفسها، وتقف عليها بعناية خاصة، وهي تخطو الآن بزهوٍ في عتبات عقدها الخامس من العُمر، لكنها لم تعرف الكلل أو السأم.

لم تترك أم سارة أية فرصة لتقديم العمل الخيري والإنساني إلا وانتهزتها، سواءً في داخل السلطنة أو خارجها، لم أنس يوم أن سألتها بعد يومٍ شاقٍ وطويل عن سر تعلقها الشديد بهذا العمل الذي ينتزع منها راحة البال وهدوء الحياة وملذاتها ومُغرياتها، فما كان منها إلا أن منحتني درساً آخر من التمسك بالقيم والمبادئ الخلاقة، بقولها: أجد راحتي في مُساعدة المحتاجين ومن تنكبتهم ظروف الحياة.

أيُّ درسٍ تقدمه هذه المرأة طيلة الأعوام السابقة، لكأنها تعزف سيمفونية مجللة بالمهابة على ظهر ربوة مزهرة بأجمل ألوان الطبيعة في تناغمٍ مدهش مع فطرة الإنسان في نزعته للخير ومد يد العون، ففي الوقت الذي يقتنص فيه البعض كل سانحةٍ من استغلال المال العام ومقدرات البلد، تضحي هي بكل ما تملك لأجل أن تزرع بذرة الخير في كل مكان.

لقد أثبتت، هي ورفيقتها الراحلة "أم هود" أنّهما أنموذجان مشرقان للمرأة العمانية التي امتلكت زمام التأثير والتغيير في المجتمع، وعلى ما يبدو أن أم سارة حظيت بتكريمٍ دولي في البحرين وتركيا وغيرهما كأبرز الشخصيات المؤثرة في العمل الخيري، لكن التكريم الذي تفخر به هو راحة الضمير والسعي لمرضاة العزيز الكريم.

Oman1995@hotmail.com