تحليل اقتصادي

 

الإيرادات والإنفاق المقدّرة بعيدة عن الواقع

الرواتب تساوي العجز والاقتراض والضرائب أول الحلول

خطط الخصخصة مازالت بعيدة المدى والدين العام غير مسبوق

تحليل – نجلاء عبدالعال

لا يبدو أن هناك اختلافا جوهريا في طريقة اعداد موازنة الدولة للعام المالي الحالي عما كانت عليه طريقة الاعداد في العام الماضي، وهو ما يبدو جليا في استهداف حد إنفاق عام لا يتجاوز 11.7 مليار ريال عماني، وهو ما يزيد 100 مليون ريال عن المقدر في ميزانية العام المنقضي، وذلك رغم أن وزارة المالية في بيانها تعترف بأن الانفاق الفعلي سيقترب من 12.7 مليار ريال بما يعني أن إجراءات التقشف والترشيد والتي كادت تتحول إلى انكماش في الانفاق الحكومي لم تنجح في الوصول إلى المستهدف، وهو ما يعني أن الحكومة ترى أن بإمكانها أن تخفض من الانفاق الحكومي بنسبة أكبر، فيما أن نسبة التراجع في حجم الانفاق وصلت إلى 17% عما كانت عليه في 2014.

ولم يمر تقليص الانفاق بدون خسائر، فمع محاولات الحكومة لتقليص الانفاق العام فهمت بعض الجهات أن المطلوب عدم الانفاق إطلاقا، حتى على ما ينبغي الانفاق عليه، وهو ما أدى إلى وقوع بعض حالات توقف لعمل المقاولين في مشروعات عامة تنفذها الحكومة، وهذا ما انتبهت له الحكومة هذا العام باعتمادها نحو 1.2 مليار ريال عُماني للصرف على تنفيذ المشروعات الانمائية، وقالت وزارة المالية نصا إنه " تم مراعاة الإبقاء على مستوى الصرف على المشاريع الانمائية بدون تخفيض، وبما يضمن سير العمل وإكمال كافة المشاريع التي هي قيد التنفيذ دون أي توقف أو تأجيل وضمان سداد الدفعات المالية المستحقة عن التعاقدات الحكومية في مواعيدها وبشكل منتظم".

ولأنه من غير الوارد أن يثار غضب الموظفين فإن الحكومة برغم كل الشائعات في هذا الخصوص فإنها أعلنت التزامها بكل ريال من مستحقات موظفي الحكومة، بل أن وزارة المالية لم تكتف بالتأكيد على أن العلاوة الدورية – بنسبة 3% سنويا- ستصرف كما هو معتاد بل إنها استدركت الأمر في اليوم التالي بإصدار منشور لجميع المؤسسات والهيئات العامة لاحتساب قيمة العلاوة الدورية في ميزانيتها بما فيها رواتب يناير لكي لا يخطيء أحد المسئولين فلا يحتسب العلاوة ولو لشهر واحد.

وهذا القرار برغم أنه يمنع قلق الموظفين الحكوميين ومن في حكمهم إلا انه يتعارض مع بند آخر ركزت عليه وزارة المالية في بيانها وتركز عليه الحكومة في جميع خططها واستراتيجيتها وهو المشاركة الفعالة والكبيرة من القطاع العام في خطط التنمية مع استيعابه للمزيد من الأيدي العاملة الوطنية، وترى الحكومة أن سوق العمل يعول عليه لتوفير فرص عمل إضافية في حدود (12) إلى (13) ألف فرصة خلال عام 2017م، مع عدم قدرة الحكومة على توفير فرص عمل حكومية خلال العام، وبنص بيان المالية فإنه "نظراً لظروف الموازنة التي تأثرت جراء الانخفاض الحاد في أسعار النفط، ونظراً لإرتفاع حجم الرواتب ونسبتها من الإنفاق العام وتنامي عبئها المالي، فإن فرص التوظيف في القطاع الحكومي خلال عام 2017م ستكون محدودة، والتعويل بشكل أساسي على شركات ومؤسسات القطاع الخاص لخلق فرص عمل للشباب العُماني، من خلال إقامة المشروعات الاستثمارية ذات العائد الاقتصادي حيث تشير الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات عن إرتفاع عدد العُمانيين العاملين في القطاع الخاص الى (222) ألف عامل في عام 2016م بزيادة قدرها (13) ألف عامل مما يعني أن القطاع الخاص قد استطاع استيعاب هذا العدد وقياساً عليه فإنه من المؤمل أن يوفر سوق العمل فرص عمل إضافية في حدود (12) إلى (13) ألف فرصة خلال عام 2017م."

هذه الرغبة وهذا التعويل على القطاع الخاص تزيد الحكومة من التحديات أمامه باعلانها ميزانيات الرواتب وتشديدها على أن الرواتب الحكومية ميزانيتها 3.3 مليار ريال، وهو ما لا يبدو منطقيا أو عادلا من زاوية نظر أصحاب الأعمال خاصة عند بدء تطبيق العلاوة السنوية لموظفيهم، فهو من ناحية حق للموظفين العمانيين في المساواة مع نظرائهم من موظفي الدولة، وإلا كان البديل عدم رضا وظيفي أو نزوح إلى الحكومة من القطاع الخاص، ولكنه من الجهة الاخرى يعني أن القطاع الخاص عليه أن يرفع ميزانية إنفاقه على رواتب المواطنين بنسبة 3% وهو ما يمثل صعوبة إضافية أمام القطاع الخاص الذي واجه بالفعل عامين في منتهى الصعوبة مع تقليص الانفاق.

وفيما تشير الحكومة بطرف خفي لبند الرواتب باعتباره من أكبر بنود إنفاقها الجاري مذكرة بأن "بند رواتب ومستحقات الموظفين يمثل نسبة (75%) من إجمالي المصروفات الجارية"، فإن الرقم يحتاج إلى مراجعة وتدقيق، فمجموع موظفي الخدمة المدنية لا يصل عددهم على أقصى تقدير إلى 190 ألف موظف، وأن المالية في بيان الموازنة فصلت في بند مصروفات قطاع الدفاع والامن أنه يشمل بندد رواتب العاملين فيه، وبالتالي يفترض أن تكون 3.3 مليار ريال هي قيمة رواتب الموظفين في الجهات الحكومية المدنية، ومع الزيادة السنوية فيفترض أن تكون الخدمات في الجهات الحكومية على أعلى مستو مقارنة بعدد المعاملات التي يؤديها كل موظف، مع سوق صغير مثل عمان، وهل حقا تحتاج الحكومة لهذا العدد من الموظفين في ظل خطط التحول الالكتروني، ولماذا لا تفتح طرق التقاعد أمام الراغبين منهم؟، سيبقى هذا سؤال مطروحا خاصة وأن المبلغ يزيد بالفعل عن حجم العجز المفترض بين الانفاق والإيرادات.

وبذكر العجز المتوقع فإن بيان الحكومة وما رشح في بيانها لم يكن به شيء خارج الصندوق فأفكار تمويل العجز تذهب مباشرة إلى الاقتراض داخليا وخارجيا بالاضافة إلى التمويل من الاحتياطي، ولا يعيب أية دولة أن تلجأ للاستدانة بل إن بعض الدول التي تعد من أكبر المقرضين في العالم لديها أيضا قروض من الخارج فهذه القروض تمثل سياسات وخطط طويلة المدى ولها أحيانا أهداف حتى سياسية، ولكن سلطنة عمان التي استنكفت لسنوات طويلة اللجوء لتمويل مشروعات من جهات خارجية وبفوائد لم تكن تذكر، تلجأ اليوم لهذا الطريق لجوء المضطر وهو ما يجعل المقرض يحاول تحقيق أقصى استفادة من الموقف.

وتظهر تبعات هذا اللجوء المفاجيء للتمويل عبر الاستدانة في تزايد سعر الفائدة التي تقدم بها القروض واسعار الفائدة على السندات التي رغم أنها مازالت في حدود 5.25% إلا أنها مع التراكم وصلت وكما تقول وزارة المالية، فإن عجز الموازنة التقديري وليس الفعلي يمثل نسبة 35% من الإيرادات العامة ونسبة 12% من الناتج المحلي، وذكرت نصا أنه "ارتفاع العجز خلال الأعوام 2015 و 2016م إلى مستويات عالية وغير مسبوقة إلى ارتفاع جحم الدين العام للدولة وارتفاع نسبته إلى الناتج المحلي في نهاية عام 2016م إلى (29%)، وبالتالي فإن معدل خدمة الدين سوف ترتفع تباعاً خلال السنوات القادمة"

وهذه السنوات القادمة هي ملك لأجيال قادمة ينبغي أن يؤخذ في الحسبان ما سيكون عليه الوضع المالي حينها، وإذا كان التوجه الحكومي لتمويل العجز يذهب بالاساس إلى الاقتراض فإن هذا يفسر البطء في إجراءات تخصيص الشركات الحكومية والتي وردت في الخطط الخمسية السابقة، وليس فقط في الخطة الخمسية الحالية.

ما لم يكن باديا في بيان المالية هو الجزء الذي على المواطن استيعابه من أن هناك تبعات ستنال كل سكان السلطنة بسبب ظروف اقتصادية عالمية وأن هذه الظروف قد تطول اكثر من المتوقع، لذلك فان على الجميع أن يتأقلم معها ويتعامل بما يضمن اعلاء المصلحة العليا للدولة.

تعليق عبر الفيس بوك